الطيب في عالم القسوة: حين يُحتقر الخير ويُهاب الجفاء
- بدر شاشا //
في هذا الزمن العجيب، بات الإنسان الطيب والمحترم، الذي يتميز بالتعامل اللين والأخلاق العالية، يجد نفسه في وضع لا يحسد عليه، إذ غالبًا ما يتم استغلاله واحتقاره من قبل الناس الذين يرونه ضعيف الشخصية أو سهل الانقياد. كأنه في أعينهم مجرد دمية يتحكمون فيها كيفما يشاؤون، ويجعلونه عرضة للظلم وسوء المعاملة دون أن يجد لنفسه القدرة على الرد أو الدفاع عن نفسه بالشكل الذي يحميه من هذه المعاناة النفسية التي يمر بها.
الإنسان الطيب، بطبيعته، يختار دائمًا أن يتعامل مع الآخرين بحسن نية، معتقدًا أن الجميع سيفهمون طيبته ويقدرونها كما ينبغي. لكنه يصطدم بواقع مرير حيث لا يُقدر إلا من يتصرف بحدة وقسوة، وكأن الطيبة أصبحت سمة للضعف في هذا المجتمع الذي بات يعلي من شأن القسوة والجبروت على حساب الأخلاق والإنسانية. الطيب يجده الناس مفرطًا في تضحياته، منصاعًا لأوامرهم، ويعتقدون أن بإمكانهم التجاوز عليه دون أدنى احترام لكرامته أو قيمته كشخص.
وفي مقابل ذلك، تجد الشخص القاسي، الذي لا يتردد في استخدام الكلمات الجارحة أو التصرف بتعنت وقسوة، يُحترم ويُهاب من الجميع. كأن الخوف منه هو العامل الوحيد الذي يدفع الناس للتعامل معه بحذر واحترام، حتى وإن كانوا يعرفون داخليًا أنه لا يتمتع بنفس القيم الأخلاقية التي يتمتع بها الشخص الطيب. المجتمع اليوم يبدو وكأنه أصبح يخاف من القسوة أكثر من احترامه للطيبة، وهذه ظاهرة محزنة للغاية.
لقد أصبح الناس يحترمون من يخيفهم، ويستهينون بمن يحسن إليهم. يعاملون الطيب وكأنه ضعيف لمجرد أنه لا يرغب في التصادم أو إثارة النزاعات. ولكن الحقيقة أن الطيبة قوة وليست ضعفًا. فهي تتطلب شجاعة كبيرة في عالم يسوده الجفاء والأنانية. أن تظل طيبًا وسط كل هذا الجحيم النفسي الذي يُحاصرك هو أمر ليس بالسهل، بل هو فعل بطولي يستحق التقدير، لكن للأسف قلّ من يدرك هذا المعنى العميق في العلاقات البشرية.
الإنسان الطيب يتعرض للكثير من الظلم، وغالبًا ما يجد نفسه وحيدًا. فهو يُحاول أن ينشر الخير ويساعد الآخرين، لكنهم بدلًا من أن يقابلوا إحسانه بالإحسان، يستغلونه لمصالحهم الشخصية. بعضهم قد يظن أن الطيبة تعني الضعف، وأنه لا خوف من الطيب لأنه لن يقاوم. بينما الشخص السيئ، الذي يتصرف بخشونة ويظهر جبروته، ينال من التقدير والاحترام ما لا يستحق. خوف الناس منه يمنحونه قوة لا يستحقها، وكأنهم يفضلون أن يتعاملوا مع من يسيء إليهم فقط لأنهم يخشون عواقب التصادم معه.
الظلم النفسي الذي يتعرض له الطيب يمتد ليتحول إلى إحساس بالدونية والاحتقار الذاتي. يجد نفسه يتساءل:
هل أخطأت عندما اخترت أن أكون طيبًا؟
لماذا لا ألقى الاحترام الذي يستحقه الإنسان المحترم؟
لماذا ينظر إليّ البعض وكأنني ضعيف فقط لأنني لا أرد الإساءة بالإساءة؟”
هذه التساؤلات تكشف عن أزمة داخلية يعاني منها الكثير من الأشخاص الطيبين في هذا الزمن، حيث يضطرون للتفكير في إعادة النظر في قيمهم ومبادئهم، وهل يستحقون كل هذا الألم النفسي الناتج عن استغلالهم وسوء معاملتهم من قبل الآخرين.
لكن، بالرغم من كل هذا الظلم، يبقى الإنسان الطيب قويًا في داخله، حتى وإن لم يعترف المجتمع بذلك. قوة الطيبة تكمن في القدرة على الاستمرار في فعل الخير بالرغم من العقبات والألم. الطيب لا يحتاج إلى أن يكون قاسيًا ليُحترم، بل يحتاج فقط إلى أن يُقدر من يعرفون قيمته الحقيقية.
قد يكون هذا الاعتراف بطيئًا في الوصول، ولكن في نهاية المطاف، الطيبة تنتصر، ولو كانت انتصاراتها غير مرئية دائمًا في لحظة وقوعها.
أما عن الشخص القاسي، فاحترام الناس له ليس نابعًا من حبهم له أو تقديرهم لقيمه، بل من الخوف والرهبة. وهذا النوع من الاحترام هو احترام مزيف، سرعان ما ينهار عندما يختفي سبب الخوف. الناس يحترمون القاسي لأنهم يخشون العواقب، وليس لأنهم يقدرون قيمه. على العكس تمامًا، الاحترام الحقيقي ينبت من التقدير والإعجاب بالصفات النبيلة، كالصدق والعدل والكرم، وهذه الصفات هي ما يمتلكه الإنسان الطيب.
يجب أن يدرك الإنسان الطيب أن قيمته ليست فيما يراه الآخرون فيه، بل في ما يعرفه هو عن نفسه. القوة الحقيقية لا تكمن في التصرف بخشونة أو إظهار الغضب، بل في القدرة على التمسك بالمبادئ والأخلاق في وجه كل التحديات. الطيب هو الذي يملك القوة الحقيقية، حتى وإن لم يعترف الناس بذلك.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News