الرأيالعالم اليوم

سجناء التفاهة: عصر السطحية في ميزان القيم

  • بقلم حسن كرياط//

في عالم اليوم، لم تعد صناعة التفاهة تتطلب أدوات علمية أو مؤهلات أكاديمية رفيعة. يكفي أن تكون مستعدًا نفسيًا لتقبل شروطها المبتذلة، وأن تضرب بكل ما هو أخلاقي عرض الحائط. أن تكون شخصًا لا يكترث بحديث الناس ولا يأبه بعواقب الزمن.

التفاهة اليوم تحتاج منك فقط أن تتحرر من قيود المجتمع، وتخلع عنك كل وازع ديني أو أخلاقي، بحيث لا يرهبك أي فعل يُرتكب ضد النظام العام ولو كان على حساب المبادئ والقيم.

لقد أصبحت التفاهة موضة العصر، تنتشر في مختلف مناحي الحياة، تجد لها مناصرين ومدافعين بحجة حرية التعبير. لغتها لا تخضع لقواعد نحوية أو أصول منطقية، بل تعتمد على آليات تتماشى مع تطور المجتمع السطحي، مستخدمة لغة جوفاء مليئة بالحشو اللغوي الفارغ من أي محتوى حقيقي.

تتسم هذه الظاهرة بالنمطية والتلاعب بالعقول، وتفتقر إلى المصداقية العلمية والتحليل المعرفي العميق. إنها تؤمن بالسطحية واللامبالاة، رافعة شعار “المجتمع تطور، والكل تغير”، حتى غدت سلطة التفاهة تتحكم في مجالات التحليل الإعلامي والسياسي والديني، وتمسك بمفاتيح التأثير على الرأي العام.

أصبحت التفاهة مدخلًا رئيسيًا في التنظير والتشريع، حيث تجذب انتباه الجمهور المتعطش دائمًا لجديدها. وقد تسللت هذه الظاهرة إلى المشهد الإعلامي، مكرسة خطابًا سوقيًا دخيلًا يفتقر إلى الرقابة أو المسؤولية.

يكفي أن تدرك قيمة التفاهة عندما تجدها تفتي في أمور تجهل أصلها ومنطلقاتها. يكفي أن تعرف حقيقتها عندما تجد نفسك مفتونًا بها، منغمسًا في عوالمها، حتى تستيقظ كل يوم على “تفاهة” جديدة. يكفي أن تشجع انتشار ثقافتها بدلًا من أن تكون في مقدمة محاربيها.

وفي النهاية، عندما تسأل نفسك: “من أنا؟”، قد تجد الإجابة مريرة: “إنني إنسان تافه”.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى