
أكادير: مشاريع سياحية واعدة تواجه خطر غياب الصيانة
- بقلم سعيد الغماز * //
تشهد مدينة أكادير، وجهة سوس ماسة عموما، مشاريع سياحية مهمة ومتنوعة، يمكنها أن تجعل من عاصمة وسط المملكة قبلة سياحية بامتياز. كانت أكادير تعاني من نقص في مجالات كثيرة متعلقة بالتنمية السياحية، يمكن أن أذكر على سبيل المثال لا الحصر، ضعف الحدائق العمومية والغياب التام للمتاحف والساحات العمومية التي تلعب دورا كبيرا في التنشيط السياحي.
لكن مشروع تهيئة مدينة أكادير، ساهم في معالجة هذه النقائص وفي ملء الخصاص الذي كانت تعاني منه المدينة في المجال السياحي. ساهم هذا المشروع كذلك في توفير بنية سياحية متنوعة ومتطورة، ستجعل من مدينة الانبعاث منافسا قويا في السوق العالمية للسياحة.
وتشكل المشاريع السياحية التي يتم إنشائها في منطقة سوس ماسة، خاصة المدن القريبة من أكادير كتزنيت وتارودانت ومنطقة شتوكة، قيمة مضافة من شأنها أن تساهم في تعزيز العرض السياحي في المدينة.
وهي بنية سياحية تساهم في تنويع العرض السياحي لزوار مدينة الانبعاث. فغياب المدينة القديمة في أكادير، كمكون أساسي في العرض السياحي، يمكن تعويضه بزيارات للمدن العتيقة والأسواق التقليدية في تارودانت وتزنيت ومنطقة شتوكة.
جميل أن يتنوع العرض السياحي في أكادير، بمشاريع كثيرة ومتنوعة. لكن تنشيط هذه المشاريع السياحية وصيانتها وحمايتها من عوامل التآكل والتردي، يطرح تحديا كبيرا أمام العرض السياحي في المدينة. هذه الإكراهات وقف عندها السيد عبد الكريم أزنفار المدير العام للشركة الجهوية للتنمية السياحية بسوس ماسة.
فخلال استضافته في لقاء نظمه النادي الجهوي للصحافة سوس ماسة أكادير، أكد السيد أزنفار أن الشركة الجهوية للسياحة تبحث عن شَراكات مع مؤسسات مختلفة لضمان تنشيط المشاريع السياحية، وحمايتها من التآكل بالحرص على الصيانة الدورية، وذَكَر على سبيل المثال حديقة وادي الطيور.
لقد وضع السيد أزنفار الأصبع على مكمن الداء. سعادتنا بهذه المشاريع السياحية، وتفاؤلنا بأن تكون رافعة للتنمية في عاصمة وسط المملكة، يُحبطه شعورنا بأن تتحول هذه المشاريع إلى أطلال وبنايات مهجورة يسكنها الغبار بدل التنشيط السياحي.
إنه هاجس مشروع وليس استسلاما للتشاؤم. وللبحث عن سبل تجاوز هذه المخاوف، لسنا في حاجة لإعادة اختراع العجلة، بل يكفي أن ننظر لما يقوم به الآخرون في المدن السياحية العالمية كباريس وإسطنبول ومدريد وبرشلونة ولشبونة وأمستردام …..
تحرص المؤسسات المشرفة على المشاريع السياحية في المدن العالمية، أن تجعل منها “ماكينة” لجعل السائح يمد يديه إلى جيبه بكل أريحية أمام إغراء العروض المتوفرة في المرافق السياحية. كل شيء يتم التخطيط له بعناية فائقة لجعل السائح يمد يده لجيبه من باب الدخول حتى باب الخروج من المعلمة السياحية. فالمرفق السياحي، يوفر الخدمات التي تناسب نفسية السائح، وبحثه عن الاستمتاع بوقته في سفره السياحي.
من بين الخدمات التي توفرها المرافق السياحية في هذه المدن العالمية، المقاهي التي تعرض إلى جانب القهوة سندويتشات تناسب نزهة السائح وبحثه عن التمتع بوقته، تذكار للمرفق السياحي وللمدينة بأشكال مختلفة وبلمسة إبداعية مُغرية، صور فوتوغرافية بإطار فني ومُغري، منظار مؤدى عنه للاستمتاع بالمكان، عروض بطريقة الوسائط الإعلامية (Multimedia) تشرح المعلمة السياحية وتاريخ المدينة عبر شاشات تفاعلية….وغيرها من المُغريات التي تجعل السائح يدفع الثمن وهو مبتهج، لأنه استمتع بمشروب منعش وسد جوعته بسندويتش لذيد وأخذ معه تذكار يزين به منزله ويظل ذكرى يتفكر به رحلته السياحية.
إنها مشاريع سياحية قائمة على أساس المعادلة التالية: السائح يدفع من جيبه للاستمتاع بزيارته للمرفق السياحي، والمدينة تزيد من مداخيلها لتكون قادرة على صيانة المرفق السياحي وجعله في المستوى المطلوب، بل وتطويره حسب الحاجة.
فأين هي المشاريع السياحية في أكادير من هذا الذي يجري في المدن السياحية العالمية؟ ما تقوم به تلك المدن العالمية، يساهم في مدخول كاف لضمان صيانة المرفق السياحي على طول السنة، ويشكل كذلك مداخيل تُنمي ميزانية المدينة.
لقد أنصتُ باهتمام كبير لعرض السيد أزنفار المدير العام للشركة الجهوية للسياحة، وأدركتُ إكراهات هذه الشركة التي تكبلها قيود البيروقراطية الإدارية وبعض القوانين التي لا تساعد على تطوير العرض السياحي.
والسؤال الذي يجب أن يكون منارة لسفينة التنمية السياحية هو: هل نريد مشاريع سياحية ناجحة تحقق أرباحا كبيرة يستفيد منها المستثمر وتأخد المدينة حصتها منها؟ أم أننا نريد تقييد تلك المشاريع السياحية بسياج من الشروط والملاحظات التي تكاد لا تنتهي، “والمشروع السياحي يخدم ولا يفشل هاداك سوق المستثمر”؟
لتوضيح الصورة أكثر سأضرب أمثلة واضحة من أكادير. وأبدأ بقصبة أكادير أوفلا التي كلَّفت ميزانية كبيرة لتأهيلها، وصيانتُها تتطلب غلافا ماليا كل سنة لا ندري من أين ستأتي بها المؤسسة المشرفة على المشروع. بل لا نعرف حتى هوية الإدارة المكلفة بالصيانة، المجلس الجماعي أم شركة التنمية السياحية أم وزارة الثقافة.
في المقابل لا يؤدي السائح سوى ثمن تذكرة زيارة القصبة، هذا هو سقف ما تجنيه المعلمة السياحية من مدخول. فلا مقهى ولا مطعم ولا منظار لرؤية المدينة والاستمتاع بجماليتها، ولا متجر لبيع التذكارات ولا صور لتخليد اللحظة السياحية ولا قاعة تشرح تاريخ القصبة بالوسائط الإعلامية وعبر شاشات تفاعلية ولا ولا …ولا شيء مما تحدثنا عنه في المدن السياحية العالمية. فأين هو المدخول الذي سيساهم في صيانة الموقع وينمي مداخيل المدينة؟
لنقارن قصبة أكادير أوفلا مع قلعة “سان جورج” في مدينة لشبونة عاصمة البرتغال، التي تقع على أعلى تلة في حي ألفاما العريق، وموقعها شبيه بموقع أكادير أوفلا. القلعة تعود للحقبة الإسلامية في الأندلس، وعرفت إهمالا لفطرة طويلة قبل أن تُرمم وتُفتح للزوار، وهو ما يشبه الظروف التي عانت منها قصبة أكادير أوفلا قبل ترميمها.
الزائر لقلعة “سان جورج”، إضافة لتذكرة الدخول يجد الكثير من الأنشطة الموازية التي تجعله يستمتع باللحظة السياحية داخل القلعة. المكان يحتضن مقهى يوفر الأكلات الخفيفة، متجر لبيع التذكارات، منظار لرؤية المدينة ومتحفا أثريا يقدم عروضا تفاعلية باستعمال التقنيات الوسائطية. هذه المرافق التي تدور في فلك القلعة، يستفيد منها المرفق السياحي والمدينة وتوفر مدخولا إضافيا، وتزيد من متعة السائح بسحر المكان. إنها معادلة رابح رابح التي لا نُتقنها مع كامل الأسف.
مثال آخر من قلب مدينة أكادير، ساحة المعارض وسط المدينة التي كلفت ميزانية ضخمة لتأهيلها كساحة، وبناء مركن للسيارات تحت أرضي يسع لثلاث مائة سيارة. لكن المقاهي المتواجدة في الساحة، يتم التعامل معها بنفس منطق المقاهي في الأحياء السكنية.
وهو ما جعل ساحة المعارض مشروعا سياحيا كئيبا وميتا بلا رائحة سياحية ولا طعم الاستمتاع الذي يبحث عنه السائح، بدل أن تكون ساحة تعج بالحيوية وتستقطب السياح لقضاء وقت يستمتعون به بالمشروبات المنعشة والأكل اللذيذ والتنشيط السياحي. الأمر الذي سيزيد من مداخيل المقاهي وتأخذ المدينة حصتها منها لتتمكن من القيام بالصيانة اللازمة.
لو كانت هذه الساحة في إحدى المدن السياحية العالمية، لتم الترخيص للمقاهي باحتلال وسط الساحة، وإقامة فضاءات متطورة ومناسبة للمكان، يستمع بها السائح ويستفيد صاحب المقهى بمدخول إضافي يكون للمدينة نصيب منه. هذا التدبير السياحي الناجع لا نُتقنه مع كامل الأسف مرة أخرى.
لو كانت هذه الساحة في مدينة عالمية، لتم الترويج لها لتكون قبلة لكل زائري المدينة، يسألون عنها، ويتشوقون لقضاء وقت ممتع فيها واحتساء كأس القهوة مصحوب بحلويات مغربية على أنغام الفولكور المحلي كناوة – إهياضن – الكدرة الصحراوية وزيد وزيد من ألوان تراثنا الغني…
فَتْحُ المجال للمقاهي لاستغلال وسط الساحة، سيجعلها تتكلف في نظافة جزء كبير منها لأنه تابع لها، وهو ما سيخفف من عبء النظافة على الجماعة.
ختاما أقول، إنْ لم نطور عقلياتنا، ونُبدع في أفكارنا اتجاه المشاريع السياحية، ونقتل البيروقراطية الإدارية، فإن المشاريع السياحية التي نفتخر بها في مدينة الانبعاث، قد لا تؤدي دورها في التنشيط السياحي، كما قد يأتي زمن لا تجد المدينة الميزانية الكافية لتأمين صيانتها، وحمايتها من التعرية المناخية الناتجة عن تصحر طريقة تدبيرنا.
الله إصاوب للجميع…ونأمل كل الخير لمدينتنا.
*سعيد الغماز-كاتب وباحث

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News