الثقافة

حركة “Z” والاحتجاج السلمي في المغرب: نظرة سوسيولوجية نقدية

  • حستي محمد//

حركة "Z" والاحتجاج السلمي في المغرب: نظرة سوسيولوجية نقدية - AgadirToday

أضحت الحركات الاحتجاجية في العقود الأخيرة موضوعًا مركزيًا في علم الاجتماع السياسي، لاسيما في ظل التحولات التي يعرفها العالم الرقمي وتغير أنماط التعبئة الاجتماعية. في هذا السياق، برزت في المغرب موجة احتجاجية جديدة يقودها شباب ما يُعرف بـ”جيل  Z ”  (مواليد التسعينيات وما بعد الألفية)، اتسمت بالاعتماد على الفضاء الافتراضي كمنصة للتنظيم، وبسلمية الشعارات والمطالب. تهدف هذه الدراسة إلى تقديم مقاربة سوسيولوجية لهذه الظاهرة، مع إبراز خصوصياتها، مخاطرها ، وحدودها، في مقابل سلوكيات العنف والتخريب التي تشوه طبيعتها.

  • الجيل “Z”: ملامح وهوية اجتماعية جديدة

ينتمي جيل “Z” إلى حقبة المجتمع الشبكي (Castells, 1999)؛ حيث يشكل الإنترنت والهاتف الذكي محورًا لتجربته الحياتية. ونتيجة لذلك، يتميز هذا الجيل بخصائص:

  • الحس بالحرية الفردية والقدرة على التعبير المباشر.
  • النزوع إلى التنظيم الأفقي بدل الهياكل التقليدية (النقابات/الأحزاب).
  • الميل إلى الواقعية في سقف المطالب (شغل، تعليم، عدالة اجتماعية).

من منظور بيير بورديو، يمكن اعتبار هذا الجيل فاعلًا جديدًا في “الحقل الاجتماعي” يُعيد توزيع رأس المال الرمزي والسياسي من خلال السلمية كاستراتيجية.

  • الاحتجاج السلمي: بعد حضاري وتحول ثقافي

الاحتجاج السلمي ليس مجرد غياب للعنف، بل هو إعلان عن وعي جماعي بأن المشروعية تُبنى عبر الوسائل المدنية، لا التخريبية.

  • تاريخيًا، يُظهر علم الاجتماع أن الحركات السلمية أكثر قدرة على كسب الشرعية والتأييد الشعبي.
  • في السياق المغربي، يعكس هذا خيارًا واعيًا بعد تجارب سابقة أثبتت أن العنف يُفقد الحركات مصداقيتها.

بالتالي، تتحول السلمية إلى “رأسمال رمزي” يحمي الحركة من التشويه ويمنحها اعترافًا اجتماعيًا.

  • الضباع”: تخريب الاحتجاج وتفريغ المعنى

حركة "Z" والاحتجاج السلمي في المغرب: نظرة سوسيولوجية نقدية - AgadirToday

تُظهر بعض الوقفات تسلل فئات محدودة من المنحرفين أو المأجورين الذين يسعون إلى إفراغ الاحتجاج من محتواه عبر العنف والتخريب.

  • من منظور سوسيولوجي، يمثل هؤلاء “اللاعقلانية الاجتماعية” (Touraine, 1984).
  • إنهم يحوّلون الاحتجاج من أداة للتغيير إلى أداة للفوضى.
  • خطورتهم تكمن في أنهم يهددون العقد الاجتماعي الهش بين الدولة والمجتمع، ويشوهون صورة الشباب السلمي.
  • الدولة بين حماية السلمية وردع التخريب

في علم الاجتماع السياسي، يُنظر إلى الدولة باعتبارها الضامن للأمن الجماعي.

  • حماية الاحتجاجات السلمية هو حق دستوري ومؤشر ديمقراطي.
  • ردع التخريب يدخل في نطاق العنف المشروع (Weber, 1919)، وهو ضروري لحماية المواطنين والوطن.
  • التحدي الأكبر هو التمييز بين الفاعل السلمي والفاعل التخريبي، بما يحافظ على شرعية الاحتجاج من جهة، والأمن العام من جهة أخرى.
  • أبعاد رمزية وسياسية

تمثل احتجاجات جيل Z بعدًا رمزيًا مزدوجًا:

  1. أزمة ثقة في المؤسسات الوسيطة التقليدية.
  2. فرصة لإعادة بناء العقد الاجتماعي عبر الإصغاء لمطالب واقعية وبسيطة.
  • خاتمة

تكشف تجربة جيل “Z” في المغرب أن الاحتجاج السلمي ليس فقط أداة للتعبير عن مطالب اجتماعية، بل هو رؤية حضارية جديدة للعلاقة بين المواطن والدولة. غير أن نجاح هذا المسار رهين بعاملين أساسيين:

  • استمرار الشباب في التمسك بالسلمية كخيار استراتيجي.
  • قدرة الدولة على حماية هذا الحق مع ردع “الضباع” الذين يهددون الأمن العام.

وعليه، فإن الخزي والعار يظل من نصيب كل من يسعى إلى تهديد استقرار الوطن أو تشويه صورة هذه الموجة الشبابية النبيلة.

  • مراجع مقترحة
  1. العروي، عبد الله. مجمل تاريخ المغرب. الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1996.
  2. بورديو، بيير. قواعد الفن: نشأة وبنية الحقل الأدبي. باريس: سوي (Seuil)، 1992.
  3. تورين، ألان. نقد الحداثة. باريس: فايار (Fayard)، 1992.
  4. فيبر، ماكس. السياسة كمهنة. 1919.
  5. كاستيلز، مانويل. المجتمع الشبكي (The Rise of the Network Society). أوكسفورد: بلاكويل (Blackwell)، 1996 [الطبعة الثانية المنقحة 2000].
  6. محسن، مصطفى. الحركات الاجتماعية في المغرب: قراءة سوسيولوجية. الدار البيضاء: أفريقيا الشرق، 2010
          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى