
أخنوش يقدم حصيلة منظومة الحماية الاجتماعية: 11 مليون شخص يستفيدون من التغطية الصحية، و 4 مليون أسرة، (12 مليون مستفيد) تستفيد من الدعم الاجتماعي ..
نلتقي مجددا داخل مجلسكم الموقر، للتجاوب مع واحدة من القضايا التي تحتل صدارة اهتماماتنا المشتركة، حكومة وبرلمانا، ويتعلق الأمر بالجهود المتواصلة لاستكمال أركان منظومة الحماية الاجتماعية ببلادنا.
كما أهنئكم على التعبئة القوية التي يحظى بها هذا المشروع الإصلاحي، الذي يهدف لفتح باب الإدماج الاجتماعي أمام جميع المغاربة.
وذلك بالنظر لما يمثله هذا ” الإدماج” من طموحات كبرى، ستساهم في التأثير الإيجابي على الحياة اليومية للمواطن والحد من مخاطر الإقصاء والهشاشة التي تواجه كل مرحلة من مراحل دورة حياة الأسرة المغربية.
ولا شك أن الحكومة نجحت في تحقيق مقاصد هذا الورش الملكي الكبير … مقاصد تحرص على توطيد مجتمع ينعم فيه الجميع بأواصر التضامن والتماسك وإعمال الحقوق الأساسية.
وهي مناسبة كذلك للتنويه بكل مكونات هذا المجلس الموقر، إضافة إلى شركائنا الاجتماعيين والاقتصاديين، الذين تفاعلوا مع الحكومة وتجاوبوا إيجابيا في وضع الترسانة القانونية لورش الحماية الاجتماعية، في إطارها الزمني المحدد.
إن الحديث اليوم عن ورش الحماية الاجتماعية، يستحضر أسمى معاني العمق الحضاري والإنساني للمملكة، كما تعكس مضامينه دلالات التفوق الإصلاحي المغربي من جهة ثانية.
وهي قاعدة متينة للقيم المرجعية التي ميزت بلادنا على مر الأجيال والعصور، وجعلت من الوطنية المغربية رافدا من روافد التنمية وخدمة لأهدافها النبيلة.
ولا يمكن أن نختلف على أن مشروعا اجتماعيا بهذا الحجم الاستراتيجي الطموح، لهو أكبر دليل على متانة الروابط القائمة بين العرش الملكي وشعبه الوفي.
فمنذ توليه عرش أسلافه، أولى جلالة الملك محمد السادس نصره الله عناية خاصة للقضية الاجتماعية، وجعلها عنصرا من العناصر المهيكلة للعملية التنموية وعنوانا للمغرب الاجتماعي الجديد.
ونحن اليوم نعيش في ظل ثمرات هذا المسار التاريخي، الذي استطاع أن يحافظ على استقرار وتماسك المناخ السوسيو-اقتصادي.
في هذا الإطار، نجدد التأكيد على أن المشروع الملكي الانتقالي “لتعميم الحماية الاجتماعية”، شكل بالنسبة لنا داخل الحكومة منطلقا داعما لمسؤوليتنا الاجتماعية، وإطارا موجها نحو تعزيز أنظمة الحماية الاجتماعية وضمان شموليتها للجميع.
ذلك أن قيادة التحول البنيوي في المجال الاجتماعي، أصبح ضرورة مجتمعية ملحة، تحمل في طياتها نواة دولة اجتماعية حديثة، تضمن العدالة الاجتماعية وتطمح لتحقيق نمو شامل ومستدام.
وهو التحول الذي يضع الرأسمال البشري في صميم أولوياته، وفق مقاربات مستلهمة من أفضل الممارسات الدولية، التي تلتقي حول معالجة أوجه الضعف الاقتصادي والاجتماعي، ومنح كل مواطن ومواطنة فرصة مواتية للعيش بكرامة وإنصاف.
وقد جعلت الحكومة من هذه المقاربة الطموحة، أساسا ثابتا لتدخلاتها، ومنهجا قائما على تمتيع الإنسان المغربي بنظام حماية اجتماعية فعال ومتكامل، وفق أسس الديمقراطية الاجتماعية التي يعرضها الدستور المغربي.
لقد كانت الحكومة وفية وملتزمة بتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية، وفق البرنامج العام الذي حدده جلالة الملك حفظه الله، ومضامين القانون الإطار للحماية الاجتماعية.
ويكشف هذا الالتزام الحكومي، نجاح المغرب في تصميم منظومة متكاملة للحماية الاجتماعية، ومراجعة مختلف الاختلالات والنقائص التي كانت تحد من فعاليتها الاستهدافية سابقا.
فبعد أشواط حاسمة من الجهود والإصلاحات، على مدى السنوات الماضية، تقدم بلادنا اليوم مثالا فريدا في ميدان الحكامة الاجتماعية وجودة الخدمات الأساسية.
وهي مقاربة طموحة، ساهمت في إدماج مختلف الفئات الهشة التي لم تكن مشمولة بهذا الوضع، في أفق بناء مجتمع قوي مبني على الاستحقاق العادل ويضمن تكافؤ الفرص للجميع.
إن ما نقصده بالاستحقاق الاجتماعي الحقيقي هنا، ليس مجرد إجراء حكومي ظرفي، بقدر ما يعكس التفكير الحكومي الحازم في ولوج عهد مستدام لمنظومة الحماية الاجتماعية.
عهد يستند إلى أرضية صلبة من الآليات الدقيقة لمواكبة الظروف السوسيو – اقتصادية للأسر، وتتبع تطوراتها المستقبلية.
هذه الآليات، سيكون بمقدورها تعزيز الحماية من المخاطر التي تهدد تماسك الجسم الاجتماعي، وبالتالي توفير الرعاية والدخل لجميع الأشخاص.
وفي هذا الصدد، أود أن أذكر على أن النجاح في تعميم السجل الاجتماعي الموحد والسجل الوطني للسكان على مجموع أقاليم المملكة، قبل الآجال المحددة له سابقا، مثّل الجواب الحكومي الضروري لتسريع تحديث منظومة التضامن الوطني.
كما يؤسس في نفس الوقت، لمسار جديد للاستهداف الاجتماعي، يقوم على تنويع آليات دعم الفئات الهشة وتوسيع هوامشها، مع ارتكازه على عناصر الجودة والدقة والأثر الميداني.
وقد ساهمت الخدمات النوعية لهذه السجلات، في تمكين الأفراد والأسر من الاستفادة من مختلف برامج الدعم التي تقدمها الدولة، وفق تغطية ترابية قائمة على مبادئ القرب والانصات المستمر، ومزودة بمؤهلات رقمية شفافة وعالية الجودة.
إن النتائج المحققة اليوم على مستوى تعميم الحماية الاجتماعية، تعكس حجم التعبئة المضاعفة والانخراط المؤسسي في ترسيخ منافع هذا الاستثمار الاجتماعي على الفئات المعنية.
واسمحوا لي في هذه المناسبة الدستورية الهامة، أن أستعرض أمام مجلسكم الموقر وعموم الشعب المغربي، مستوى التقدم في تفعيل المكونات الرئيسية لنظام الحماية الاجتماعية ببلادنا، استجابة للتوجيهات الملكية السامية.
فعلى مستوى تعميم التغطية الصحية الإجبارية،
باتت هذه المنظومة تشمل حاليا عموم الأسر المغربية، وفق عقد اجتماعي متجدد يؤسس لمبادئ التضامن والتعاضد، ويذوب مختلف التفاوتات المهنية والمجالية بين مختلف مكونات المجتمع المغربي.
فبالإضافة إلى موظفي وأجراء القطاعين العام والخاص، عملت الحكومة على اتخاذ تدابير شجاعة للتسريع بتوفير تغطية صحية شاملة للفئات الأكثر هشاشة، عبر إدماج 4 ملايين أسرة في نظام AMO-TADAMON ليقفز إجمالي المستفيدين وذوي حقوقهم إلى ما يناهز 11 مليون شخص.
حيث تتمتع الأسر المستفيدة بموجب هذا النظام، من مجانية التطبيب والاستشفاء بمختلف المؤسسات الصحية العمومية، وكذا من نفس سلة الخدمات التي يقدمها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عند الولوج للعلاج في القطاع الصحي الخاص.
وتسهر الدولة على تأمين استدامته، عبر التكفل بأداء واجبات الاشتراك لهذه الأسر بما يناهز 9,5 مليار درهم سنويا.
ومنذ انطلاق تفعيل نظام أمو-تضامن إلى غاية مارس 2025، تم وضع أزيد من 14 مليون ملف طبي لدى وكالات CNSS، بما فيها أكثر من 300.000 ملف تتعلق بالأمراض المزمنة والمكلفة، وقد تمت تصفية ما يناهز 12 مليون ملف بغلاف إجمالي يفوق 17 مليار درهم.
من جهة أخرى، شهدت فعالية التأمين الصحي ببلادنا تحولا نوعيا، لاسيما من خلال الجهود المبذولة لإدماج العمال غير الأجراء والمستقلين TNS، وذلك بعد استكمال الترسانة القانونية المؤطرة لحقوق هذه الفئة والتي تبلغ حاليا 28 مرسوما تطبيقيا.
مكنت في مجموعها من فتح باب الولوج في وجه ما يقارب 3,5 مليون مستفيد من التغطية الصحية، وفق مقاربة فئوية مندمجة قائمة على مساهمة تعاضدية ونسب اشتراكات تتلاءم مع نسبة الدخل.
ستضمن لهذه الطبقة النشيطة داخل المجتمع كل مظاهر الاستقرار الاجتماعي، وتساعدها على تحفيز حيويتها المهنية وتعبئة مدخراتها ضد كل المخاطر المحتملة مستقبلا.
حيث بلغت الملفات المودعة من قبل هذه الفئة إلى غاية شهر أبريل، ما يفوق 4 ملايين ملف، بمعدل يومي يفوق 9255 ملف يوميا، حيث تم تصفية 3,6 منها بقيمة 4 مليار درهم.
في نفس السياق، تمكنت الحكومة من التأسيس لنظام أمو-الشامل، من أجل تعزيز شمولية التأمين الصحي والتوزيع العادل لخدماته، إذ لم يعد من المقبول السماح بوجود فئات مجتمعية خارج نطاق التغطية الصحية الأساسية.
فخلافا للنظام التأميني السابق، تأتي هذه المقاربة المبتكرة لتفتح هامشا واسعا أمام العديد من الفئات الجديدة، التي تبلغ حاليا ما يزيد عن 313.000 شخص وذوي حقوقهم، يستفيدون على غرار الفئات السالفة الذكر من منظومة علاجية متطورة ومن خدمات استشفائية ذات ولوجية جيدة.
أما على مستوى برنامج الدعم الاجتماعي المباشر،
فإن هذا المكون الذي تم تعميمه استنادا إلى التعليمات الملكية السامية، يسعى إلى معالجة مختلف مظاهر العجز الاجتماعي للأسر الفقيرة، في أفق استهداف 4 ملايين أسرة (أي ما يقارب 60% من الأسر غير المشمولة بأحد أنظمة التعويضات العائلية).
وذلك عبر تقديم دعم اجتماعي شهري للأسر المؤهلة، لا يقل عن 500 درهم شهريا كحد أدنى، ويمكن أن يصل ل 1200 درهم، بشكل يتفاوت حسب تركيبة الأسر ووضعية أفرادها.
وقد خصصت الحكومة غلافا ماليا مهما لتنفيذ هذا البرنامج، يقدر بـ 25 مليار درهم برسم سنة 2024، و26,5 مليار درهم برسم السنة الجارية، في أفق بلوغ 29 مليار درهم بحلول سنة 2026.
وهو ما يجعل المغرب في المرتبة الثانية إفريقيا، عبر تخصيصه ما يناهز 2% من ناتجه الداخلي الإجمالي لتمويل هذا البرنامج.
في هذا الصدد، ومنذ إطلاق المنصة الرقمية www.asd.ma في دجنبر 2023، فقد أسفر البرنامج عن مؤشرات نوعية وحصيلة جد متقدمة.
فإلى غاية اليوم، بلغت نسبة الأسر المستفيدة حوالي 4 مليون أسرة، تضم حوالي 12 مليون مستفيد، بما فيها 3,2 مليون أسرة تستفيد في نفس الوقت من خدمات التأمين الصحي الإجباري، وما يفوق 2,4 مليون أسرة تتوفر على أطفال ضمن تركيبتها (بنسبة 61%)، وحوالي 1,5 مليون أسرة بدون أطفال (بنسبة 39%).
في حين تجاوز عدد الأطفال المستفيدين من الدعم المباشر 5,5 مليون طفل، في الوقت الذي استفاد أكثر من مليون شخص تفوق أعمارهم 60 سنة، من دعم اجتماعي شهري، عبارة عن منح جزافية بمثابة مدخول يحفظ كرامة كبار السن، ويوجه بالأساس لدعم القدرة الشرائية لهذه الفئة العمرية والحد من المخاطر المرتبطة بالشيخوخة.
ولدعم فرص التمدرس في صفوف التلاميذ ورفع أعباء التكاليف المدرسية، أطلقنا “الدعم الإضافي الإستثنائي” خلال الموسم الدراسي الحالي، بلغت طاقته الاستهدافية ما يناهز 1,8 مليون أسرة تضم أزيد من 3.100.000 طفل.
حيث شكلت نسبة الأطفال-التلاميذ في العالم القروي ما يناهز 61% من المستفيدين، ستساهم في دعم وتحفيز تمدرس الفتاة القروية، في حين ارتفعت هذه النسبة بالنسبة للتلاميذ المتراوحة أعمارهم بين 6 و20 سنة إلى ما يقارب 75%.
وبخصوص حماية صحة الأم والأطفال حديثي الولادة، تواصل الحكومة صرف منح جزافية لفائدة الأسر عن الولادات الجدد. استهدفت حوالي 42.800 أسرة إلى غاية نهاية يناير من السنة الجارية. لفائدة الولادات الأولى بمبلغ 2.000 درهم، والولادة الثانية بمبلغ 1.000 درهم. بغلاف إجمالي يقدر ب 65 مليون درهم.
وذلك بهدف الاستثمار الأمثل في الصحة الأسرية، عبر حماية النساء الحوامل وتطوير الفحوصات الطبية أثناء فترة الحمل، مع تعزيز الاهتمام بالطفولة المبكرة في بيئة خاضعة للإشراف الطبي، والتشجيع على اللقاحات الموصى بها.
أما بالنسبة للنساء الأرامل، وبهدف تجاوز ضعف التغطية الاجتماعية في صفوف هذه الفئة، فقد تم مضاعفة عدد المستفيدات من هذا النظام، ليتضاعف أكثر من 6 مرات مقارنة مع العدد المسجل في نهاية 2021، الذي لم يكن يتجاوز 75.000 أرملة.
ويفوق عدد الأرامل المستفيدات اليوم أكثر من 420.000 أرملة، منها 330.000 أرملة بدون أطفال لم تكن تستفد في السابق، بالإضافة إلى أزيد من 87.000 أرملة يعولون حوالي 97.000 طفل يتيم، وفق دعم اجتماعي سيعرف ارتفاعا تدريجيا ليبلغ 400 درهم عن كل طفل متمدرس بحلول سنة 2026.
إن إدراج المسألة الاجتماعية ضمن صدارة الأولويات الوطنية، تطلب منا منحها الفعالية اللازمة ورفع كل التحديات المرتبطة بحكامتها.
حيث ظل تطوير الحكامة المؤسساتية والنهوض بقدراتها التقنية واللوجيستية والمالية، بمثابة الذراع التنفيذي الحريص على ترجمة مجمل التدخلات الحكومية، وتحويلها إلى رابط اجتماعي حقيقي يلمس الجميع آثاره الميدانية على أرض الواقع.
وفي هذا الإطار، اعتمدت الحكومة رؤية مندمجة لقيادة مختلف التطورات الحاصلة في ميدان الحماية الاجتماعية، في أفق الرفع من نجاعتها.
ولهذا الغرض، لابد أن نشيد عاليا بالعمل الجبار لكل من اللجنة البين-وزارية للقيادة وباقي اللجن التقنية، من أجل تنزيل مختلف محاور هذا الورش الهيكلي.
لاسيما عبر النجاح في وضع التصور الاستراتيجي وتنسيق التدخلات القطاعية، فضلا عن التسريع بتنزيل منظومة الاستهداف قبل الآجال المحددة وتقييد الساكنة المعنية.
وهي مناسبة كذلك، لاستحضار التدابير المتخذة للرفع من نجاعة الهيئات المدبرة لمختلف مكونات الحماية الاجتماعية، بشكل يتلاءم مع الطلب المتزايد على خدماتها.
إذ عملت الحكومة على مراجعة الهيكل التنظيمي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتزويده بخطة عمل جديدة تروم تطوير طاقته الاستقبالية واستيعاب الزيادة الكبيرة التي يعرفها حجم الملفات المودعة.
وذلك من خلال إحداث مديرية جديدة مختصة “بالشؤون الصحية”، تهدف إلى تقوية مهام الصندوق وإدارة مخاطره الطبية وتطوير شراكاته، فضلا عن تعزيز الموارد البشرية للصندوق بتوظيف أزيد من 1.660 منصب جديد.
في حين تم توسيع التغطية الترابية والجهوية للصندوق، من خلال افتتاح حوالي 174 وكالة ثابتة و65 وكالة متنقلة، مع تجاوز 3100 نقطة اتصال في إطار الشراكة مع مجموعة من المؤسسات المالية للقرب. فضلا عن تعبئة مركز اتصال عن-بعد مكنت خدماته من معالجة أزيد من 4,7 مليون نداء يهم المؤمنين والدعم الاجتماعي المباشر.
دون إغفال الجهود المبذولة لإرساء نظام تواصلي فعال، إذ تم إطلاق 25 حملة تواصلية متعددة القنوات، و8.400 قافلة جهوية وأزيد من 4.200 لقاء مع المنظمات المهنية.
من جانب آخر، شكل انعقاد الاجتماع الأول لمجلس إدارة الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، التي تم إحداثها استنادا للتوجيهات الملكية السامية. دفعة مؤسساتية قوية للسياسة الاجتماعية، ستؤسس لنموذج جديد للدعم الاجتماعي وتأهيل مختلف مظاهر الحماية السوسيو-اقتصادية للأسر المحتاجة.
ولضمان انطلاقة قوية لمهام هذه الآلية التدبيرية وتجويد خدماتها، فقد تم تعيين ثلاثة أعضاء مستقلين وفقا لأحكام قانون إحداث الوكالة، إضافة إلى ممثلي السلطات الحكومية المعنية، والمندوبية السامية للتخطيط. مع المصادقة على الهيكل التنظيمي للوكالة ونظامها الأساسي.
وضمانا لمواكبة هذا التحول الاجتماعي الاستثنائي ببلادنا، تسهر الوكالة الجديدة على إرساء مقاربات مبنية على دقة الاستهداف وحكامة التوزيع الجغرافي.
إن ضمان أهداف الاستثمار الاستراتيجي في مجال الرأسمال البشري، لن يحقق نتائجه المرجوة، دون توفير شروط الاستدامة المالية لمختلف دعامات الحماية الاجتماعية.
ولهذا الاعتبار، فقد تمكنت الحكومة من بلورة مخطط واضح لتمويل هذا الورش، وذلك عبر تنويع وتعبئة الميزانية اللازمة لتنفيذه.
في هذا الصدد، وتنفيذا للتعليمات الملكية المتبصرة، عملنا على تجميع مختلف البرامج الاجتماعية السابقة (راميد + دعم الأرامل + تيسير + مليون محفظة + مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة … وغيرها) التي كان يعتريها التشتت وعدم الفعالية.
ويرمي هذا الإجراء إلى إعادة انتشار اعتماداتها المالية بشكل موحد عبر صندوق دعم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي، وعقلنة العمل الاجتماعي للدولة والتدبير الأمثل لمحفظتها العمومية.
إضافة إلى إقرار مصادر تمويلية إضافية، كالمساهمة التضامنية للشركات والضريبة الداخلية للاستهلاك، فضلا عن الموارد القادمة من المساهمات الإبرائية للأموال والممتلكات في الخارج.
إلى جانب الهوامش المالية المحققة من الإصلاح التدريجي لصندوق المقاصة، حيث أن التقليص الجزئي للدعم الموجه لقنينات غاز البوتان، والذي نتجت عنه زيادة طفيفة في سعرها، سيتم تخصيص عائداته لتمويل مختلف البرامج الاجتماعية ذات الأثر الواسع على معيش الأسر.
في حين شرعت الحكومة في تعزيز تكامل نظام الحماية الاجتماعية وتسهيل عملياته الإدارية والتنظيمية، من خلال اعتماد هيئة تدبير موحدة لمنظومة التأمين الإجباري عن المرض، ودمج موارد الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي CNOPSمع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي CNSS، حفاظا على استمرارية الخدمات.
وقد ساهمت هذه التدابير المالية في مجموعها، في تحقيق التوفيق بين متطلبات تيسير ولوجية الأسر المستهدفة إلى مختلف أنظمة الدعم، مع كسب رهان الاستدامة مستقبلا.
إن الجهود الحكومية لتعزيز أسس الدولة الاجتماعية، لم تقتصر على إقرار المكونات الأساسية للحماية الاجتماعية فقط، بل امتدت إلى اعتماد وابتكار مقاربة شاملة ومنسجمة، ضمانا لمصداقية وعدالة الخدمة الاجتماعية ببلادنا.
وفي هذا السياق، عملت الحكومة على إعطاء السياسات الاجتماعية دلالاتها الحقيقية.
وتجدر الإشارة، إلى أن مستقبل القطاع الصحي ببلادنا، هيمن على أجندة العمل الحكومي طيلة السنوات السابقة، وتم منحه ميزانية غير مسبوقة، انتقلت من 19,7 مليار درهم سنة 2021 إلى 32.6 مليار درهم سنة 2025 (أي بزيادة قدرها 65%).
وقد مكن هذا الاهتمام الذي حظيت به المنظومة الصحية الوطنية، من تعزيز حكامتها وتسريع تنزيل أهدافها المسطرة.
حيث تعرف وتيرة تأهيل 1400 مؤسسة للرعاية الصحية للقرب، مستوى متقدم بلغ 950 مركزا، فضلا عن مواصلة إنجاز شبكة استشفائية واسعة من المستشفيات الإقليمية والجامعية في مختلف مناطق المملكة.
إضافة إلى الجهود الحكومية المبذولة في مجال السياسة الدوائية، في أفق التخفيف من تكاليف الأسر وضمان ولوجية عادلة إلى الدواء.
حيث تم اتخاذ إجراءات مهمة، تهم الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة، سواء عند الاستيراد أو على المستوى الداخلي، بهدف خفض أثمنة 4.500 دواء جنيس.
فضلا عن تقليل تبعيتنا للخارج في مجال الأدوية، عبر تقديم منح استثمارية تهم إحداث 53 وحدة صناعية متخصصة، ستغطي ما يقارب 70% من الحاجيات الوطنية.
وهو ما سيمكن من تعزيز العرض الصحي الوطني، ومواكبة الإصلاحات الهيكلية التي تعرفها منظومة التغطية الصحية.
في الوقت الذي تقود الحكومة نهضة تربوية فارقة في تاريخ بلادنا، وفق خارطة طريق إصلاحية متكاملة وواضحة ستعيد النظر في المرتكزات البيداغوجية للمدرسة المغربية.
من جانب آخر، وبفعل التقلبات الشديدة التي شهدتها السوق الدولية للمواد الأساسية، وتوالي موجات التضخم. فقد تمت تعبئة صندوق المقاصة بغلاف إجمالي يناهز 105 مليار درهم خلال الفترة 2022-2025 لدعم غاز البوتان والسكر، والدقيق.
بالإضافة إلى تقديم دعم مباشر لمهنيي النقل يقدر ب 8.5 مليار درهم حفاظا على استقرار تكلفة النقل، ودعم المكتب الوطني للكهرباء والماء بميزانية إجمالية استقرت عند 13 مليار درهم خلال الفترة 2022-2024 للحفاظ على استقرار فاتورة الاستهلاك الكهربائي.
فضلا عن إقرار تدابير جمركية وضريبية لضبط أسعار المواد الأكثر استهلاكا لدى عموم الأسر المغربية، مساهمة في تقليص نسبة التضخم، الذي انخفض من 6.6% سنة 2022 ليستقر في حدود 0.9% عند متم سنة 2024.
بالموازاة مع ذلك، تم اعتماد سياسة أجرية عادلة، إذ أسفرت جولات الحوار الاجتماعي عن إبرام اتفاقين تاريخيين مع المركزيات النقابية والمنظمات المهنية، خلصت إلى إقرار زيادات مهمة لحوالي 4 مليون و250 ألف مواطن، منهم مليون و250 ألف موظف في القطاع العام، و3 مليون في القطاع الخاص. بكلفة مالية ناهزت 45 مليار درهم في أفق 2026، ليفوق بذلك ما تم تخصيصه للحوار الاجتماعي خلال الولايات الحكومية السابقة.
ولدعم ولوج الشباب والنساء إلى سوق الشغل، والرفع من القدرة التشغيلية للقطاعات الأساسية، وضعت الحكومة “خارطة طريق جديدة للتشغيل” بميزانية إجمالية بلغت 15 مليار درهم، ستساهم في التقائية الاستثمارات القطاعية ومواكبة النسيج المقاولاتي الصغير والمتوسط والصغير جدا.
فضلا عن وضع تدابير لتحفيز التشغيل الفلاحي، ومباشرة خطة محكمة لدعم الوساطة في التشغيل وتعزيز البرامج النشيطة للإدماج المهني.
دون إغفال الإجراءات المنجزة، تفعيلا للرؤية الملكية بخصوص تيسير سبل الاستفادة من سكن لائق، لفائدة الأسر الهشة والمتوسطة.
وقد حققت هذه العملية النوعية إلى غاية متم أبريل 2025، نتائج غير مسبوقة عبر استقبال أزيد من 142.000 طلبا. حيث تم إنجاز 48.000 عملية دعم فعلية لفائدة الأسر، 37% منها استفادت من دعم مالي قدره 100.000 درهم (مساكن تقل قيمتها عن 300.000 درهم)، بينما استفاد 63% من مبلغ 70.000 درهم (مساكن تتراوح قيمتها بين 300.000 و700.000 درهم)، بغلاف إجمالي يقدر ب 3,8 مليار درهم.
لنكون بذلك أمام تحولات اجتماعية واعدة ببلادنا، ستعطي دفعة قوية للمناخ الاجتماعي الوطني وتعزز من صموده وتطوراته.
ذلك أن مشروع الدولة الاجتماعية، باعتباره نقطة للتحول الحقيقي في معيش الأسرة المغربية، سيشكل منظومة اجتماعية ترافق المغاربة للعقود القادمة، وليس مجرد إجراءات ذات أثر محدود.
في حين فإن هذه المنظومة الاجتماعية بقدر ما تسعى إلى دعم الفئات الهشة، وفق آلية المساعدة المباشرة … فإنها في المقابل تقوم على مقاربة استهداف مرنة تروم إخراج الأسر المستهدفة من دائرة الفقر والهشاشة، وبالتالي جعل الدعم المباشر رافعة للارتقاء الاقتصادي والاجتماعي المطلوب.
إن “مغرب المستقبل” الذي يريده جلالة الملك نصره الله، أفقا مشتركا لرعاياه الأوفياء، نفتخر داخل الحكومة بالانخراط الجاد والمسؤول بتفعيل تعاقداته الكبرى، بما تقتضيه المصالح العليا ببلادنا.
ولم تكن لتكتمل أركان وملامح هذه الحصيلة الاجتماعية النوعية، لولا قدرة الحكومة على تنفيذ إصلاحات كبرى، وعلى رأسها النجاح الذي رافق ورش تعميم الحماية الاجتماعية وتوطيد معانيها المجتمعية.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News