الثقافة

أحمد ادوخراز ينعي وفاة الاستاذ إبراهيم أوحسين..

《《ليرحمك الرحيم يا إبراهيم》》

ترى الموت بعيدا عنك وهو يرحل بأناس تعرفهم من بعيد أو لا تعرفهم، حتى إذا فاجأك، وفجعك في قريب منك انتبهت من غفلتك.

بالأمس القريب فقط كان إلى جانبنا يملأ الوجود حياة مبتهجة، وينفخ في الأثير حوله روحا طيبة. يوزع الابتسامات والقفشات يمنة ويسرة كأنه يوزع هدايا العيد على الأطفال. يملأ كل الفراغات التي يتركها المثقفون والمبدعون، فتخاله لا يكاد يفلت أي محطة للفكر أو للثقافة أو الإبداع إلا ويحضرها بجسده وعقله ووجدانه. مثل فراشة تستهويه وتجذبه أضواء شموع الجمال ليفني ذاته وأعماقه في حرارتها.

تلكم قصة فارس ترجل مغادرا فجأة وبدون وداع. حمل بفخر واعتزاز وسام التربية والتعليم والتكوين رغم كل الإهانات. تحس دوما في كلماته الحارقة التي يصففها على رفوف الشعر كأنها تستغيث برحمة السماء. كان رجلا طيبا سمحا كريما، بشوشا خفيف الروح، لا تمل من الجلوس معه إذا جمعك به لقاء، أو التقيت به في الطريق أو في مرفق ما. لا يمكنك أن تفارقه إلا وقد حملت معك منه أملا وراحة نفسية وسعادة داخلية تحس أثرها طيلة اليوم أو ربما أياما. إنه نعم حامِلِ المِسْكِ، إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طيِّبةً.

فجأة،
فجأة، ومن غير سابق إنذار ترحل.
فجأة، و بغير سبق إصرار تغادر.
فجأة، في صمت وبلا إشعار تودع .
تترك خلفك استفهاما بحجم الإعصار:
ما الذي حدث؟ كيف حدث؟ أين حدث؟ لماذا حدث؟
تخلف وراءك حيرة كقر الصقيع، جمدت الأبدان و العقول.
فجأة،
فجأة، تُسلَب حركاتك وسكناتك.
يُسرق وقع خطوك.
يُقنص سر همسك وجهرك.
تنساب منا بين ثنايا الغياب إطلالتك البلسم.
تختفي تفاصيل محياك المشرق.
فجأة،
فجأة، تنهدم لذة اللقاء بك.
تنهدم لذة التلذذ بطلعتك البهية.
تنهدم لذة الاستمتاع بابتسامتك الساحرة.
تنهار لذة الاستقاء من تجربة حياتك الزاخرة.
فجأة تنهدم كل اللذات.
لأن هادم اللذات قرر أن يخطفك في سكون الزمن.
قرر أن يرحل بك في رحلة الرحيل إلى الجليل.
فجأة،
ينهد الوهم، ويستقيم الفهم.
فلا الموت سليل الهرم.
ولا الفناء قرين الألم.
ولا الأجل خليل السقم.
و لكنه الحق الأقوم:
(فإدا جاء آجلهم لا يستاخرون ساعة ولا يستقدمون).
(ولن يوخر الله نفسا ادا جاء اجلها و الله خبير بما تعملون).

طب مقاما في روضتك يا إبراهيم.
نم قرير العين يا خير كريم.
ارتح في مرقدك، فقد ننساك ويذكرك الزمن.
يذكر انسياب الكلمات الحكيمة من بين شفتيك كطيف الصباح.
يذكر وقفتك الشامخة شموخ أخلاقك، ويذكر احتراقك كشمعة يذيبها اللهب في حب الوطن.
ستظل يا إبراهيم ذكرى طيبة حية في الوجدان.
ستبقى نسمة تعطر بأريجها فضاء المكان.
إن العين تدمع، وإن القلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي رب العزة، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون.
سلام عليك، أنت السابق، وكل بك لاحق.
فليرحمك الرحيم يا إبراهيم.

لقد تلقينا ببالغ الأسى والحزن العميق نبأ وفاة أخينا العزيز، الرجل الطيب المتواضع الخلوق والأستاذ الفاضل المثقف الفاعل سيدي إبراهيم أوحساين، وانتقاله إلى جوار ربه راضيا مطمئنا إن شاء الله.

لا يسعني إلا أن أتقدم إلى كل أفراد أسرته الغالية وعائلته الكريمة وإلى كل زملائه وأحبته وجيرانه بأحر التعازي وأصدق المواساة الخالصة، لقد كانت وفاته فاجعة مؤلمة، كما أدعو الله جلت قدرته أن يتغمد روح الفقيد بواسع رحمته، وأن يثبت عند السؤال منطقه، راجين منه سبحانه وتعالى أن يشمله بفائض عفوه وعظيم مغفرته، وأن يطهره من كل الذنوب والآثام والمعاصي كما يطهر الثوب الأبيض من الدنس، وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأن يسكنه فسيح جنانه في الفردوس الأعلى، ويجعله في أعلى عليين مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. كما نسأل المولى عز وجل أن يرزق جميع أهله وكل ذويه وجميع زملائه وأحبته ومعارفه الصبر والسلوان على فراقه واحتساب الأجر عند الله.

لله ما أعطى ولله ما أخذ، وكل شيء عنده بأجل مسمى، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى