الرأيالمغرب اليوم

إحياء ذكرى المقاومة بسوس، حنين لبطولات وقيم نبيلة في زمن التفاهة والعنترية الإفتراضية: الوجه الآخر لعملة الملتقى الأول للذاكرة الوطنية

  • بقلم امحمد القاضي//

يبدو أن الدفاع عن الوطن في الفترة الإستعمارية من أسمى مظاهر الوطنية ومن أنبل القيم الإنسانية في زمن يتابع فيه عدد كبير من المنتخبين بتهمة تبديد وإختلاس الأموال العمومية، ويقبع طرف آخر من المسؤولين في السجون بتهمة الفساد، ويفر العدد الآخر خارج الوطن خوفا من الإعتقال، وتتلمس الباقية الرؤوس خوفا من إكتشاف أمرها في الخروقات والتجاوزات المالية والمهنية، وما خفي أعظم.

لا يكاد يمر يوم إلا وأطلعتك الصحف والمواقع على إكتشاف إختلالات مالية في قطاع عمومي أو مؤسسة كبرى، ولا تخلو تقارير المجلس الأعلى للحسابات الموسمية، وفرق البحث القطاعية الآنية من إشارات لتجاوزات وفساد طال مالية الصناديق العمومية، وإخلال بالمسؤولية، وإستغلال النفوذ، وإفراط في الإمتيازات، وتهريب ضريبي وهلم جرا من جرم وسلوكات عدوانية ضد الوطن.

إحياء ذكرى المقاومة بسوس، حنين لبطولات وقيم نبيلة في زمن التفاهة والعنترية الإفتراضية: الوجه الآخر لعملة الملتقى الأول للذاكرة الوطنية - AgadirToday

الوطن لم يعد عند البعض سوى كعكة يقتطع منها نصيبه في خلسة من الآخرين، ويلتهمها في الظلام بشراهة، تم يعود طامعا في البقية قبل أن يستفيق “المغفلون”.

ويمسح بعد ذلك فمه من بقايا الأكل المنهوب لكي لا يفضح جرمه، ويخرج أنيقا ليحدث الناس عن النزاهة والتضحية والشعور بالمسؤولية، وقد يطعم حديثه بآيات قرآنية وأحاديث نبوية يكاد السدج أن يقسموا أن يده بيضاء بياض التلج، ويشهدوا عن براءته من الإشاعات براءة الذئب من دم يوسف.

أبتدلت الأمور، وأبخس البعض الأعمال لدرجة أفقدت الأشياء المعنى، ولم يعد المواطن يثق في ظله. وأصبح كل مرشح للانتخابات طامع في الإمتيازات، وكل تعيين في درجة المسؤولية السامية تتبعها تهم العناية أولا بقضاء الأغراض الشخصية قبل العامة، وكل إعلان عن مبادرة أو إطلاق مشروع تسبقها النوايا المبيتة عند عامة الناس. فسدت النوايا والأشخاص قبل الأرض.

وكي لا نكون متشائمين وعدميين، رغم طغيان السلبية وإمتلاء المواقع والعالم الإفتراضي بالأخبار الزائفة، مما أفقد للعيش طعمه. لكن مازال الوطن يحميه غيورين وتسكنه نماذج، على قلتها، مثالية في التعامل والحس الوطني والشعور الصادق بالمسؤولية.

إحياء ذكرى المقاومة بسوس، حنين لبطولات وقيم نبيلة في زمن التفاهة والعنترية الإفتراضية: الوجه الآخر لعملة الملتقى الأول للذاكرة الوطنية - AgadirToday

هذا ما عايشه منظموا الملتقى الأول لذاكرة المقاومة بالأطلس الصغير الغربي، عند الإعداد للمبادرة من تشجيع ومن طرف بعض رجالات سوس، والفاعلين الإقتصاديين المحليين، وجل المنتخبين والمسؤلين الترابيين وأهل المنطقة الذين حضروا فعاليات الملتقى وتحملوا عناء السفر في فصل البرد القارس بجبال الأطلس.

جاؤوا ليعبروا بكل طواعية عن الحنين لزمن المقاومة والبطولة الشعبية العفوية ويسجلوا حضورهم فرصة تكريم رموز الدفاع عن الوطن، أشخاص قضوا نحبهم وتركوا وراءهم مجدا دون التهافت على طلب بطائق المقاومة، اوالطمع في نيل مأدونيات، او إمتيازات ريعية جزاءا على تضحيتهم الشجاعة شرفا في الدفاع عن الأرض والعرض ضد المحتل من أجل وحدة الوطن.

الوقائع التاريخية حكوها معاصري المقاومين، على رأسهم البطل عبد الله زاكور، الملقب ب “أمغار كوعبلا” قائد معارك أيت عبد الله وموحد القبائل المجاورة في آخر معارك المقاومة الشعبية ضد المستعمر سنة 1934.

المفخرة بسوس ان الأحداث جرت في زمن العيش بالندرة، والقناعة بالقلة، والإنزواء في أعالي جبال لم تخترقهم بعد الطرقات، وتصلهم الخيرات، وتبلغهم الأجهزة والأدوات المتطورة، ولم يعلم غالبيتهم أن للمغرب محيط أطلسي وبحر الأبيض المتوسط.

سقف علمهم اللسان الأمازيغي، وقوتهم اليومي ما تحضره نساء البلدة من طحين الشعير وتمار الأشحار المحلية وقمة معارفهم شعائر الدين التي يمارسون، ومساحة البقعة الجغرافية التي يدافعون عنها بشجاعة ووعي نضالي راق.

صدقوني إن قلت أن هناك بجبال الأطلس عجزة مازل سقف معارفهم لم يتزعز، في وقت دفنت فيه بعض الدول النامية آخر أمي ببلدهم في القرن الماضي. هذا موضوع آخر، له مقامه.

المهم، أنه كان للملتقى رسالة وبعد آخر لربما أستعصي على البعض إستيعابه.

من حضر ندوات الملتقى بتفراوت وأملن وشذرات الذاكرة الحية في جلسة محطتي أيت عبد الله وإداوكنضيف يخامره الحنين لحقبة تاريخية لا علاقة لها بعصرنا، زمن العنترية الفارغة، والشجاعة الإفتراضية، والتمتع في بحبوحة العيش في أمان وإطمئنان أدوا ثمنه غاليا الأجداد.

ونتذكر هنا قولة الرئيس الأمريكي الراحل جون كيندي في ستينيات القرن الماضي: “لا تسأل عما يمكن أن يفعله بلدك لك، بل إسأل عما يمكنك أنت أن تقوم به من أجل وطنك.”

خلاصة القول، يموت الرجال وتنهض أمم وتسقط، وتبقى الفكرة حية على مر العصور. سقط المقاومون ومات الابطال وبقية ذاكرتهم وصنيعتهم بمثابة قضية أزلية سيتوارتها الأجيال مادامت هناك قوى حية ومؤسسة وصية لإحيائها والعمل على إدراجها في المقررات المدرسية لتكريسها وطنيا.

البعد الآخر للملتقى يتجاوز البقعة الجغرافية للمقاومة بالأطلس الصغير الغربي، ويسجل بطولة مفخرة أمة وقولة مأثورة للبطل زاكور: “نفذت الذخيرة وإنتهى الكلام.”، كما قال الشاعر نزار قباني في أحد أبياته:
يا ابن الوليد ألا سيف تؤجره … فكل أسيافنا أصبحت خشبا.

ليشمل الملتقى قيما إنسانية كونية تندثر في صمت داخل الوطن.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى