
إلتآم النسيج الجمعوي بالأطلس الصغير من أجل قضية وطنية، درس في التلاحم المدني المنتج بسوس
- بقلم امحمد القاضي//
كثيرا ما يعاب على أهل سوس إفراطهم في الإحتفاليات والمهرجانات الصيفية، وهدر المال العام وتسارع شركات الداعمين الإقتصاديين المحليين في تمويل اللقاءات الفرجوية على حساب المشاريع التنموية المجالية، رغم أن للإحتفالات جدب سياحي للمغتربين من أبناء تمازيرت.
كما أن البعض يلاحظ الدعم المالي الوفير لمحسني المنطقة للمدارس العتيقة والمواسم الدينية أكثر من دعم الأنشطة ذات البعد التربوي والثقافي، رغم أن سوس العالمة والتصوف الروحي والزهد الديني من نعم جبال الأطلس الصغير.
والعارف بالعمل الجمعوي بسوس يعي جيدا وبالملموس المجهودات التنموية التي قطعتها دواوير المناطق من تبليط للطرقات وحفر للأبار وغيرها بفضل تظافر جهود الفاعلين المدنيين المقيمين بالحواضر كواحب معنوي لرد الجميل لمسقط رأسهم، ودعم الأهالي القاطنة بشكل دائم بتمازيرت.
من المعلوم أن جهة سوس تسجل تواجد أكبر عدد من الجمعيات النشيطة ميدانيا بالمغرب، لدرجة أن ما تحققه ميدانيا أكبر مما تستثمر الجهات الرسمية في تنمية مداشر المنطقة، دون أن ننكر المجهودات الحاصلة مؤخرا من الجهات الرسمية في شق الطرقات وبعض البنى التحتية في الجهة.
إلا أن ما يسجله الجمعويون بسوس على جمعيات المجتمع المدني بالمناطق المجاورة هو قلة التكتل والتوحد من أجل الأعمال التنموية المشتركة العابرة للحدود الإقليمية. المجال يطبعه العمل الإنفرادي والأنانية الجمعوية والتسابق نحو تحقيق السبق الميداني في تنزيل المشاريع والإحتكار للداعمين والشح في تقاسم الأفكار المنتجة والمبدعة والخارجة عن المألوف.
ما صنعه منظموا الملتقى الأول لذاكرة المقاومة بالأطلس الصغير الغربي، بشراكة وتعاون مع المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير في تخليذ ذكرى رموز المقاومة بأدرار، هو سبق جمعوي ودرس في التلاحم للفاعلين المدنيين من تلاثة أقاليم (تارودانت، تزنيت وشتوكة أيت باها)، وأربع مناطق وقبائل متجاورة (أيت عبد الله، إداوكنضيف، تفراوت وأملن) من أجل إحياء المشترك التاريخي.
للتاريخ، هذا العمل المشترك مشروع مجتمعي وجمعوي بإمتياز، دام الإلتآم حول فكرته سنتين، إذ كانت البداية خلال معرض الكتاب لسنة 2023، وبدأت الفكرة تخمر على مهل وبعض التباطئ، إلى أن حل المعرض الموالي سنة 2024، وأخذت الفكرة أبعاد أخرى مع لقاء السيد المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، الذي تبنى الفكرة بحماس مماثل.
تلتها لقاءات مراطونية بين الفاعلين أضفى عليها التواجد الكاريزمي ضمن فريق العمل المناضل الحقوقي مولاي مبارك بودرقة (المعروف في الأوساط اليسارية باللقب الحركي “عباس”)، كما أضافت الأخت أمينة بن الشيخ، نجلة المقاوم الحاج أحمد أوكدورت ومستشارة السيد رئيس الحكومة في ملف الأمازيغية والفاعلة الإعلامية في الحقل الأمازيغي البعد الهوياتي للملف.
تكامل الفريق في تناغم مجتمع مدني من نوع آخر راكم من التجربة والخبرة الميدانية والجدية العملية والثقة ما جعله يحقق ملتقى ناجح بكل المقاييس. فكون جمعيتين من المنظمين تعنى بالبحث والتوثيق (مركز تيملت للبحث والتوثيق، ومركز إداوكنضيف للأبحاث والتنمية) تنم عن رقي الوعي الجمعوي لذى الفاعلين.
حين يتجاوز الجمعيات العناية بالتنمية والتعاون على مستوى الإسم والإهتمام، فهو دلالة على رقي الفعل الجمعوي. كما أن تواجد إتحاد الجمعيات التنموية لأملن، كإطار يجمع ما يناهز خمسين (50) جمعية من جمعيات الدواوير فهو إشارة لنضج العمل الجمعوي بالمنطقة. إضافة لتجربة إعلامية مستمرة راكمت أزيد من 24 سنة من العمل الصحفي كنضال هوياتي.
وأخيرا وليس آخرا، جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله، مسقط رأس المجاهد قائد معارك أيت عبد الله الحاج عبد الله زاكور، الفتية والحديثة النشأة التي صنعت لها إسم في العمل الجمعوي الجاد بالمنطقة بفضل الأنشطة الميدانية المستمرة وكسب ثقة الداعمين والتعاقدات التي حققتها مع منظمات محلية ودولية في ظرف وجيز.
الدرس المهم الذي نستشفه في هذا التكتل هو إستطاعت التجمع تنزيل برنامج الملتقى على مدى يومين وعلى أرضية أربع مناطق متجاورة في تنوع شد الحضور المتتبع، بخضور أساتذة جامعيين بارزين نشطوا الندوات الفكرية حول موضوع الموروث التاريخي، وفي عز فصل الشتاء، فترة هجرة الساكنة المغتربة لأدرار.
ملتقى شد إليه الرحال أبناء المنطقة من كل حدب وصوب، ليسىمن أجل الفرجة كالمعتاد، وحضره وفد رفيع المستوى من المندوبية السامية، يترأسه المندوب السامي شخصيا.
الجميل في ملتقى ذاكرة المقاومة، إستقبال الضيوف في مدرستين عتيقتين بكل من أيت عبد الله وإداوكنضيف، في إشارة لتكامل سوس العالمة وسوس المناضلة، وتقارب العمل الديني الروحي والموروث التاريخي.
والأجمل كذلك فتح أعيان المنطقة مشكورين، بكل من أيت عبد الله، إداوكنضيف وأملن، أبواب منازلهم تطوعيا لإستقبال وإكرام المشاركين وعلى شرف وفد المندوبية الرسمي في وعي راق منهم بأهمية إحياء الذاكرة المنسية للأجيال المتعاقبة.
كما يجب أن نسجل بإرتياح حضور أبناء العائلة الممتدة للمجاهد عبد الله زاكور الملتقى، البعض منهم جاء من فرنسا، كما تتبع أحفاذ المجاهد فعاليات الملتقى عن بعد، وأرسلوا المنظمين من أجل تصويبات بخصوص معلومات حول عدد زيجات وأبناء المجاهد وردت في إحدى التدخلات. الشيئ الذي نشرناه بكل فخر وصدق وأمانة.
الملتقى درس في جدوى التكتل الجمعوي المنتج من أجل القضايا المشتركة، ودرس في نجاعة العمل التشاركي التضامني الجاد، ورسالة لأهمية تجاوز التحديات المفتعلة والضيقة من أجل الصالح العام.
الملتقى سجل تجاوب المجتمع المدني السوسي مع الجهات الرسمية، الممثلة في المندوبية السامية، وأهمية فتح قنوات التواصل وجسور التفاهم من بين الفاعل المدني والجهات الرسمية الوصية من أجل بناء مغرب المبادرات ومغرب التفاؤل.
كما يحب أن نحيي الفاعلين الإقتصاديين الغيورين على المنطقة الذين لم يبخلوا ماديا وعينيا ومنهم من تحمل عناء السفر لحضور الملتقى، كما نسجل تجاوب السلطات المحلية والأمنية وتعاون المجالس الإقليمية في إنجاح فعاليات الملتقى.
نجاح الملتقى عربون على قوة التلاحم وجدوى التكتل من أجل القضايا الكبرى المشتركة، ورسالة للفاعلين المدنيين والسياسيين والإقتصاديين السوسيين لتجاوز الحسابات الضيقة من أجل بناء مجتمع سوسي متماسك ببنية دهنية منفتحة من أجل تنزيل مشاريع تنموية كبرى تخرج تمازيرت من تحديات التطور الإجتماعي والإقتصادي.
بقلم امحمد القاضي
رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News