المجتمع

عيد الأضحى بالمغرب : هل هي بداية الارتداد من العادة الاجتماعية إلى الشعيرة الدينية

يحل عيد الأضحى بالمغرب هذا العام في ظل تضخم خانق لم يعرف له المغرب مثيلا في تاريخه المعاصر ربما منذ العام 1926، استبق مجموعة من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي العيد بالدعوة إلى تعطيل الشعيرة هذا العام على غرار ما وقع بالمغرب في العامين 1981 و 1982 وبدرجة أقل في 1996 حين اقتصرت دعوة الملك على مجرد توصية دون أن تنزل السلطات إلى الأسواق لمنع بيع الأضاحي كما وقع في عامي 1981 و1982 ، طالب آخرون الدولة بالتدخل لتسقيف الأسعار وهو ما لم تفعله في عز رواج الأفكار الاشتراكية وسيادة النهج التدخلي للدولة الحارسة ، من جانبهم أوصى الخبراء الاقتصاديون بالسماح بالاستيراد واسع النطاق الذي حددوه في سقف لا يقل عن مليوني رأس لإرجاع التوازن للأسعار في ظل الانخفاض المضطرد للقدرة الشرائية للمواطنين .

دعونا نذكر بداية أن شعيرة الأضحية هي سنة مؤكدة مشروطة بالاستطاعة، بل اتفق الجمهور على إسقاطها عن الحاج إبان أداء مناسكه وعن الفقير، وعلى كل ذلك يجب التنويه إلى أن الأضحية تجاوزت على مدى القرون المتتابعة كونها إحياء لشعيرة دينية ، لتصيرعادة اجتماعية لها إكراهاتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

في المغرب وهو بلد فلاحي بامتياز لم تكن الأضحية عائقا أمام الأسر المغربية سيما في سنوات الرخاء المطيرة ، وثمة مقولة مغربية سائرة تجري على الألسن مفادها أنه ” في الأخير الكل يضحي سواء بالقليل أو بالكثير ” . وقد استمرت الوضعية على هذا المنوال حتى بدايات السبعينات حين تكاثفت الهجرة القروية إلى المدن ، لكن التحول وقع في أوائل الثمانينات من القرن العشرين حين شهد المغرب سنوات عصيبة من الجفاف أتت على جزء كبير من القطيع ، حتى إنه في عيد الأضحى لعام 1401 الموافق لسنة 1981 كان أمام المغرب خيار تعطيل الشعيرة أو الاستيراد من الخارج في ظل نقص حاد في العملة الصعبة ، ولم يكن أمام الملك الراحل الحسن الثاني إلا الخيار الأول ، فعطل الشعيرة عامين 1401 الموافق لسنة1981 و 1402 الموافق لسنة1981 ، لما عادت الشعيرة في 1983 ، حدث متغير لم يألفه المغاربة وهو ارتفاع الأسعار الذي كان طبيعيا لتوالي سنوات الجفاف وتناقص أعداد القطيع ، ولأول مرة تجاوزت أسعار الأضحية مبلغ الألف درهم في وقت اعتادت فيه الطبقة الوسطى على أثمان دون الألف درهم .

اصطدم الوضع الجديد مع ما تشكل في الوجدان الجمعي عن هذه العادة الاجتماعية ، وبعد أن كان ” الكل يضحي سواء بالقليل أو بالكثير” تزايدت أعداد غير القادرين على شراء الأضحية ، ولأول مرة ذكرت صحف الثمانينات وقائع عن حالات انتحار وعن أشخاص يعرضون الأثاث للبيع كالثلاجة والتلفزيون الملون أملا في التمكن من اقتناء ذلك الأملح الأقرن ، وبرزت حينها ولأول مرة إعلانات عن عروض شركات القروض الصغرى لتسليف الراغبين في اقتناء أضحية العيد.
والحقيقة أن محدودي الدخل من أرباب الأسر، كانوا تحث رحمة تمثلات هذه العادة الاجتماعية ، ففي المناطق المزدهرة اقتصاديا، تشكلت صورة نمطية حول الكبش وطقوس اقتنائه ، وغالت قي ذلك بعض ربات البيوت ، إذ يجب أن يكون الكبش من فصيلة معينة بقرون مزدوجة الالتواء وأن يقترب في وزنه وهيئته من الثور ، وبلغت المغالاة مبلغها في طقوس إدخاله ، إذ يجب أن يكون ذلك على مرأى ومسمع من الجيران، بل وبلغ الجهل مبلغه باستقباله بالزغاريد وفي حالات بفرق الطقيطيقات ، وحتى تبلغ الطقوس الاحتفالية مبلغها تقوم ربة البيت الآمرة بتخضيب بين قرنيه بالحناء ، أما من لا يستطيع تحقيق مثل هذه الطقوس الباذخة ، فما عليه إلا أن يدخل حَمَله في جنح الظلام حتى لا يتعرض للسخرية ، إذ أن الوصف جاهز دوما وهو تشبيه الكبش الذي لا يحقق مثل هذه المواصفات بالقطيط (المشيش).

في السنتين الأخيرتين وأمام موجات التضخم واندحار القدرة الشرائية، تزايدت أعداد الأسر التي تخلت عن اقتناء الأضحية، بل واتسع هامشها هذه السنة، وقد أخبرني أحد الجزارين أن أعداد كبيرة من المواطنين اقتنوا اللحوم المذبوحة بوفرة لعجزهم عن مجاراة الأثمان الخيالية التي فرضها الشناقة مستغلين كعادتهم قلة العرض ووفرة الطلب، ما يشكل تغييرا في السلوك الاجتماعي على أية حال، ولم تعد عدم القدرة على اقتناء الأضحية سبة تعيب صاحبها، إذ وجدت كثير من الأسر سلوها في ازدياد أعداد غير المضحين، والحقيقة أن كثيرا من الدول العربية والإسلامية سبقتنا إلى هذه التجربة التي ترفع العبء عن الأسر وعن الدولة ، ومادام أن انخفاض الأسعار لا يبدو قريبا في الأفق المنظور، فإن هذه الظاهرة تظل محمودة ، لأن من شأنها الارتداد بأضحية العيد من العادة الاجتماعية التي سجنت فيها إلى الشعيرة الدينية المشروطة كغيرها من الشعائر والعبادات بالقدرة .

بقلم: المهدي شبو

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى