الاقتصاد

إشكالية التخلف في المغرب: قراءة في فكر عزيز بلال

  • بقلم: محمد زرود//

في كل مرة يُطرح فيها سؤال “لماذا لم يتقدم المغرب كما كان مأمولًا بعد الاستقلال؟”، تعود إلى الواجهة قضية معقدة وحرجة: إشكالية التخلف. تخلف لا يقتصر على الاقتصاد وحده، بل يمتد إلى التعليم، الثقافة، العدالة الاجتماعية، والبنية السياسية.

من بين الأصوات الجريئة التي تناولت هذه الإشكالية بعمق فكري وتحليل نقدي متميز، يبرز اسم الاقتصادي والمفكر المغربي الراحل عزيز بلال، الذي كرس فكره لتحليل جذور التخلف في المغرب والعالم الثالث، وربطه ببنية عالمية تنتج التبعية وتمنع الاستقلال الحقيقي.

التخلف ليس قدراً… بل بناء ممنهج

رفض عزيز بلال أن يُفهم التخلف على أنه مجرد تأخر زمني عن ركب الحضارة الغربية. بل اعتبره بنية اقتصادية واجتماعية مفروضة من الخارج، أفرزها الاستعمار، وتواصلت أدواتها بشكل جديد في مرحلة ما بعد الاستقلال.

في نظره، التخلف ليس فقط غيابًا للتنمية، بل نموٌ مشوَّه يخدم مصالح القوى الكبرى، ويُبقي البلدان النامية في موقع “الخادم” ضمن اقتصاد عالمي غير عادل.

اقتصاد الريع والتبعية بدل الإنتاج والتحرر

ما بعد الاستعمار، كان المغرب أمام خيارين:
• إما بناء نموذج تنموي مستقل، قائم على التصنيع والإنتاج المحلي.
• أو الاستمرار في نموذج الاقتصاد التابع، القائم على تصدير المواد الخام واستيراد السلع المصنعة.

للأسف، تبنّت السياسات الرسمية الخيار الثاني، مدفوعةً بتوصيات مؤسسات التمويل الدولية، ما جعل الاقتصاد المغربي هشاً، ريعيًا، وغير قادر على خلق الثروة أو امتصاص البطالة.

وفي رأي بلال، فإن تبني المغرب لاقتصاد السوق دون حماية إنتاجه الوطني، هو استمرار للتخلف بأدوات ناعمة.

الفوارق الاجتماعية: عرضٌ أم جوهر؟

من أبرز مظاهر التخلف بالمغرب، بحسب بلال، اتساع الفجوة بين:
• المركز (المدن الكبرى) والهامش (البوادي والمناطق النائية).
• النخب الميسورة وشرائح واسعة من الشباب والطبقات الكادحة.

هذه الفوارق ليست نتائج عرضية، بل جزء من نموذج اقتصادي يُعيد إنتاج الامتيازات لصالح فئة محدودة، على حساب الأغلبية.

التعليم: من أداة للتحرر إلى وسيلة للترويض؟

انتقد بلال النظام التعليمي المغربي الذي لا يُحرر العقل، ولا يخدم التنمية، بل يُفرز أجيالاً مهيأة للاندماج في اقتصاد ريعي أو للهجرة.
ودعا إلى تعليم نقدي، علمي، ومُنتج، يُمكّن المواطن من المساهمة الفعلية في بناء الوطن، لا مجرد استهلاك ما يُنتَج في الخارج.

ما الحل إذن؟

في مواجهة هذا الواقع، اقترح عزيز بلال خارطة طريق واضحة، تقوم على:
• تحقيق السيادة الاقتصادية عبر الاستثمار في القطاعات الإنتاجية والصناعة الوطنية.
• وضع خطط تنموية مستقلة بعيداً عن الهيمنة الأجنبية.
• بناء دولة قوية وعادلة تستثمر في الإنسان قبل الحجر.
• إعادة توزيع الثروة لضمان العدالة الاجتماعية والمجالية.

فكرٌ يعود بقوة
بعد عقود على رحيله، يعود فكر عزيز بلال بقوة، كمرجعية نقدية لفهم مأزق التنمية في المغرب. في وقت تتكرر فيه البرامج والمبادرات دون نتائج حقيقية، تظل أفكاره شاهداً على أن التحرر من التخلف يبدأ أولاً بالتحرر من التبعية.

فهل نمتلك اليوم الجرأة الفكرية والسياسية لاستئناف مشروع وطني حقيقي… كما حلم به بلال؟

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى