الرأيالمغرب اليوم

تظاهرات جيل “Z” السلمية: عودة الربيع خريفا — دلالة العمق ومشروعية التخوفات

  • بقلم امحمد القاضي * //

تشهد بعض حواضرنا هذه الأيام خروج شباب للشوارع في مواعيد تظاهرات سلمية من أجل المطالبة بالحق في تعليم وصحة عمومية ذات جودة، وعدالة إجتماعية وعيش كريم كما تضمنه مواثيق حقوق الإنسان العالمية ودستور البلد.

نفس المطالب التي نادى بها الربيع الديمقراطي في ربوع شمال إفريقيا والشرق الأوسط سنة 2011 وقلبت أنظمة وموازين القوى في بعض البلدان لسوء تعاملهم مع المظاهرات، وخرج منها المغرب سالما لحنكة الجهات العليا وتم تعديل الدستور، لكن للأسف إستفاد منها حزب وتيار إسلامي لم يخرج للشارع. يعني بعد ما يناهز 15 سنة تعود نفس المطالب في حقبة مفصلية وعند إقتراب إستحقاق إنتخابي.

فهل أخلفنا الوعود وموعدنا مع التاريخ وأهدرنا زمنا تنمويا نفيسا؟ ام هناك خبايا أخرى وراء هذه الخرجات.

*عمق ودلالة جيل وحرف Z:*

لكل جيل خصائصه ومميزاته. فالجيل “الصامت” مابين 1928 -1945 عاش حقبة صعبة مابين الأزمة الإقتصادية والحرب العالمية. وعاش جيل إكس”X” مابين 1965 -1980، غالبيتهم أبناء الجيل الصامت. تميز شبابهم بالطفرة الموسيقية والأغاني الملتزمة. أما جيل حرف “Y” المسمى بجيل الألفية الذين ولدوا ما بين أواخر 80 الثمانينات وبداية 2000، فعرف بالتقدم التكنولوجي وبداية العولمة.

اما أصحابنا جيل Z” Zoomers”، ما قبل جيل ألفا Alpha، ولد مابين 1995 و 2015، هم شبابنا اليوم المواطنون الرقميون، اول جيل منغمس كليا في العالم الإفتراضي ويتنفس التواصل الإجتماعي، شباب براغماتي إندفاعي بطبعه منفصل عن بعض القيم ويستوعب عدة ثقافات ويتصف بتملك الذكاء الرقمي ويعتمد كليا على معلومات الأنترنيت وفي تواصل مستمر عبر الهواتف الذكية.

لحرف “Z” دلالات عبر التاريخ. فالأستاذ مصطفى المانوزي في كتابة له، ارجعه إلى رمز “زيتا” عند الإغريق، بمعنى الحياة أو أن تحيى. وهو غير بعيد عن هؤلاء الشباب الذين تهتم غالبتهم بالحياة والمظاهر والإنفاق وحب العيش في رفاهية.

لكن من منا لا يذكر علامة “Z” التي كان يضعها الممثل “زورو” Zorro بسيفه على جبين كل متهور، بلثامه ولباسه وحصانه الأسود، مصلح إجتماعي محايد، قاهر الظالمين ليلا. ألا تحمل العلامة تطلعات الجيل؟

بنفس الرمزية، ظهر فيلم “Z” للمخرج الفرنسي اليوناني الأصل، كوستا غفراس، Costa Gavras، صاحب فيلم “Missing” مفقود حول إضطهاد الحكم العسكري في أحد بلدان أمريكا اللاثنية ونال بهما عدة جوائز عالمية، لأهمية الموضوعين حول الحق في المعرفة والولوج للحقيقة ومناهضة الإلتواءات والزور والقهر. أليس حرف الفيلم تعبير رمزي سابق لأوانه على واقع تطلعات الجيل؟

*عودة الربيع الديمقراطي خريفا* :

جيل “زيد” هم جمهور الملاعب الأرتراسUltras مشجعي الرجاء والوداد على مدرجات الملاعب يحفظون عن ظهر قلب الشعارات اكثر من دروسهم، يهتفون بأغنية “في بلادي ظلموني” الحماسية المعبرة عن غضب شباب تجاوزت تشجيعاتهم الفرق الكروية لتمتد خارج أسوار الملاعب وتصبح مطالب إجتماعية.

الجيل الجديد رغم إنزوائه الإجتماعي وغيابه في الحوارات الحضورية، إلا أنه متكتل إفتراضيا ومتضامن رقميا داخل مجموعات موضوعاتية من أجل حقوق إجتماعية.

نستحضر هنا واقعة شمال المملكة التي اودت بحياة بائع السمك في 2016 ونتجت عنها إحتجاجات شعبية ضد تجاوزات السلطة.

اليوم نشهد أحداث قد تكون مماثلة لخرجات شباب الربيع الديمقراطي، بعد عدة إرهاصات سبقتها. مطالب شباب الربيع الغاضب غير بعيد عن مطالب الجيل الجديد. إحتجاجات من أجل تحسين ظروف العيش وفرص التشغيل والإهتمام بالجانب الإجتماعي والحقوقي وتوفير صحة وتعليم عمومي ذات جودة في جو تسوده الديمقراطية.

لولا تبصر الجهات العليا خلال 2011 لدخل البلد في دوامة لا تحمد عقباها، كما هو واقع الحال بدول أخرى عربية عرفت أنظمتها تعنت السلطة فغرقت المجتمع في فوضى لسنوات.

*غياب التأطير:*

الإنفلاتات الأمنية والخرجات الجماهيرية تقع في غياب تأطير الأحزاب السياسية والنقابات العمالية ومؤسسات التنشئة الإجتماعية التي فقدت ثقة المواطن للفساد الذي ينخر أجهزتها وخيانة وعودها وعدم نجاعة مخططاتها.

الحكومات المتعاقبة على السلطة لم تستطع إيجاد بدائل إقتصادية خلق فرص الشغل، هشاشة برامجها الإجتماعية، وإغراق البلاد في غلاء طويل الأمد جراء إقتصاد سوق متوحش أضعف القدرة الشرائية للمواطن بعد ضعف إبتكار حلول لتحديات المجتع المغربي.

*الركوب على الأمواج:*

بما ان الطبيعة تكره الفراغ، بعد تهدئة الأجواء، خرج بدول شمال إفريقيا والشرق الاوسط تيار إسلامي ليركب على الأمواج ويحول الإحتجاجات لصالحه ويفوز بالسلطة، ويسحب البساط من تحت أرجل الشباب بوهم البديل المنتظر.

في المغرب قفز الحزب دو المرجعية الإسلامية للأمام كبديل للأحزاب التقليدية، رغم أن شبابه لم يشارك في الإحتجاحات الشعبية بأمر من زعيمهم.

إذا كانت إنتفاضات الربيع قد إنطلقت شرارتها من ثورة البوعزيزي الشعبية من تونس، إلا ان ضعف التأطير المحلي للشباب الثائر، فسح المجال وخاصة في ليبيا وسوريا لتدخل أيادي أجنبية فرنسية على الخصوص، أمثال هنري برنارد ليفي، الكثير التردد على المنطقة وذي صلة بالجهات النافذة، والذي أصبح يدعى عراب الربيع “العربي” لتسطو فئة إنتهازية على الثورات وتشوه مجرى الأحداث.

*التخوفات*

داخل بيئة تفتقر لبدائل ناجعة سريعة، أصبح الشباب الحالم للتغيير وحياة أفضل المتأثر بقوة الصورة والأخبار السريعة، بعضها زائف، ومقارنات يوفرها الفضاء الأزرق يبحث عن تغيير الوضع.

في غياب منظومة تعليمية تقليدية تغيب الفكر النقدي، وتفتقد لآليات التحليل المنهجي، وأدوات الحوار والإقناع وتسحب الحق في السؤال وحرية التعبير، وطرح إقتراحات الإيحابية وبدائل عملية.

تزامن هذه الإحتجاجات مع إقتراب الاستحقاقات الإنتخابية وإقحامها من بعض رؤساء الأحزاب في خطاباتهم تنذر بإعادة التاريخ.

من حقنا أن نشهر تخوفاتنا من إستغلال البعض لهذه الخرجات وإستغلال صغر سن وقلة نضج وضعف تجربة وإندفاع الشباب، وغياب تكوين بعض المحتجين فكريا ونضاليا وقلة حنكتهم الميدانية أو تبني جهات لها ونسقط في إعادة تجربة فاشلة ونهدر زمن لم نعد نمتلك الوقت لتدارك هفواته.

كما يقول أحد الكتاب الأجانب:
“Those who do not remember the past, are condemned to repeat it”.

بمعنى، الذين لا يتذكرون أحداث الماضي، سيحكم عليهم الزمان بإعادة عيشها.

خلاصة القول، بناء قدرات الإنسان منذ الطفولة وتكوينه وتأطيره تعليميا وفكريا، وتوعية المجتمع بكل أطيافه والتحلي بالقيم الإنسانية وإحترام الغير وأدبيات الحوار والاستثمار في الخدمات الإجتماعية هي صمام الأمان لمجتمع يطمح التغيير والتطور والتقدم.

إلى ذلك الحين، تصبحون على وطن آمن.

رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى