
كلمة الاستاذ عبد اللطيف أوعمو في دورة مجلس جهة سوس ماسة (أكتوبر 2025)
يعقد مجلس جهة سوس ماسة دورته العادية لشهر أكتوبر 2025 يوم الاثنين 06 أكتوبر 2025. ويتضمن جدول أعمال هذه الدورة الدراسة والمصادقة على عدد من الاتفاقيات والمشاريع التي تهم عدة مجالات.
كما سيتداول أعضاء المجلس حول مشروع ميزانية الجهة برسم سنة 2026، وإعادة برمجة اعتمادات برسم السنة المالية 2025. وتُخصص هذه الدورة، التي تنعقد عملًا بمقتضيات القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، لبحث قضايا مختلفة ذات طابع اقتصادي وسياحي واجتماعي وبيئي وثقافي ورياضي.
وبالمناسبة، قدم الأستاذ عبد اللطيف أعمو، مساهمة مجموعة التقدم والاشتراكية بمجلس الجهة.
وتعميما للفائدة، نورد أسفله نص المداخلة كاملة كما تفضل الاستاذ أوعمو بنشرها على موقعه:
تجتمع دورتنا هاته في أجواء من الاحتقان الاجتماعي ومن التذمر المجتمعي جراء المطالبة بوضع الأولويات الاجتماعية (الصحة، التعليم، التشغيل…) بجانب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية في قلب الرهانات المجتمعية.
هذا الحراك القائم يكشف، في ربطه بين قوة الفضاء الرقمي ودينامية الفضاء العمومي، عن صعوبة استيعاب المؤسسات التقليدية لطرق تعبير جديدة، تعكس انتقالا نوعيا في أشكال التعبير السياسي والاجتماعي، وتعتمد الشفافية والآنية والبيانات واللغة الرقمية المباشرة وتتسلح بالحيوية في التعبئة والاحتجاج، بدل الخطابات والاجتماعات الرسمية الكلاسيكية المعتادة.
وهذا الجيل الخارج إلى الشارع يظل حساسا تجاه قيم الحرية والعدالة والكرامة، وهو ما يجعل حضوره في الفضاء العمومي دليلا على تنامي وعي جماعي يرفض الهامشية والإقصاء، واضعا في صلب أولوياته قضايا الصحة والتعليم والكرامة، باعتبارها قضايا سيادية ومجتمعية عابرة للتجاذبات السياسية وللانتماءات الحزبية الضيقة.
وهذا الحراك يؤكد كذلك بأن هناك فرقا شاسعا بين الالتزامات التي أخذتها الحكومة على عاتقها وبين الواقع الملموس والمعاش لأوسع شرائح المجتمع .
يتضمن جدول أعمال دورة أكتوبر 2025 لمجلس جهة سوس ماسة محاور عديدة، من أهمها، المحاور المرتبطة بالبرمجة المالية (2025–2026) والمتمثلة في الدراسة والمصادقة على مشروع الميزانية برسم السنة المالية 2026 بجانب تحويل اعتمادات مالية داخل الميزانية، إضافة إلى طلبات قروض لتمويل مشاريع الجهة وتخصيص اعتمادات للوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع.
فهذه الميزانية الجديدة لا تختلف عن سابقاتها في الجوهر، رغم أن الظرفية الراهنة تلزم الجهات بالاجتهاد أكثر والانتباه إلى مضامين الخطاب الملكي ، الذي وضع على كاهل الدولة والحكومة والجماعات الترابية، وخصوصا الجهات، مسؤولية إعادة النظر في مناهجها الكلاسيكية المعتمدة لتحقيق الأهداف المرسومة بإعطاء الأهمية القصوى لتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية وجعل الإنسان في قلب الرهانات التنموية.
صحيح أن تداول مجلسنا الموقر يشمل المصادقة على اتفاقيات شراكة كبرى، من قبيل: دعم الاستثمار والتشغيل بجهة سوس ماسة وإنجاز الميناء الترفيهي بأكادير وتهيئة وتدبير تيكنوبارك تيزنيت وتهيئة المنطقة الصناعية المندمجة والمستدامة بتارودانت، وإعطاء الانطلاقة لمشاريع تهم تطوير وتنمية القطاع السياحي وتثمين الموروث الثقافي، إضافة إلى اتفاقيات مرتبطة بالبنية التحتية والتنمية المستدامة تتضمن اتفاقيات للوقاية من الفيضانات ومكافحة الكوارث الطبيعية بعمالات وأقاليم: أيت ملول، تارودانت، طاطا، وأكادير، وأخرى تهم الجوانب الاجتماعية والتربوية والرياضية. وبخصوص التعاون الدولي اللآممركز سيصادق المجلس على اتفاقية مع جهة بروكسل والونيا ببلجيكا.
وفي نظرة عامة لميزانية 2026، التي هي في قلب جدول أعمال دورتنا هاته، نلاحظ أنها تركز بشكل واضح على الاستثمار في البنيات التحتية والتنمية الاقتصادية والسياحية، مع الاعتماد الكبير على تحويلات الدولة (التي تتجاوز عادة 70% من موارد الجهة) والاعتماد على القروض كمورد رئيسي.مما يبرز بأن المجهود الاستثماري يفوق القدرة الذاتية للجهة .
وأن هناك عموما توجها استراتيجيا نحو إنعاش الاستثمار، بتنويعه (تطوير الخدمات الاجتماعية والثقافية والرياضية…) والتركيز الكبير على البنيات التحتية والحماية من المخاطر الطبيعية. مما يعكس استجابة لحاجيات واقعية بالجهة، مع الحرص على توزيع واضح بين الجانب الاقتصادي (الصناعة، السياحة، الاستثمار…) والجانب الاجتماعي (التعليم، الصحة، الرياضة، الثقافة..).
حيث، يتميز توزيع الميزانية الجهوية، بتركيز كبير على البنيات التحتية والحماية من المخاطر الطبيعية، والتي تمثل نصف ميزانية الاستثمار تقريباً، بحيث تستحوذ البنيات التحتية وحماية المجال على 40 % من نفقات الاستثمار، فيما القطاع الاقتصادي والاستثمار الصناعي يحصل على 20 % من اعتمادات الاستثمار. ويحظى القطاع السياحي والثقافي ب 15 % من الاستثمار الجهوي، فيما دعم التعليم والبحث العلمي سيحظى بـ 10 % من الاستثمارات، بينما دعم الرياضة والمشاريع الاجتماعية والصحية تحصل متساوية على حوالي5 إلى7% من مجموع الاستثمارات الجهوية برسم السنة المالية 2026 ، أي بنسب استثمارية أقل.
وهنا، لا بد من الإشارة إلى تشتت في المشاريع الاستثمارية: بتعدد الاتفاقيات والمشاريع (البنيات التحتية، سياحة، رياضة، ثقافة، … )، مما قد يضعف من الأثر التراكمي للاستثمار. خصوصا، وأن الجهات تعاني عموما، وبشكل كبير، من ضعف آليات التتبع والتقييم وغياب مؤشرات كمية لقياس مردودية المشاريع وضعف النجاعة في ربط التمويل بالنتائج المتوقعة.
لكن يبقى التحدي الأساسي هو ضعف الموارد الذاتية للجهة ومحدودية الرسوم الجهوية وضعف مردوديتها واستدامة اللجوء إلى القروض واحتمال ارتفاع المديونية الجهوية، باللجوء المتكرر إلى صندوق التجهيز الجماعي لتمويل المشاريع في غياب رؤية واضحة لتدبير خدمة الدين على المدى المتوسط، مع محدودية فائض الميزانية.
مما يعني أن قدرة الجهة على التمويل الذاتي تبقى ضعيفة إلى حد كبير.وهذا الوضع يعكس مفارقة أساسية: قوة على مستوى الالتزامات الاستثمارية، وضعف في القدرة التمويلية الذاتية.
هذا، وإن الميزانية الجهوية، التي نحن بصدد دراستها، تعكس توجها استثماريا واضحا: بتخصيص أكثر من ثلثي الميزانية للاستثمار، فإن المواطن يكاد لا يشعر بشكل ملموس بثمار هذا الجهد الاستثماري، وانعكاسه المباشر والجلي على تحسين أوضاعه. وهنا يكمن الخلل في تحديد الأهداف والطرق التي تضمن تحقيق الفعالية والاندماج، مع ما تطرحه إشكاليات الحكامة المالية من أسئلة تفرض تحدياً على الاستدامة المالية للجهة. وهي أسئلة تعيد طرح نفسها وبإلحاح كل سنة، وتهم أساسا: التوازن وأولويات الإنفاق، المخاطر، والفرص المتاحة والإبداع في ابتكار نماذج خلاقة للتدبير المالي.
تعكس ميزانية جهة سوس ماسة لسنة 2026 إرادة قوية في تعزيز الاستثمار وتحقيق التنمية المندمجة، غير أن تحقيق هذه الطموحات يبقى رهيناً بقدرة الجهة على ضبط وتدقيق الأهداف المرسومة، حتى يشعر المواطن بأن هذا الاستثمار، يصب في مصلحته ولصالحه، ويعطي قيمة إضافية للمواطن، المستهدف الأول في العملية التنموية .
وفي هذا الصدد، يمكن تسجيل التوصيات التالية:
في مجال تنمية الموارد الذاتية:
تحديث آليات استخلاص الرسوم الجهوية وتوسيع وعائها،
تشجيع الاستثمار المنتج للقيمة المضافة ،
تطوير شراكات مبتكرة مع القطاع الخاص (PPP) لتخفيف الضغط على الموارد العمومية.
في مجال ترشيد النفقات وضبط المديونية:
وضع سقف صارم للجوء إلى القروض وربطها حصرياً بالمشاريع ذات المردودية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
إعادة النظر في بعض المصاريف الجارية لتوجيه أكبر قدر ممكن من الموارد إلى الاستثمار المنتج.
في مجال تحسين الحكامة المالية:
اعتماد برمجة متعددة السنوات (2026-2028) تسمح برؤية استشرافية أفضل.
إدراج مؤشرات تقييم الأداء في الميزانية الجهوية (مردودية، أثر اجتماعي، نسبة الإنجاز، …)
تعزيز الشفافية عبر نشر تقارير دورية حول تقدم المشاريع.
في مجال تركيز الاستثمار وتجنب تشتيت الجهد الاستثماري الجهوي:
تجميع المشاريع المماثلة في برامج مندمجة (مثلاً برنامج موحد للحماية من الفيضانات، برنامج موحد للثقافة ، …).
إعطاء الأولوية للمشاريع ذات الطابع الجهوي، وليس المحلي الضيق، وتعزيز مكانة الجهة باعتبارها تتبوأ مكانة الصدارة في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية (الفصل 136 و 143 من الدستور).
في مجال الاستثمار في الرأسمال البشري:
زيادة الدعم لبرامج التعليم والبحث العلمي،
إدماج بعد التكوين المهني والتشغيل في المشاريع الصناعية والسياحية والخدماتية،
إحداث جوائز للإبداع الجهوي،
المساهمة في خلق مرصد جهوي للتشغيل في القطاعات الجهوية الواعدة.
إن من المرتكزات الأساسية للخطاب الملكي بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش (29 يوليوز 2025) هو رفض منطق “المغرب بسرعتين” والدعوة إلى عدالة مجالية واجتماعية تضمن كرامة كل المواطنين. وهو ما يستدعي إدماج أبعاد مختلفة ومتداخلة كمنطلق لإطلاق جيل جديد من برامج التنمية المجالية. وهي رهانات جهوية بامتياز.
فهي في بعدها الاقتصادي جهويا، تتوخى تحقيق نهضة اقتصادية، تكون الجهات فاعلا رئيسيا فيها، وتبرز من خلال التحولات الصناعية في عدة مجالات (السيارات، الطيران، الطاقات المتجددة، الصناعة الغذائية، …) قدرة الجهات الاقتصادية على تقوية اندماج المغرب في سلاسل القيمة العالية وعلى تعزيز الأمن الغذائي والطاقي والمائي كأبعاد للسيادة الوطنية.
وفي بعدها الاجتماعي، تتوخى ترجمة الفعل التنموي على أنه ليس أرقاما اقتصادية وجداول مالية فقط، بل هو أثر ملموس على المواطن، وترجمة فعلية لمبدإ الإنصاف في توزيع ثمار النمو وتجاوز الفوارق بين المجالين الحضري والقروي.
وهي كذلك رهان مجالي، يتوخى اعتماد نموذج تنموي جهوي متكامل يقوم على دعم التشغيل المحلي وتحسين الصحة والتعليم والتدبير المستدام للموارد، وعلى رأسها الموارد المائية.
لقد جاءت دورية وزير الداخلية (15 غشت 2025) في سياق تنزيل التوجيهات الملكية الواردة بخطاب العرش، في أفق إعداد جيل جديد من برامج التنمية الترابية المندمجة، المرتكزة على تثمين الخصوصيات الجهوية وضمان التأهيل الترابي المندمج والمتناسق مع المشاريع الوطنية الكبرى.
لكننا نرى جازمين بأن المكان الطبيعي للترجمة الحقيقية لغايات الخطاب الملكي هو المخطط الجهوي للتنمية وتوجهاته الاستراتيجية باعتماد مقاربة تشاركية تدمج المنتخبين والمصالح الخارجية والمجتمع المدني و الجامعات ومراكز البحث،…) والاستهداف الدقيق للسكان بناءً على معطيات محينة وضمان التقائية وتكامل التدخلات القطاعية.
وحتى ولو كان أحرى بالإدارة الترابية فتح ورش داخلي مع خبراء لفهم أسباب إخفاق السياسات الترابية في بعدها الاجتماعي والمجالي،وإلهام القرار الجهوي، وتصحيحه وتقويمه دون الحلول محله، فإن مجرد القراءة المتمعنة في نتائج إحصاء السكان العام الأخير قد يوفر معطيات دقيقة لتحديد مكامن الخلل.
فقد كشفت المندوبية السامية للتخطيط، في تقريرها الأخير حول “خريطة الفقر متعدد الأبعاد.. المشهد الترابي والديناميكية”، عن تراجع ملحوظ في معدلات الفقر متعدد الأبعاد بالمغرب خلال العقد الأخير، إلا أن التحديات لا تزال قائمة، حيث يعيش 2,5 مليون مغربي تحت عتبة الفقر وقرابة 3 ملايين في وضعية هشاشة، أغلبهم في العالم القروي. مما يؤكد أن الفقر لا يزال ظاهرة قروية بامتياز، وأن خطر انزلاق أعداد منهم مجدداً من الهشاشة إلى الفقر عند أول أزمة اقتصادية أو بيئية قائمة وواردة.
فآخر المعطيات التي أصدرتها تقارير رسمية حول الجهات، تشير إلى أن قرابة% 70 من مجموع الفقراء يتمركزون في خمس جهات، وهي: فاس–مكناس (% 16.2 ) مراكش – أسفي ( 15.7 % ) الــدار البيضاء – سطــات ( 13.5% ) القنيطرة ( 11.9 % ) تطوان–طنجة–الحسيمة ( 11.5% )
وأن أكثر نسب الهشاشة سجلت في جهة درعة – تافيلالت (11.8 % ) ومراكش آسفي ب (11.5 % ) متجاوزين بذلك المعدل الوطني 8.1 %. مما يعمق التفاوتات الترابية والاجتماعية. فيما تصل نسبة الهشاشة في جهة سوس- ماسة إلى 6.1 %.
وتسجل جهة سوس ماسة من جهتها انخفاضا ملحوظا في معدل الفقر متعدد الأبعاد بنسبة (5,7% سنة 2024)، بأقل من المعدل الوطني (6,8%)، لكن، تبقى الفوارق مهمّة داخل المجال الجهوي، خاصة في بعض الجماعات القروية وفي المناطق الجبلية. مما يُبرز الحاجة إلى مواصلة سياسات الاستهداف الترابي لمعالجة جيوب الهشاشة المتبقية.
إن هذه الأرقام هي بمثابة دعوة إلى إعادة النظر في السياسات الترابية على أساس معايير متعددة تشمل التعليم والصحة والسكن والتشغيل والبنية التحتية، ووفق خصوصيات كل جهة في إطار الجهوية المتقدمة، وهي كذلك، دعوة صريحة إلى اعتماد مقاربة تنموية تراعي الفوارق الترابية للحد من الهشاشة المستمرة، وتحسين ظروف العيش خصوصاً في المناطق القروية والجبلية. غير أن الاستفادة من كل هذه المعطيات يظل رهينا بتوفير آليات تمويل مبتكرة، بدل الاعتماد الحصري على الميزانيات المحدودة المتاحة حاليًا.
وعلينا أن نقر بأن أسباب الاختلالات لا تعود أساسًا إلى غياب الوثائق المرجعية أو إلى برامج جديدة، بل ترجع أساسا إلى الخلل في نظام الحكامة، وتفشي الفساد الذي يعرقل المسار التنموي بشكل كبير، وتعود إلى محدودية التمويلات المخصصة للمجالات الترابية المتأخرة عن الركب وعن مسار التنمية، وإلى ضعف قدرات القيادة المحلية في تفعيل تلك البرامج على أرض الواقع. وقد خلصت نتائج دراسات عديدة إلى أن الميزانيات الحالية المرصودة للجماعات الترابية، وعلى رأسها الجهات، حتى لو استمرت لسنوات طويلة، لن تكفي لسد الفوارق المجالية أو لإحداث تحول تنموي نوعي وحقيقي.
وهذا يقتضي في المقام الأول، رد الاعتبار للمجالس الجهوية وتمكينها من تفعيل دورها في صدارة الجماعات الترابية والتدبير الحر والمسؤول بمراجعة النظام الانتخابي وتقوية دور الأحزاب السياسية والرفع من نوعية النخب الجهوية والإنصات للساكنة الجهوية واعتماد برامج ترابية عملية بمقاربة تشاركية، وبأثر مباشر على حياة المواطن، مع التركيز القوي على المجال القروي والجبلي وعلى المناطق الهشة، في إطار مغرب يتطور ويحمل مؤشرات قوية في اتجاه التحكم في مصيره والوفاء بتعهداته.
عندما استقبل جلالة الملك رؤساء الجهات في 17 أكتوبر 2015 بتطوان إثر التقسيم الإداري الجديد للمملكة، كان مأمولا أن تلتقط الجهات الإثنى عشر الإشارة، وتستغل كل الإمكانيات الدستورية والمالية والبشرية التي وضعت رهن إشارتها، وتقترح حلولا عملية لتقليص البون الشاسع وعدم التكافؤ في عملية التنمية المجالية والقضاء على الفوارق الترابية.
لكن، بعد 10 سنوات من الإشارة الملكية الدالة، يجب الإقرار بعدم تحقيق جميع الأهداف المرجوة طيلة الولايتين السابقتين والإقرار بأن هناك خلل ما في معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والتفاوتات الجهوية العميقة والمزمنة.
لقد ظهر عجز رؤساء الجهات عن استخدام مواقعهم الدستورية والقانونية لتحقيق التغيير والتوازن الترابي والاجتماعي المنشود، وتبين أنهم لم يتمكنوا من ممارسة اختصاصاتهم التي خولها إياهم الدستور والقانون التنظيمي للجهات. فأضحت مكاتب الجهات مجرد مكاتب للتسجيل، وأصبحنا اليوم أمام مسؤولين جهويين لم يخرجوا من جبة الموظف المرؤوس التابع للوالي، ولم يتمكنوا من استخدام مواقعهم الدستورية و القانونية واختاروا راحة الاحتماء تحت جلباب السلطة الوصية المريح.
ها هو شباب هذا البلد يوقظنا، بعفويته واندفاعه، من سباتنا المريح ومن توافقاتنا الهشة. هذا الحراك الذي قد يمنحنا لحظة للتفكير في أعطاب سياساتنا العمومية ولحظة للتأمل في مشهد سياسي عاجز عن تقديم أجوبة اقتصادية واجتماعية وسياسية مقنعة، فما بالك بضمان تحقيق العدالة الاجتماعية التي تعتمد أساسا على التوازن في مجال تدبير القرار المحلي وعلى التوازن في توزيع الموارد، وجعل الجهات تضطلع بمكانتها الدستورية وممارسة صلاحياتها المخولة لها بمقتضى الدستور والقانون التنظيمي للجهات، والخروج من نمط التدبير التقليدي العقيم، الذي لم يعد مقنعا ومجديا.
إن تفعيل قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدإ التدبير الحر، وضمان فرص التعاون والتضامن بين الجهات والانتقال من “جهات الدولة” إلى “دولة الجهات” لا يستحمل خلخلة هذا المفهوم بالتدخلات والولاءات، وتحويل الجهة إلى مجرد وعاء لم يستوعب بالشكل المطلوب الانتظارات التنموية المأمولة.
كما أن مطلب الحرية والكرامة والعدالة لا ينتاقض مع مفهوم السيادة للدولة، والذي يعني لغويا : رفعة القدر والمكانة وشرف المنزلة، وهو من أكثر المفاهيم إثارة للجدل لما يحمله من معان مختلفة. وانطلاقا من استعماله كرمز للحرية والكرامة والاستقلال، جاء المفهوم معبرا عن أوجه عديدة للدولة، بحكم أنها تملك وجها متخفي عن الأنظار يتجسد في رغبتها الشديدة لاستعمال القوة لفرض سيطرتها، ووجها آخر يمثل جانبها اللين والناعم وقدرتها على تطويع عناصر القوة لإقناع مواطنيها بشرعيتها وطبيعتها التي يفرضها القانون. وهنا يندرج مبدأ التوازن الضامن لبناء دولة الحق والقانون.
والأكيد أن جوهر الإشكال لا يقتصر على أداء الفاعلين السياسيين وحدهم، بل يطال الدولة بمؤسساتها كافة، ما يجعله قضية مشتركة ومسؤولية جماعية. وقد أضحى من الواضح اليوم أنّ العلاقة بين المواطنين، ولا سيما فئة الشباب، والمؤسسات السياسية تشهد تراجعًا مقلقًا، يرافقه فتور متزايد تجاه الممارسة الديمقراطية وضعف في الإقبال على قيمها ونشرها في المجتمع.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News