الرأيالعالم اليوم

المغرب وكينيا: تحالف استراتيجي من أجل إفريقيا موحدة وآمنة..

  • بقلم: حسن كرياط//

يشهد المسار الدبلوماسي المغربي، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، تحولات نوعية جعلت المملكة رقماً صعباً في المعادلة الإفريقية والدولية. فمنذ العودة التاريخية إلى الاتحاد الإفريقي، وُضعت خارطة جديدة للدبلوماسية المغربية، تميزت بالعمق، والرؤية، والفعالية، لتشمل مختلف أقاليم القارة، وبالخصوص شرق إفريقيا، الذي طالما كان يُنظر إليه على أنه عصي على الاختراق بفعل تحالفاته وتوجهاته السياسية المعقدة.

ولعل التقدم اللافت الذي أحرزته المملكة في علاقاتها مع دول محورية مثل كينيا، يُعد إنجازاً استراتيجياً بالغ الأهمية، بالنظر لما تمثله هذه الدولة من ثقل سياسي واقتصادي في شرق القارة. فقد ظلت كينيا، إلى جانب دول أخرى كإثيوبيا، في موقع الحياد أو الدعم الضمني للأطروحات المعادية للوحدة الترابية للمملكة.

غير أن الدبلوماسية المغربية، بما تتميز به من هدوء ووضوح وبعد نظر، نجحت في فتح قنوات الحوار والتقارب مع القيادة الكينية، مستندة إلى إدراك مشترك للمخاطر التي تهدد استقرار القارة من خلال تغذية النزاعات الانفصالية.

وقد تُوج هذا المسار الهادئ والمثابر بإعلان كينيا دعمها الصريح لمبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها المملكة لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وافتتاح سفارتها بالرباط، وإطلاق شراكة استراتيجية متعددة المجالات بين البلدين.

البيان الختامي الصادر عن هذا التعاون حمل رسائل سياسية قوية، أكدت على:

اعتبار كينيا لمبادرة الحكم الذاتي حلاً واقعياً وموثوقاً لتسوية النزاع.

الإشادة بالقيادة الملكية والدينامية التي أطلقتها المملكة لدعم هذا المقترح، والانخراط في جهود إفريقية جماعية لتفعيله.

إن هذا التطور لا يعزز فقط الموقف المغربي، بل يعكس أيضاً تحولا نوعيا في المزاج السياسي الإفريقي، الذي بدأ يدرك أن مشاريع الانفصال لا تهدد فقط وحدة المغرب، بل وحدة واستقرار القارة كلها.

وفي المقابل، تواصل المملكة تعميق علاقاتها الإفريقية عبر شراكات تنموية حقيقية، تحترم سيادة الدول وتخدم مصالح شعوبها، في إطار من التعاون جنوب-جنوب، بعيداً عن منطق الاستغلال أو التبعية. إنها شراكة تقوم على الثقة والندية، ويقودها جيل جديد من القادة الأفارقة المتحررين من رواسب الاستعمار وخلافاته المصطنعة.

غير أن هذه الإنجازات، ورغم أهميتها، تظل مهددة بخطر الاختراق والمناوشة، ما لم تواكبها جبهة داخلية متماسكة، قوية ومتيقظة، تدرك حجم الرهانات والمؤامرات. فالخصوم لم يستسلموا، وتحركات الانفصاليين ومن يساندهم لم تتوقف، بل تتخذ أشكالاً جديدة في محاولات لزعزعة الاستقرار.

ومن هنا، فإن الدفاع عن المصالح الوطنية في الخارج، لا يكتمل إلا بتحصين الجبهة الداخلية بالتلاحم، والوحدة، والوضوح في الرؤية، والابتعاد عن النزاعات الهامشية التي لا تخدم سوى خصوم الوطن.

إنها لحظة مفصلية في تاريخ المغرب وإفريقيا: فإما أن نواصل مسار البناء والنهضة في إطار من الوحدة والوعي، أو نسمح لمخلفات الماضي بأن تعيق مستقبل شعوبنا. والمملكة، كما أظهرت الأحداث، اختارت الطريق الصعب: طريق السيادة، والتنمية، والشراكة من أجل إفريقيا الغد.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى