ماذا يريد الوهابيون من الناطقين بتشلحيت بالضبط؟
- الطيب أمگرود //
أمام صمت المسؤولين، تتعرض مختلف فئات المجتمع بالمناطق الناطقة بتشلحيت منذ 2018 لهجمة شرسة من قبل مدع للتشيخ وأتباعه الذين يتقنون أمازيغية تشلحيت وينصبون أنفسهم أوصياء على الناس، يوزعون مراتب الكفر والإيمان ويقيسون درجات التدين عند الأفراد.
فرغم أن المغاربة ارتضوا الوسطية منهجا منذ قرون، ورغم أن المغرب اختار منذ الاستقلال التدين الذي يناسبه، والطريق التي تلائمه، أي طريق الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان في بعدها الكوني، ورغم أن للمغرب مؤسسات رسمية تعنى بمختلف الشؤون التي يحاول الوهابيون الناطقون بتشلحيت حشر أنوفهم فيها وتنصيب أنفسهم أوصياء عليها ومنها الدين، من إمارة للمؤمنين ووزارة للأوقاف والشؤون الإسلامية ومجلس علمي أعلى ومصالحه الجهوية والإقليمية، وأطقما من الأئمة والفقهاء والوعاظ والمرشدين، يحق لهم وحدهم إبداء الرأي في ما يستجد في حياة الناس وأمور حياتهم وتدينهم، ورغم أن المغرب اختار سياساته التي تلائم مواطنيه بكل فئاتهم وأطيافهم وعلى رأسهم المرأة ومكانتها ووضعها في المجتمع، ورغم أن المغرب منذ ثلاثة وعشرين سنة فتح صفحة أخرى مع الأمازيغية في كل تمظهراتها، رغم هذا وغيره من سياسات المغرب كدولة حديثة، يأبى الوهابيون الناطقون بتشلحيت إلا أن يسيروا ضد التيار، ويندسوا خلسة وسط المواطنين البسطاء مثيرين الفتن والشك والفوضى والبلبلة والقلاقل والصراعات التي امتدت إلى داخل البيوت الناطقة باللغة الأمازيغية فرع تشلحيت وسط المغرب.
لقد حظيت المرأة بالنصيب الوافر من خرجات وهابيي سوس عبر منصات التواصل الاجتماعي، فعكس سياسات الدولة التي بوأت المرأة المكانة اللائقة بها في المجتمع، فشجعت تمدرس الفتيات، وعمل المرأة وتقلدها مختلف المناصب والتمثيليات في تماه مع التوجهات الحداثية، ورغم الطفرة القانونية والتشريعية التي حققها المغرب، ويتطلع لتحقيقها، لتمتيع المرأة بكامل حقوقها، يأبى تيار الوهابية في سوس إلا أن يطعن في كل جهود الدولة ويشكك فيها ويبخسها في أعين الناس عبر المهاجمة المتواصلة للمرأة تلميذة وإطارا ساميا وموظفة وأجيرة وعاملة وربة بيت، داعيا الرجل، وكأننا في مجتمع ذكوري بدوي عتيق، بإعادة المرأة إلى مكانها الطبيعي أي البيت حسب زعمه، متجاهلا أن المرأة تسهم إلى جانب أخيها الرجل، وهي الطبيبة والمهندسة والأستاذة والوزيرة والقاضية والعاملة وربة البيت…،في نهضة وتنمية المجتمع والبلاد، وليست فقط جسدا يثير شهوة الوهابي.
وظلت مناطق الأمازيغ الناطقين بتشلحيت عصية على تغلغل المتطرفين الدينيين إلى أن فطن هؤلاء لما غاب عن أذهان المسؤولين، أي توظيف لغة الأم، فكلفوا أحدهم يتقن تشلحيت بالمهمة القذرة، أي نشر الوهابية في المناطق الناطقة بتشلحيت في غفلة من الدولة.
وكي ينجح في مهمته، هاجم أولا رجال الدين وفقهاء وأئمة المساجد الذين الذين ظل الناي ينصتون لهم قرونا ويعتبرونهم مراجع، ووصفهم بكل الصفات والنعوت القدحية، وخصهم بساعات من البث هاجم من خلالها قراءتهم الجماعية للقرآن والمتون، وعادات هذه المناطق التي تمتد لقرون طويلة كالسلكة وعشاء الميت وعلاقتهم بالزوايا والمدارس العتيقة، فهاجم طلبتها وفقهاءها الذين يعلمونهم ويؤمون الناس ويرشدونهم ويبدون لهم النصح، بل امتدت به الجرأة لنعت كبير من كبارهم بسوس بالمجرم والساحر أمام صمت المسؤولين المطبق.
لقد اختار المغرب طيلة ثلاثة وعشرين سنة الماضية إنصاف الأمازيغية في كل تجلياتها والمصالحة معها، فأسس المعهد الملكي للثقافة الأمازيييغية سنة 2001، واعتمدت تيفيناغ حرفا رسميا لكتابتها منذ فبراير 2003، وشرعت وزارة التربية الوطنية في تدريسها خلال الموسم الدراسي 2003/2004، وأسست القناة الثامنة تامازيغت سنة 2010، وارتضى الشعب المغربي اللغة الأمازيغية لغة رسمية خلال يوليوز 2011، وشرع في تنزيل رسميتها سنة 2019، وأقرت الدولة رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا وعطلة رسمية مؤدى عنها خلال ماي 2023…، وبينما تواصل الدولة مسلسل إنصاف الأمازيغية، يسبح تيار الوهابيين في المناطق الناطقة بتشلحيت ضد التيار، مهاجمين اللغة والثقافة الأمازيغيتين، مثبطا جهود الدولة محاولا إقناع الناس بأن الاعتراف بالأمازيغية وإعادة الاعتبار لها عبر إدماجها في التعليم والإعلام والحياة العامة مزاحمة للعربية من أجل محاربة الدين الإسلامي، زاعما أن حرف تيفيناغ المعترف به من قبل الدولة حرفا رسميا لكتابة اللغة الأمازيغية أبجدية مختلقة لمزاحمة الحرف العربي؛ ولم يسلم رموز الحركة الأمازيغية من حملات هؤلاء متهمين إياهم بالكفر والإلحاد ومحاربة الدين، واصفين إياهم بأبشع النعوت، ملصقين بهم أبشع الألقاب والصفات، كما بخسوا كل أوجه الفن والثقافة والاحتفال الأمازيغية وفي صلبها التقويم الأمازيغي، فامتد بهم الهذيان لادعاء حرمة الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، واعتبار أكلات شعبية بسيطة كالعصيدة أكلات شركية.
ولم يسلم الفن والفنانون من حملات الناطق الرسمي باسم الوهابيين بسوس، فالتمثيل في نظره حرام، والغناء حرام، بل إنه اجتهد، مخاطبا البسطاء، في منح مصطلح الفنان دلالة الحمار، وظل منذ 2018 يخصص كل خرجاته عبر وسائل التواصل الاجتماعي للنيل لفظيا من رموز الحركة الأمازيغية وإمطار الفنانين الناطقين بتشلحيت بأبشع النعوت والأوصاف القدحية، ولم يسلم من لسانه إلا المغمورون من الفنانين أو الذين تحاشوا الرد عليه.
إن المغرب اختار الحداثة منهجا، والنظر إلى المستقبل سبيلا للرقي والتطور، ونظر إلى الثقافة كحق للإنسان ورافعة للتنمية لا تقل أهمية عن الصناعة والفلاحة والتجارة والتعليم…، إلا أن الوهابيين المتطرفين يصرون على السباحة ضد تيار دولة المؤسسات، وهكذا أفتوا بحرمة الغناء والتمثيل الأمازيغيين، ونال أغلب مشاهير الفن الأمازيغي نصيبهم من أذى وهابيي تشلحيت، فنال الرايس سعيد أوتجاجت الحظ الوافر أي شهورا من التشهير والقذف والتقزيم وهو لا يكنى من قبل كبير وهابيي سوس إلأا ببوتالجالوقت، بل شبهه، فقط لكونه أدلى بوجهة نظره في رأي الشرع في الغناء، بالمزود المصنوع من جلد الكلب المملوء عسلا، أي أن جسده وعقله كمغني لا يستحقان أن يحتويا ما تحدث فيه من نصوص دينية بل فقط نصوص الأغاني، وامتد لسانه السليط للفنان المثقف رشيد أسلال وأفراد عائلته ممطرا إياه بنعوت امتدت للطعن في عرضه، لينتقل إلى الفنان صالح الباشا الذي يلقبه إلى اليوم بصالح الكاشا وبُوْلادَّا أي السائل لعابه على الدوام، ولأن تاباعمرانت رمز من رموز الفن والنضال الأمازيغيين ظلت تنتقد التطرف الديني عقودا، لم تسلم من لسانه السليط، فشبه صوتها بصوت داجامع أي الصوت الخشن لرجل طاعن في السن، وعيرها بالكبر مدعيا أنها تشارف على الموت مما يعني حسبه ضرورة التوقف عن الغناء أو ما يسميه التوبة، ليوجه فوهة مدفعه نحو فنان آخر هو الرايس الحسين أمراكشي الذي لم يول ما قيل في حقه أهمية، فيمم وجهه شطر الرايس أحمد أوطالب المزوضي فقط لكونه جود آيات من القرآن على المقام الخماسي، فنزلت على رأسه قذائف أبي عمار المتتالية.
ففي برنامج إذاعي سئل أوطالب عن الذي يجري في أگادير والنواحي، وقصدت المذيعة ما يروجه أولئك بشأن الفن الأمازيغي، فرد بكون هؤلاء ليسوا أكثر باعا وشأنا في إبداء الرأي من الفقهاء وعلماء المدارس العتيقة وطلبتها، فلم يتأخر الرد المزمجر من قبل الوصي على تدين الناطقين بتشلحيت، خليفة الله في الأرض؛ فقال في أوطالب ما لم يقله مالك في الخمر دون أن يدع الفرصة تمر دون الطعن في مستضيفته الصحافية فرح الباز.
إن أوطالب في نظر كبير الوهابيين الناطقين بتشلحيت فاسق وبعيد عن الدين، وادعى أن لا أسرة له، ليعرج على مستضيفته بالتدخل في حريتها الشخصية وطريقة لباسها، رغم كونها امرأة متزوجة وربة أسرة وابنة لأسرة أحسنت تربيتها قبل أن يعتنق هو الوهابية.
وما كادت نيران الحرب على أوطالب تخمد، حتى حل دور الرايس الحسين الباز، أحد أهرامات أغنية الروايس بالمغرب الذي لم يطل فرحه بتكريمه من قبل والي ولاية أگادير حتى وجد نفسه هدفا لنيران واستهزاء كبير وهابيي سوس، فنال نصيبه من التقزيم والاستصغار والتحقير في خرجة بالصوت والصورة لمفتي الديار استهزأ من خلالها بسنه ومرضه ووهنه، فقال في حقه مستهزئا موجها له الكلام ما معناه أنه كي يتقي ألا تحمله الرياح بعيدا لخفة وزنه التي سببها المرض والضعف، يجدر به أن يثقل ملابسه بالحجارة ، وكل ذلك فقط لأنه تحدث عن رائعة من روائعه، أي أغنية صباح الخير، التي رددها سكان العالم.
إن حملات الوهابيين، عبر الناطق الرسمي باسمهم بهذه المناطق، لم يسلم منها الفن في شموليته الذي يعتبره هؤلاء حراما، وبكون من يمارسونه من الفنانين والفنانات فاسقين وفاسقات مآلهم جهنم، بل شملت أرباب سيارات الأجرة الذين نالوا نصيبهم من السباب والألقاب والتكفير والتقزيم، والحرفيين وعلى رأسهم الرصاصين، وكل من لا ينصاع لترهيبه النصيب الأكبر مما يصدر عنه من ألقاب شنيعة لم يسلم منها النشطاء الأمازيغ الذين ظل يصف أحدهم في كل خرجاته بأَگَايُّو نْ أُوكْرْدْلاَّسْ، وهي مفرد جمعه إيكْرْدْلاَّسْنْ/ الكرداس/ الگديد، ومؤداها تشبيه رأسه برأس الگديدة أي شريحة اللحم المجفف.
إن الدولة في مغرب المؤسسات مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى للتدخل العاجل وإعمال القانون لوقف حملات الوهابيين بالمناطق الناطقة بتشلحيت التي لن تولد إلا مزيدا من التطرف، وحماية المستهدفين من حملات التكفير التي تصادر حقهم في الحرية وتهدد سلامتهم الجسدية والنفسية وحياتهم وحياة أفراد أسرهم وذويهم، ووضع حد لما يقومون به، مستغلين إتقانهم للغة الأمازيغية، وتمكنهم من الثقافة، وقربهم من السكان وقدرتهم على التواصل الجيد معهم، مع جهل أغلب المسؤولين باللغة الأمازيغية وتغييب مخاطبة المواطنين بهذه المناطق بلغتهم الأم، ليحولوا حياة البسطاء إلى جحيم لا يطاق ومسلسل لا ينقطع من الترهيب عبر تحريم ما ظل الناس يقومون به ووجدوا عليه آباءهم وأجدادهم طيلة قرون، فزعزعوا سكينتهم، وصادروا حرياتهم وحقهم في العيش بسلام، وحولوا دواويرهم وبيوتهم لبؤر صراع لا يتوقف إلا ليبدأ بين من يصدقون ما يقوله هؤلاء وأفراد أسرهم ممن نالوا نصيبا من التأطير والتعليم، وامتدت الصراعات لتحريم أشياء ظلت لصيقة بحياة الناس، وصراعات بين الأزواج وزوجاتهم والآباء وفلذات أكبادهم حول اللباس والمظهر، وصراعات وسط المساجد حول طريقة الصلاة أبالسدل أم القبض…
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News