– أتاي الأحد – سي عمر.. بلاغة الإشارة
- عبد الرفيع حمضي //
“أتاي هذا الأسبوع نص ساهمتُ به في المؤلف الجماعي الذي صدر من يومين بعنوان “عمر عزيمان.. شهادات”، والذي أعدّه الصديقان سيدي علي الكتاني وسي عبد القادر الشاوي. سُلّم له في حفل تكريمي هادئ، هدوء المُكرَّم.”
نحن في بداية الألفية الثالثة، والرجل وزيرًا للعدل في العهد الجديد. النسيج المدني يتحرك، والشارع يسجّل المبادرة تلو الأخرى، والعطف الملكي الخاص على الأشخاص في وضعية إعاقة يزداد الاعتزاز به كل يوم، منهم وأسرهم.
مؤسساتيا ، انتقلت بلادنا من مندوبية سامية للأشخاص المعاقين إلى قطاع حكومي. وكانت الوزيرة تتساءل حينها كيف يمكن إقناع باقي القطاعات الحكومية بأفقية قضايا الإعاقة عند وضع أي برنامج قطاعي صرف خاصة أن مجرد إنكار حق من حقوقهم يعد انتهاكًا لحقوق الإنسان من أي جهة كانت: تعليم ،صحة ،شغل ،عدالة ….
قصدنا وسط المدينة، حيث مقر وزارة العدل. استقبل الأستاذ عمر عزيمان السيدة نزهة الشقروني، التي كنتُ مرافقًا لها. شرعت الوزيرة في عرض صعوبات الأشخاص الصم وضعاف السمع مع قطاع العدالة.
فكلما اضطر أحدهم اللجوء إلى القضاء للدفاع عن حقوقه، مدعيًا أو مدعى عليه، سواء في أمر جنائي أو غيره، وكان الاستماع إلى الشخص الأصم ضروريًا من طرف المحكمة أو الدفاع أو الأطراف الأخرى، أو الشرطة القضائية عند البحث التمهيدي، كان الجميع يصطدم بغياب مترجم للغة الإشارة كخبير محلف يُلجأ إليه في هذه الحالة كمساعد للقضاء. رغم أن هذه اللغة بدأ تنظيمها عالميًا منذ القرن الثامن عشر، وان بلادنا تضم ما لا يقل عن مليون وستمائة ألف شخص أصم وضعيف السمع.
كان الأستاذ عمر عزيمان يستمع بهدوئه المعتاد، ومن حين لآخر تتغير ملامح وجهه، ثم يختم بابتسامة أمل خفيفة وكأنه يتساءل: كيف يحدث هذا؟ أين نحن من شروط المحاكمة العادلة المنصوص عليها في كل المواثيق الدولية ودساتير المملكة؟ أليس العدل أساس الملك؟ وأساس العدل هو المحاكمة العادلة!
استفسر الوزير مسؤولًا مركزيًا في وزارته عن الأمر. فقدم له الصعوبات القانونية والإجرائية والمسطرية وغيرها، مثل: من سيعتمد خبراء لغة الإشارة وليس هناك هيئة مختصة؟ وهل لغة الإشارة لغة أصلًا؟ كما أنها غير موحدة ببلادنا، وليس هناك مراجع ودلائل لتعلمها… إلخ. ومما لا شك فيه ان هذه الصعوبات موجودة وواقعية وليست من خيال المسؤول الإداري.لكن ما العمل؟
ومرة أخرى، بقي سي عمر يستمع بهدوء، وملامح وجهه تتفاعل مع المتحدث، وتعود الابتسامة الخجولة تتسرب ببطء من حين لآخر. وبدون أن يعلق على ما سمع من مساعده، توجه إلى الوزيرة بلسان فرنسي أنيق قائلًا: “سأنظر في الأمر”، ثم وضع الملف بجانبه وودعنا عند باب مكتبه، ليرافقنا مستشاره الصديق علي إلى غاية باب الوزارة.
بعد ثلاثة أشهر فقط، أدى أول مترجم للغة الإشارة اليمين القانونية، ليصبح محمد الكتاني أول خبير محلف مقبول لدى المحاكم المغربية .ويُفتح بذلك باب الإنصاف ورد الاعتبار وحفظ الكرامة لهذه الفئة الاجتماعية الهشة. وها هي بلادنا اليوم تحصي حوالي خمسين خبيرًا يغطون أهم المحاكم المغربية، ومنظمون في جمعية مهنية.
إنه حس المسؤول الرفيع المستوى، الذي يعتبر أن القانون والمساطر وُضعت لتيسير حياة الناس، وإذا عرقلت بنودها مصالح المواطنين، يجب تفعيل روح القانون، فما بالك والأمر يتعلق بحق أساسي من حقوق الإنسان.
وبعد يومين، عدنا إلى وسط المدينة، لكن هذه المرة للاجتماع بمسؤول سامٍ جدا بوزارة الاتصال. وبعد الترحاب والشاي، ترافعت السيدة نزهة الشقروني حول أهمية مواكبة البرامج التلفزية بلغة الإشارة، حتى تتمكن فئة الصم من متابعة ما يجري في بلادنا من تحولات كبرى، خاصة بعد اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش. وأشارت إلى أن هذه الفئة لا تستمع إلى الإذاعة ولا تحضر الندوات أو المحاضرات أو المؤتمرات، فلا تدري ما يجري حولها من أحداث، كما أنها بحاجة إلى من يفقهها في دينها وفي السلوك المجتمعي المتوافق عليه.
استشار المسؤول السامي إدارييه، واعتذر بلطف، معللًا بأن وزارته ليس في قوانينها ولا في مساطرها ما يسمح لها بتوظيف إطار مترجم مختص في لغة الإشارة بالتلفزة المغربية .
فعدنا إلى شارع الأبطال بأكدال بالرباط حيث مقر وزارتنا، بخفي حنين. وكانت الحسرة بليغة، لا لأننا ركبنا لعبة المقارنة، ولكن لأن برودة كراسي الإدارة انتصرت على دفء القضية. واستمر الحال ولم يتم تدارك الأمر.
وبعد سنة من ذلك، قامت مؤسسة محمد الخامس للتضامن بمبادرة مدنية بالتعاون مع إدارة التلفزة المغربية، لا تزال قائمة إلى الآن، وهي الترجمة الأسبوعية للنشاط الملكي مساء كل احد .
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News