
“لامورا” لمحمد إسماعيل.. سيناريو استقراء التاريخ
- محمد بكريم //
“لا يُنجز التاريخ الوعود التي بشر بها”
حضرت (في احدى القاعات السينمائية الصامدة بقلب الدار البيضاء) وبكثير من الاهتمام والتعاطف الفيلم الجديد للسينمائي الراحل سي محمد إسماعيل (1951-2021). الفيلم الجديد، “لامورا – حب في زمن الحرب “… والأخير مع الأسف. فكان بمثابة الفيلم – الوصية، ومسك ختام مسار حافل وغني بتنوعه.
لقد كان محمد إسماعيل سينمائي (مخرج ومنتج ومساهم في الكتابة) يشتغل على أكثر من واجهة، حافزه في دلك طموحات كبيرة …وارثه اليوم شاهد على ذلك. له اعمال جد متميزة للتلفزيون (علال القلدة مثلا – 2003) وتراكم سينمائي تتخلله عناوين بارزة أُسجل منها من جهتي ثلاث أفلام قوية “أوشتام” – 1997، “وبعد”- 2002، “وداعا أمهات”- 2007.
وإن كان لي أن الخص في هذه العجالة ما يميز اشتغاله السينمائي سأقول بانه إسماعيل من أنصار سينما “رواية الأفكار” التي تستند على موضوع قوي، هاجس مجتمعي، ينخرط فيها الذاتي بالجمعي، حيث الفرد ومعاناته جزء من كل، من معانات جماعية.
وكان لابد، لكذا اختيار أن ينتج أسلوبا منسجما مع هذا التوجه (المضمون يحدد الشكل عكس السينما الحداثية حيث الشكل هو المضمون). فكان الأسلوب المميز لسينما إسماعيل: سرد سلِس يعكس رقة ويقينية العالم والاشكالات التي يسائلها.
وفي سياق انشغالي الحالي الساعي لتوطين المفاهيم النقدية التي نوظفها في خطابنا حول الأفلام المغربية اصنف هذه السينما ضمن سينما “التبيين” (كما هو وارد في البلاغة) وهي في مقابل “سينما المجاز” (أفضل من “سينما المؤلف” التي لم تعد تعني شيئا !!!).
سينما التبيين إذن بمواضيع حاضرة في الفضاء العام لابد وأن تلتقي بالتاريخ.
يقول بول ريكور: “تخلق الثقافات – المجتمعات ذاتها برواية القصص عن ماضيها”. وليس لكل المجتمعات القدرة على النظر في المرآة (في نظري المتواضع، وحده المجتمع الأمريكي حقق ذلك ربما لأنها أمة بدون تاريخ).
لقد شكل الزاوية الميتة للسيناريو المغربي: غياب انتاج تخييلي عن الماضي (ربما دفناه بسرعة) عن التاريخ. مما ولد نوع من الوعي الشقي لدى العديد من السينمائيين. وأحيانا يجدون في ذريعة الإمكانيات ذريعة القفز عن هذا التساؤل.
وقد فطن محمد إسماعيل بذلك ولم يتردد في ركوب المغامرة كمنتج وكمخرج. وأثمر ذلك فيلما قويا ومؤثرا وناجحا، قلت مباشرة بعد مشاهدته بأنه فيلم تحمله نفحة “فوردية” (نسبة لجون فورد) إذ نجد في “وداعا أمهات”، حول تهجير اليهود المغاربة، حركات جموع ذات منحى ملحمي -تراجيدي.
يعود محمد إسماعيل إلى التاريخ في فيلمه الأخير “لامورا” ليقترح تركيبا حول دهس التاريخ الكبير (سردية علاقات المغرب واسبانيا) للتاريخ الصغير (سردية شعيب وماريا)
يتعامل السينمائي مع التاريخ قاصدا عِبرة انطلاقا من وقائع حقيقية (تجنيد سكان منطقة الريف المستعمَر ضمن جنود الجنرال فرانكو) وشخصيات متخيلة (قصة حب بين مجند مغربي وامرأة اسبانية بمنطقة الأندلس).
يحضر التاريخ هنا سلبا وليس تمجيدا في سيناريو يتوخى استقراء صفحات من التاريخ التي ظلت راقدة في ديار النسيان. بما فيها مصير هؤلاء الجنود “ابطال” معركة لا تهمهم وآثار الحرب الكيميائية التي شنتها اسبانيا على شمال المغرب (لغز مرض شعيب ووفاته في الفيلم).
يبدأ الفيلم بالموت وينتهي بالموت
تبدأ القصة (جنازة ماريا) من اسبانيا وتنتهي في اسبانيا (روزا تكتشف سبب وفاة والدها شعيب). يضع الفيلم بؤرة السرد هناك. ربما لأن الملفات التي تتطلب فتحها – قراءتها توجد هناك، تماما كما تفتح روزا علبة أسرار والدتها المتوفاة لتكتشف جزء من الحقيقة (حقيقة من هو والدها): يفتح “الأرشيف” الشعبي” في انتظار فتح الأرشيف الرسمي.
يبدأ الفيلم بوفاة ماريا لتسمر القصة بإعادة كتابة الماضي (فلاش باك من وجهة نظر بنتها روزا).
ماريا شخصية مختلفة (تعاني من إعاقة جسدية – من أداء فرح الفاسي في أحد أجمل أدوارها) وكأن الفيلم يقول لنا منذ البداية لتتقبل الاختلاف يجب أن تكون مختلفا.
قصة حب شعيب الذي سيلتقي بماريا في شرط تاريخي يلغي الاختلاف (انتصار الفاشية كرمز اعلى لأحادية الفكر) نوع من المرافعة الجمالية حول الانفتاح على الآخر وقابلية القول والانصات الى الآخر المختلف.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News