الرأيالمغرب اليوم

إعمار المناطق المنكوبة وليس تهجير المتضررين ..

بعد مرور بضعة أيام على زلزال 8 شتنبر 2023، بدأت تساؤلات تطرح عن مصير الدواوير المنكوبة، بعد أن دخلت في خانة المناطق المهددة بالزلزال.

وقد جاء بلاغ الديوان الملكي ليوم 14 شتنبر 2023 ليحدد قيمة المبالغ المالية المخصصة لكل متضرر، ويحدد التوجهات العامة لتفعيل البرنامج الاستعجالي لإعادة إيواء المتضررين والتكفل بالفئات الأكثر تضررا من زلزال الحوز، وضمنها إنشاء 000 50 مسكنا.

وقد ركز بلاغ الديوان الملكي على عبارة “إعادة إعمار” الدواوير المتضررة وأكد على ضرورة “إحترام كرامة الساكنة وعاداتهم وأعرافهم” وتراثهم و كذا احترام الخصائص المعمارية المتفردة.

ويظهر من معجم البلاغ والمختار بعناية فائقة أن الأمر يتعلق بإعادة الإعمار وليس بتهجير المتضررين من دواويرهم الأصلية بدعوى تجميعهم في تجزئات سكنية كبرى في شكل يعطي مدنا صغيرة وسط جبال الأطلس.

إن العلاقة بالبيت “تيكمي” وبالدوار لدى ساكنة الجبال ليست كعلاقة ساكن المدينة بشقته، والتي يمكن أن يغيرها عدة مرات، أو يكريها أو يبيعها بدون تأنيب ضمير.

فمنزل ساكن الدوار ليست إلا جزءا من منظومة كاملة تحقق له التوازن على المستوى الإجتماعي والثقافي والإقتصادي.

كما يرتبط الفرد “الجبلي” بمحيطه من حقول و بساتين وأشجار وماشية وعيون ومجاري المياه ويرتبط أيضا بالمسجد والمقبرة وضريح الدوار…التي تشكل محدداته في علاقته بالمجال، حيث يحضر المقدس بشكل كبير يسمح بتحديد واجبات وحقوق كل فرد في علاقته بالآخرين.

وهذا ما يفسر ارتباط المهاجرين بدواويرهم رغم تواجدها في قمة الجبل وفي مواقع يصعب الوصول إليها. كما يشكل الدوار وحدة ثقافية تستمد جذورها من تاريخ عريق وذاكرة حية لا يمكن إعادة إنتاجها في مكان آخر.

إن إعادة إعمار المناطق المتضررة وفق مضمون بلاغ الديوان الملكي لا يمكن أن تعني إلا إعادة بناء الدواوير المتضررة في أماكنها الأصلية مع الأخد بعين الاعتبار احترام الإجراءات الضرورية لتكون البنايات الجديدة محترمة للمعمار المحلي ومتحملة للزلازل.

وكل تفكير في تجميع المتضررين في مدينة واحدة أو عدة مدن كبرى، واسكانهم في شقق صغيرة على شاكلة تجزئات السكن الاقتصادي بالمدن، عكس ما ألفو في دواويرهم، سيكون تهجيرا للساكنة وإبعادا لهم عن أراضيهم ومجالهم الطبيعي والثقافي الذي عاش فيه أجدادهم منذ قرون، مع ما سينتج عن ذلك من تبعات في مستويات أخرى.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى