المغرب اليوم

معضلات التأطير والتواصل السياسي في المغرب اليوم

يعيش المغرب في المرحلة الراهنة حالة من الاحتقان المجتمعي لا يمكن اختزالها فقط في إشكالات القطاعات الاجتماعية الكبرى مثل الصحة، التعليم، والتشغيل. صحيح أن هذه القطاعات تعاني اختلالات، لكنها في الوقت ذاته تعرف منذ سنوات جهوداً إصلاحية متواصلة وبرامج استراتيجية بعيدة المدى، غير أن نتائجها لا تظهر بالسرعة المطلوبة، مما يولّد شعوراً عاماً بعدم الرضا. لكن خلف هذا السطح، تبرز معضلتان عميقتان تُعدّان، في نظر العديد من المراقبين، أصل الأزمة الراهنة:

  •  غياب التواصل السياسي الكافي مع المواطنين.
  •  ضعف التأطير المجتمعي والسياسي.

أولاً: أزمة التواصل السياسي

من أبرز الملاحظات اليوم أنّ الدولة المغربية، رغم كثافة البرامج الإصلاحية الكبرى، تعجز عن إيصال رسالتها بشكل فعّال إلى مختلف فئات المجتمع. هناك فجوة متنامية بين المؤسسات وصنّاع القرار من جهة، والرأي العام من جهة أخرى. هذه الفجوة تُترجم في ضعف الثقة، انتشار الإشاعات والمعلومات غير الدقيقة، وتنامي نفوذ وسائط بديلة (مؤثرون، شبكات اجتماعية) لملء الفراغ الذي يتركه غياب تواصل رسمي منظم ومقنع.

غياب استراتيجيات تواصلية واضحة، وعدم قدرة الفاعلين السياسيين والحكوميين على شرح القرارات والإصلاحات بلغة قريبة من الناس، يجعل حتى المبادرات الإيجابية تُستقبل أحياناً ببرود أو تشكك.

ثانياً: معضلة التأطير المجتمعي والسياسي

العمل الحزبي والنقابي والجمعوي عرف خلال العقود الماضية تراجعاً ملحوظاً في أدواره التأطيرية. فالأحزاب، التي كان يُفترض أن تكون صلة وصل بين الدولة والمجتمع، ضعفت بنياتها التنظيمية وتراجعت مصداقيتها، فيما النقابات تراجعت قدرتها على التأثير في قطاعات واسعة من الشغيلة، والجمعيات المدنية بدورها تواجه قيوداً مرتبطة بالتمويل والاستقلالية.

نتيجة لذلك، أصبح المواطن المغربي منفلتاً من أي وعاء جماعي يؤطر مطالبه، ويترجمها في قنوات مؤسساتية. هذا الفراغ يجعل التعبيرات العفوية (احتجاجات، حملات رقمية، هبّات ظرفية) تتضخم على حساب الوسائط المنظمة، ويُضعف إمكانية بلورة حلول وسط متفاوض عليها.

ثالثاً: تداعيات الاحتقان

تراجع الثقة السياسية: إذ يزداد الإحساس بالبعد بين المواطن والدولة.

ضعف الانخراط في الإصلاحات: الإصلاحات الاجتماعية قد تُواجه مقاومة أو لامبالاة، لغياب إقناع وتواصل.

تصاعد النزعات الشعبوية: حيث تملأ الفراغ أصوات متطرفة أو غير مسؤولة، تُقدم نفسها كبديل عن المؤسسات.

رابعاً: مداخل الحل

1. تعزيز التواصل السياسي

اعتماد استراتيجية تواصلية وطنية تشرح بلغة بسيطة وشفافة ما يجري تنفيذه من إصلاحات.

الانفتاح على الإعلام المستقل والرقمي بدل التعامل معه بعقلية الوصاية.

تكوين الناطقين الرسميين والسياسيين في مهارات التواصل العمومي.

2. إعادة الاعتبار للتأطير المجتمعي والسياسي

دعم الأحزاب والنقابات والجمعيات الجادة حتى تستعيد أدوارها التأطيرية.

تشجيع المبادرات الشبابية والرقمية لربطها بالمؤسسات بدل تركها في الهامش.

الاستثمار في التربية على المواطنة والمشاركة السياسية منذ المدرسة والجامعة.

3. الجمع بين الإصلاح والتواصل

المطلوب اليوم ليس فقط تنفيذ برامج إصلاح اجتماعي كبرى في الصحة، التعليم، والتشغيل، بل جعل المواطن شريكاً فيها عبر تواصل مقنع وتأطير سياسي واجتماعي فعّال. الإصلاح بدون تواصل وتأطير يتحول إلى عملية تقنية باردة، بينما الإصلاح الممزوج بتواصل واضح وتأطير جماعي يصبح مشروعاً وطنياً جامعاً.

المغرب يقف اليوم أمام مفترق طرق: إما أن يستمر في تنفيذ الإصلاحات الكبرى دون معالجة معضلتي التواصل والتأطير، مما سيبقي حالة الاحتقان ويضعف المردودية السياسية والاجتماعية لهذه الإصلاحات؛ أو أن يدمج هذين البعدين (التواصل + التأطير) كشرطين أساسيين لضمان نجاح أي ورش تنموي أو اجتماعي. فالجواب الحقيقي على الأزمة اليوم هو: إصلاح اجتماعي مصحوب بتواصل فعّال وتأطير سياسي ومجتمعي متجدد.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى