
المصير الإنساني بين الحلم واللا معقول..
- بقلم: حسن كرياط_ المغرب//
يستوقفني كل يوم ذلك السؤال الأبدي الذي ينهش كينونتي: إلى أين نمضي؟ وما غاية هذا المسير المجهول الذي يسمّى حياة؟ تتقاطر عليّ الأسئلة كأمطار لا موسم لها، وتلازمني كالظل، لا تفارقني في قسوة النهارات ولا في سكون الليالي. هناك، حيث الزمن يتقدّم كساعة يدوية تخترق جدران العالم دون هوادة، يخيّم الصمت على الأفق، صمت لا يشي بالسكينة بل يوشي بغموض مقلق، صمت يشبه هدير الحقيقة حين لا تجد من ينصت.
حاولت مراراً التهرّب من التفكير في هذا المصير المحتوم، تنكّرت لكل ما يذكّرني به، تجاهلت صخبه في داخلي وخرسته عمداً. غير أن الأسئلة كالأفاعي، لا تموت بالتجاهل، بل تعود أشدّ سماً وأقوى لذعاً، تعود لتشدّني بسلاسل لا مرئية إلى عوالم داخليّة، حيث لا شيء يبعث على الطمأنينة. هناك حيث يُقذف بي إلى صحراء الوجود: بلا أمواج ولا طيور، بلا أصوات ولا أنفاس، في كوكب منفصل عن قوانين البشر.
ذلك العالم الذي أرتحل إليه قسراً، لا تحكمه وساطة ولا تصنعه سلطة، إنه عالم يتجاوز المعقول، تختلط فيه الأضداد وتتلاشى فيه الحدود: الجمال يجاور القبح، الحزن يعانق الفرح، الخير يتماهى مع الشر، والفضيلة ترتدي أقنعة الرذيلة. هناك، لا تقاس القيم بما تعلّمناه، ولا تُوزن الأرواح بما كسبت، بل ينكشف الإنسان كما هو، عارياً من كل زخرف، يواجه ذاته بلا أقنعة.
في هذا الانكشاف العميق، يلوح حلم الطفولة، حيث كان العدل حلماً بسيطاً نؤمن به قبل أن نفقده في زحام الواقع. لكن ما إن نستفيق من هذا الحلم، حتى نكتشف الخديعة الكبرى: لم يكن حلماً بريئاً، بل مرآة تعكس هشاشتنا في عالم يتقن صناعة الانكسار.
وهكذا، يبقى الإنسان مصلوباً بين الحلم والواقع، بين توق إلى العدالة وفجيعة الاكتشاف، باحثاً في كل ولادة جديدة عن حلم جديد يعيد له شيئاً من ذاته.
إنه المصير الإنساني، حيث تبدأ الفلسفة حين يصمت الواقع، وتُولد الأسئلة حين يغيب الجواب.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News