ألعيوض: إيكودار .. مخازن الأمازيغ بالمغرب حافظت على خصوصيتها خاصة بسوس
مخازن (إيكودار) بمنطقة سوس، ضواحي مدينة أكادير بالمغرب مبنية على شكل بيوت متراصة جنبا إلى جنب مع بروز بعض الألواح الحجرية التي تستخدم لتسهيل الصعود إلى المخازن ودخولها
(وكالة أنباء العالم العربي) – تُعتبر المخازن الجماعية للأمازيغ في المغرب من أقدم النظم المصرفية في العالم، إن لم تكن أقدمها، وترجع نشأتها إلى القرن الخامس عشر على أقرب تقدير.
تنتشر هذه المخازن في منطقة سوس بجنوب البلاد وكانت تُستخدم لتخزين المواد الغذائية والمحاصيل الزراعية وحتى العقود والوثائق الخاصة بسكان المنطقة.
وتُسمى هذه الأماكن باللغة الأمازيغية (إيكودار)، جمع كلمة (أكادير)، وتعني المخازن الجماعية، ويوجد منها حوالي 560 مخزنا على مستوى المغرب تتوزع بين مناطق أزيلال والأطلس الكبير والمتوسط والشرقي والبعض منها في جبال الريف ومنطقة الأطلس الكبير، فيما يوجد 350 مخزنا جماعيا في منطقة سوس وحدها.
وذكر الباحث في التراث الأمازيغي المغربي خالد ألعيوض في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) أن هذه المخازن الجماعية يوجد القليل منها في الجزائر وتونس، غير أن المخازن التي حافظت على خصوصيتها هي مخازن المغرب، خاصة تلك التي توجد بمنطقة سوس جنوب البلاد.
وأضاف أن معرفة تاريخ بداية إنشاء هذه المخازن بالتحديد أمر صعب لأنها ضاربة في القدم، مشيرا إلى أن الوثيقة التي يمكن الاعتماد عليها للتأريخ هي (لوح أكادير) الذي كُتب عام 1492. وقال “هذا لا يعني أنها ظهرت في هذا الزمن، فهي أقدم من ذلك بكثير، والأرجح أنها تعود إلى ما قبل الفترة الإسلامية”.
وتشكل المخازن الجماعية في سوس بالجنوب المغربي إرثا تاريخيا يشهد على النظام الاقتصادي والاجتماعي السابق في البلاد، وكانت تُديرها المجالس المحلية أو القبائل وتُستخدم في تخزين المحاصيل الزراعية المختلفة، وذلك لضمان توفير طعام كاف للمجتمع في حالات الجفاف أو الحروب أو أي ظروف قاسية أخرى.
* إيكودار.. للتخزين والتحصين
قال ألعيوض “إغودار كانت تبنى لدافعين أساسيين، أولهما أن المنطقة ذات مناخ جاف وتعرف تعاقب الدورات المناخية بين الجفاف والرطوبة، والتي غالبا تكون دورات تتراوح بين ثلاثة إلى سبعة أعوام، فتجد نفسها أمام نمط تدبير الندرة، ما يعني أن سكان المنطقة يقومون بتخزين الحبوب خلال السنوات المطيرة حتى يستعينوا بها على سنوات الجفاف”.
وتابع أن الدافع الثاني وراء بناء هذه المخازن هو العامل الدفاعي لأن هذه المناطق كانت بعيدة عن المراكز الحضرية “فاضطر أهاليها إلى العودة إلى تنظيماتها القبلية للدفاع عن نفسها عن طريق مؤسسة إنفلاس، وهي جماعة من الناس تُنتخب بشكل ديمقراطي لتمثيل القبيلة وهي التي تدبر أمورها”.
وأوضح ألعيوض في حديثه لوكالة أنباء العالم العربي أن قرار بناء المخزن الجماعي كان قرارا جماعيا تشارك فيه القبيلة بأكملها، باعتبارها تضم مجموعة من القرى، وهي التي تعمل على تدبير الحصن، مضيفا “لم نعثر على أي حصن أو أي أغادير في ملك شخص حتى ولو كانت العائلة ذات نفوذ، إذن فهو مؤسسة جماعية بامتياز”.
وتابع “ثقافة إغودار تعكس ثقافات العيش المشترك وتدبير الندرة والعمل الجماعي… مكونات المخازن هي الأبراج للدفاع غالبا وللحراسة، بالإضافة إلى برجين أو أربعة حسب أهمية المخزن الجماعي، وتوجد فيها ما يسمى بالضفيرة أو المطفية حسب التعبير المحلي لتخزين الماء، بحكم أنها مناطق ليس بها أنهار أو آبار، وإنما تعتمد على تخزين ماء المطر”.
* إرهاصات أولى للبنوك
كانت سعة المخازن الجماعية تتوقف على حجم القرى المحيطة وعدد الأسر المستفيدة، إذ يمكن أن تتراوح طاقتها بين عدة أطنان من الحبوب والمواد الغذائية حتى عدة عشرات من الأطنان، وهي مجهزة بمداخل كبيرة وأبواب قابلة للإغلاق بإحكام للوصول إلى المخزون وتفريغه بسهولة، مع استخدام سور أو سياج لتأمين المخزن.
وروعي في تصميم هذه المخازن توفرها على فتحات صغيرة أو فتحات علوية لضمان التهوية الطبيعية وتدفق الهواء الجيد داخل المخزن، وهو ما يساعد على منع تكون الفطريات والرطوبة وحفظ الحبوب والمواد الغذائية بشكل أفضل.
واستطرد الباحث في التراث الأمازيغي قائلا “بالمخزن الجماعي غرف أيضا كانت في ملكية بعض الأسر، وهي بمثابة الإرهاصات الأولى للأبناك (البنوك) على المستوى الإنساني حتى قبل أن تظهر في أوروبا، وكان يُخزن بهذه البيوت كل ما له قيمة، بدءا بما يحافظ على الحياة وهو الشعير ثم الحلي التي غالبا ما تكون من الفضة وبعض الزيوت والعسل والوثائق وعقود البيع والشراء والرهن وعقود الزواج والميلاد”.
وعن التنظيم الذي كانت تعمل به تلك الأماكن، قال ألعيوض إن تدبيرها كان يُعهد إلى (الأمين)، وهو شخص يُنتدب من طرف القبيلة لفتح الأبواب وإغلاقها ويقوم بالحراسة الليلية أبناء القبيلة بالتناوب “خاصة أصحاب البيوت أو ذوي الأصول الذين يملكون بيوتا داخل المخزن، حيث كان كل واحد منهم يقضي ليلة بتناوب ونظام”.
وأشار إلى أن أجرة الأمين كانت عبارة عن جزء من الشعير سنويا لكل أسرة، وقال “من الأشياء الطريفة التي وجدناها بالمخازن الجماعية أنها تُدبر بألواح كتبت بها نصوص تصل إلى 200 بند لم تغفل حتى عن التفاصيل الصغيرة في التدبير المشترك”.
وتابع “وجدنا فيها أيضا أن الحيوانات خصوصا القطط كانت لها عناية خاصة، حيث كان يتم توفير مِغرسة من الشعير تضاف إلى ما يحرسه الأمين خاصة بالقطط، والأمين هو المسؤول عن تغذيتها بحكم أن القطط كان يُستفاد منها في محاربة القوارض والفئران داخل المخزن”.
ووصف الباحث الأمازيغي المخازن الجماعية بالقول “تحيط بها أسوار عالية ومن الخارج يطوقها الصبار أو التين الشوكي للدفاع عنها بشكل أكبر، ويُختار لها مكان عالٍ غالبا ما يكون فوق ربوة جبل تطل على المحيط ليسهل الدفاع عنها”.
وأوضح أن (ألواح إغودار) كانت عبارة عن قوانين وأعراف تبين الواجبات والحقوق، مشيرا إلى أنه كُتب فيها مثلا “عندما يأتي دورك في الحراسة وتتغيب ستؤدي غرامة”، وفيها حتى كيفية التعاقد مع الأمين الجديد إذا ما ترك الأمين السابق عمله، وفيها أشياء تخص الإصلاحات والترميمات أيضا.
وأضاف أن تصميم المخازن الجماعية بسوس في المغرب يختلف بشكل بسيط حسب المنطقة واحتياجات القرى المحيطة، فعادة ما يتم بناؤها باستخدام الحجارة المحلية والطين المجفف، ويتكون الهيكل الخارجي للمخزن من قبو عميق مصمم لتوفير بيئة جافة للمخزون.
واستطرد قائلا “من المثير للاهتمام أن المخازن الجماعية تستمر في العمل حتى الآن، حيث يعتبرها السكان المحليون وسيلة فعالة للحفاظ على المواد الغذائية وتلبية احتياجاتهم”.
وأشار إلى أن بعض هذه المخازن ما زالت تعمل كمخازن حتى اليوم غير أنها لا تعمل بالطريقة السابقة، مضيفا أن الشكل المعهود سابقا لعمل هذه المخازن توقف في سنوات التسعينيات من القرن الماضي.
وأضاف أنه على الرغم من تطور النظام الاقتصادي في المغرب وظهور وسائل حديثة للتخزين والتجارة، فإن المخازن الجماعية لا تزال حاضرة في المنطقة وتحظى بقدر كبير من الاحترام والتقدير كتجسيد للتقاليد والثقافة التاريخية، ويتم الاحتفاظ ببعض هذه المخازن لغرض السياحة والترويج للتراث المحلي.
* النشاط السياحي
قال ألعيوض إنه مع تغير ظروف الحياة اليوم حيث لم يعد معظم الناس يخزنون الشعير والحبوب، ومع هجرة القرويين بأعداد كبيرة إلى المدن، ظهر اتجاه لتوظيف مخازن (إغودار) في التنشيط السياحي كوسيلة لدفع عجلة التنمية في المناطق الجبلية.
وذكرت تقارير صحفية مؤخرا أن المغرب يعكف على إعداد ملف بهدف ترشيح هذه المخازن الجماعية للتسجيل على لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو.
ونُقل عن وزير الشباب والثقافة والتواصل المهدي بنسعيد قوله إن المخازن الجماعية تُعتبر “إحدى سمات المعمار القروي العريق بالمملكة المغربية”. وأضاف أن قطاع الثقافة قرر إعداد ملف بهذا الخصوص “حرصا على التعريف بهذا التراث وصونه وإبرازه كإحدى سمات الثقافة المادية المغربية والأمازيغية”.
من جانبه، يقول أحمد صابر عميد سابق بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في أغادير إن (إغودار) هي أماكن محصنة تعتمد استراتيجية معينة، يتم فيها المحافظة على ما تكتنزه القبيلة أو البلدة وتكون غالبا في مكان مرتفع وصعب المنال على خصم مرتقب، خصوصا أنه في القديم كانت هناك مشاحنات بين القبائل.
وأضاف صابر في حديث لوكالة أنباء العالم العربي أن السياق الجغرافي والاقتصادي الذي استدعى بناء هذه المخازن التي كانت أشبه بالحصون هو سياق لمجتمعات رعوية فلاحية، فكانت هناك حاجة ماسة للتخزين، وأنسب مكان لهذا الأمر كانت هي (الإغودار).
وإلى جانب مخازن إغودار، كانت توجد مخازن أخرى عبارة عن كهوف ولا تزال موجودة إلى الآن بنواحي مدينة تالوين بجهة سوس وقرية آيت عبدي بالأطلس المتوسط للبلاد، حسبما قال ألعيوض.
كما أن هناك مخازن ظهرت حديثة مبنية بالحجارة، وأخرى مبنية بالطين المكبوس بالمناطق الصحراوية وتسمى هناك بالتابوت.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News