
تنامي العنف ضد الأساتذة في المغرب: بين تآكل السلطة التربوية وأزمة المجتمع
بقلم : ذ.محمد العماري//
شهدت المؤسسات التعليمية في المغرب في السنوات الأخيرة تصاعدًا مقلقًا في وتيرة العنف ضد الأساتذة، وهو ما يعكس تغيرًا عميقًا في العلاقة بين الأستاذ والطالب. حادثة اعتداء طالب على أستاذة في إرفود باستخدام قضيب حديدي ليست مجرد واقعة معزولة، بل تأتي في سياق تآكل سلطة الأستاذ داخل الفصل الدراسي، وتزايد مظاهر التمرد على النظام التربوي، مما يستدعي تفكيرًا جديًا في الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع.
لم يكن الأستاذ في الماضي مجرد ناقل للمعرفة، بل كان رمزًا للسلطة الأخلاقية والتربوية، يحظى بتقدير واسع داخل المجتمع. كان حضوره في الفضاء العام يضفي عليه احترامًا يتجاوز أسوار المدرسة، حيث كان يُنظر إليه باعتباره حاملًا لرسالة نبيلة تتجسد في تربية الأجيال وتأهيلها للمستقبل.
غير أن هذه الصورة لم تعد قائمة بنفس القوة، إذ أسهمت تحولات اجتماعية وثقافية متسارعة في إضعاف مكانته. ضعف الدور التأديبي للأسرة، وتغير نمط التنشئة الاجتماعية، وانتشار ثقافة الاستهلاك السريع التي عززتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل، كلها عوامل جعلت الطالب أقل تقبلًا للسلطة التربوية، وأكثر ميلًا إلى مواجهتها بدل الامتثال لها.
في موازاة هذه التحولات، لم تكن المدرسة بمنأى عن الضغوطات المتزايدة التي زادت من تعقيد العلاقة بين الأستاذ وطلابه. ارتفاع أعداد الطلاب داخل الفصول، ونقص الموارد المادية والبيداغوجية، وتنامي الهشاشة المهنية لبعض الأساتذة، عوامل جعلت العملية التعليمية أكثر هشاشة، وخلقت أجواء مشحونة داخل المؤسسات التربوية.
في ظل هذه الظروف، لم يعد التفاعل داخل الفصول الدراسية محكومًا بسلطة المعرفة وحدها، بل بات يتأثر بامتدادات الأزمة التي تعيشها المنظومة ككل، حيث يجد بعض الطلاب أنفسهم في وضعية قطيعة مع الفضاء المدرسي، ما يجعلهم أكثر استعدادًا لتبني سلوكيات عنيفة تعبيرًا عن رفضهم لواقع لم يعودوا قادرين على التكيف معه.
لا يمكن، في هذا السياق، النظر إلى العنف ضد الأساتذة باعتباره مجرد إشكال تربوي، بل هو انعكاس مباشر لأزمة اجتماعية أعمق.
تفاقم البطالة، وتراجع الأفق المستقبلي لفئات واسعة من الشباب، واتساع الفوارق الاجتماعية، كلها عوامل تغذي الإحساس بالإحباط واللاجدوى، وتجعل من رفض السلطة بمختلف تجلياتها سلوكًا متوقعًا لدى بعض الفئات.
في هذا المناخ، لم يعد العنف داخل المدرسة مجرد تجاوز فردي معزول، بل أصبح تعبيرًا عن خلل بنيوي يعكس أزمة ثقة متبادلة بين المدرسة والمجتمع.
لمواجهة هذه الظاهرة، لا بد من اعتماد مقاربة متعددة الأبعاد تعيد الاعتبار لدور الأستاذ داخل المنظومة التعليمية، وتضمن له الظروف الملائمة للقيام بمهمته على الوجه الأكمل.
تحسين أوضاع الأساتذة، وتوفير بيئة تعليمية أكثر استقرارًا، وتعزيز حضور القيم الأخلاقية داخل الفضاء المدرسي، كلها مداخل ضرورية لاستعادة التوازن داخل المدرسة.
غير أن هذه الإجراءات تظل غير كافية ما لم يتم العمل على معالجة الأسباب العميقة التي تغذي هذا العنف، وذلك من خلال سياسات اجتماعية واقتصادية تعيد الأمل لفئات واسعة من الشباب، وتجعل من المدرسة فضاءً للتنشئة المتوازنة بدل أن تكون ساحة لصراعات تعكس أزمات المجتمع بأسره.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News