“أوزان مبعثرة”.. بوح الروح ونداء الذات..
- بقلم: حسن كرياط//
في عمق التجربة الإنسانية، حيث يتداخل الألم بالأمل، والحيرة بالفقد، ينبثق ديوان “أوزان مبعثرة” للشاعرة عائشة إدكير كمرآة لوجدان متأرجح بين التيه والبحث عن الخلاص. هذا الديوان ليس مجرد مجموعة من النصوص الشعرية، بل هو نافذة مشرعة على عالم ذاتي يتناثر فيه الحزن والحنين، محاولةً لجمع شظايا الروح المبعثرة وإعادة ترتيبها في نسيج واحد من البوح الصادق.
العنوان.. مدخل إلى شتات الذات:
يحمل عنوان الديوان في طياته رمزية عميقة، حيث تُمثل الأوراق المبعثرة محطات إنسانية متناثرة وأطيافًا من ذكريات وتجارب ترسم ملامح رحلة الذات في مواجهة الحياة. وبين التأمل والضياع، تقف الشاعرة أمام مرآة الحرف، لترسم بلغة شفافة خريطة وجودية تتأرجح بين ألم الفقد وأمل التئام الجراح.
تقول الشاعرة: “أبحث عني في عتمة المدى/ وأرتب حزني على شاطئ الحلم.”
هنا، يتبدى الحرف كوسيلة للمصالحة مع الذات، وكأن الكلمات جسر يصل بين جراح الماضي ونور المستقبل، يضمد الآلام ويعيد للروح شيئًا من توازنها.
انسجام مع الطبيعة.. ملاذ الذات:
تلجأ عائشة إدكير إلى الطبيعة كحاضنة للنقاء والسكينة، وكمصدر إلهام يمدها بالصور الشعرية التي تنبض بالحياة. عبارات مثل “جرح الزنبقة” و*”عناق الغيم”* ليست مجرد استعارات، بل هي لوحات فنية تُمثل انصهار الذات مع عناصر الطبيعة، في محاولة لاستعادة التوازن المفقود وسط صخب العالم.
الطبيعة في هذا الديوان ليست مجرد خلفية، بل هي شريك وجداني يعكس فلسفة الشاعرة في البحث عن الجمال والبساطة في عمق المعاناة.
اللغة.. بين البساطة وعمق المعنى:
تتميز لغة الديوان بجمالها الآسر، فهي تتأرجح بين البساطة التي تخاطب القارئ مباشرة، والرمزية التي تغوص في أعماق المعنى. بأسلوب شاعري يزاوج بين الوضوح والغموض، تترك عائشة إدكير مساحات واسعة للتأمل، تجعل القارئ يشعر وكأن النصوص تنبض بأصداء تجربته الخاصة. أما إيقاع النصوص، فهو أقرب إلى سيمفونية حزينة، تمتزج فيها ألحان الألم بترانيم الأمل.
تجربة إنسانية بامتياز:
ديوان “أوراق مبعثرة” ليس مجرد عمل أدبي؛ إنه شهادة على تجربة إنسانية عميقة، تنبض بكل ما تحمله الروح من تساؤلات وهواجس. كل نص هو بمثابة مرآة، يعكس فيها القارئ ملامح ذاته، ويجد فيها عزاءً ورفقة في رحلة البحث عن معنى الحياة.
في هذا الديوان، تُثبت عائشة إدكير قدرتها الفريدة على تحويل الألم إلى كلمات، والذكريات إلى صور شعرية تظل عالقة في الذهن والروح.
قراءته ليست فقط رحلة بين الحروف، بل هي دعوة صادقة للتأمل في الذات وإعادة ترتيب الأوراق المبعثرة في داخلنا. إنها رحلة إلى أعماق الإنسان، حيث يولد النور من رحم العتمة، وحيث يجد المرء مرفأً يعيد للروح طمأنينتها.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News