السياسة

تحقيق:  مأساة العاملات الزراعيات بجهة سوس ماسة وحوادث السير المتكررة وغضب الاتحاد المغربي للشغل

تتكرر بشكل مأساوي حوادث السير التي تذهب ضحيتها العاملات الزراعيات بجهة سوس ماسة، خاصة بإقليم اشتوكة آيت باها، حيث يتم نقلهن يومياً في ظروف غير إنسانية عبر شاحنات صغيرة أو عربات مخصصة أصلاً للبضائع والمواشي. هذه الممارسات، التي تُختزل في النقل العشوائي، تُعرِّي واقع هشاشة اجتماعية واقتصادية تعيشها آلاف النساء العاملات في الضيعات الفلاحية، اللواتي يساهمن بجهدهن المضني في ضمان وفرة الإنتاج الفلاحي الموجه للتصدير وللسوق الوطنية، دون أن يستفدن من أبسط شروط السلامة أو الحماية الاجتماعية.

حوادث دامية متكررة:

حادثة 21 شتنبر 2025 بجماعة آيت عميرة، والتي خلفت وفاة عاملتين زراعيتين وإصابة 16 أخريات بجروح متفاوتة الخطورة، ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من المآسي. فالإقليم يعرف منذ سنوات حوادث مماثلة تتكرر بمعدل يثير القلق، حيث تُزهق أرواح بريئة في كل مرة، بينما تبقى الوعود والإجراءات غائبة أو مؤجلة. ويؤكد الفاعلون النقابيون أن هذه الفواجع لم تعد مجرد حوادث عرضية، بل أصبحت نتيجة مباشرة لسياسات التهميش والاستهتار بحياة فئة أساسية في سلسلة الإنتاج.

الأوضاع الاجتماعية للعاملات:

وراء هذه الحوادث تقف أوضاع اجتماعية مزرية: أجور هزيلة لا تكفي لتغطية أبسط الحاجيات، غياب التغطية الصحية والحماية الاجتماعية الفعلية، ساعات عمل طويلة وشاقة، وتهميش مزدوج كون العاملات يعانين من الفقر ومن التمييز القائم على النوع. هذه الوضعية تدفعهن إلى قبول ظروف نقل غير آمنة، في سبيل الحفاظ على مورد رزقهن الوحيد. ومع كل حادث مأساوي، تخلف الكارثة أيتاماً وأسرًا مكلومة تواجه مصيراً غامضاً.

مسؤوليات متعددة:

النقابات، وفي مقدمتها الاتحاد المغربي للشغل عبر الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، تُحمِّل المسؤولية الكاملة للسلطات ولأرباب الضيعات الفلاحية الذين يستفيدون من عرق العاملات دون توفير وسائل نقل تحفظ سلامتهن وكرامتهن. كما تؤكد أن تكرار هذه الحوادث يشكل خرقاً سافراً للحق في الحياة، المضمون دستورياً والمكفول بالمواثيق الدولية. وتطالب النقابات بإجراءات استعجالية لتقنين نقل العاملات، وضمان مراقبة صارمة على ظروف العمل والنقل، بدل ترك الأمر للاستغلال العشوائي.

أصوات الغضب والاحتجاج:

البيانات النقابية الأخيرة عبّرت بوضوح عن الغضب العارم من استمرار المأساة، مستنكرة تكرار “الاستهتار بأرواح الأبرياء ضحايا لقمة العيش”. كما دعت إلى تحركات نضالية واسعة تشمل العاملات والعمال من أجل الضغط على الدولة والباطرونا لتوفير شروط العيش الكريم، وتوسيع دائرة التضامن المجتمعي مع هذه الفئة. وتُطرح هنا أسئلة كبرى حول النموذج التنموي الفلاحي الذي يحقق أرباحاً طائلة للشركات على حساب معاناة النساء الكادحات.

نحو حلول عادلة:

المعالجة لا تقتصر على ردود الفعل الآنية، بل تتطلب رؤية استراتيجية تضع حياة العاملات في صلب السياسات العمومية. من بين الإجراءات الممكنة:

إلزام المشغلين بتوفير وسائل نقل لائقة ومطابقة للمعايير القانونية.

تفعيل الرقابة الصارمة من طرف مفتشية الشغل والسلطات المحلية.

توسيع الحماية الاجتماعية والتأمين الإجباري ضد حوادث الشغل.

النهوض بأوضاع العاملات عبر تحسين الأجور وتوفير ظروف عمل تحفظ الكرامة.

عود على بدء: 

إن استمرار نزيف أرواح العاملات الزراعيات بجهة سوس ماسة يُعد جرحاً غائراً في جسد المجتمع المغربي، وفضيحة أخلاقية وقانونية. فهؤلاء النساء لسن مجرد ضحايا عرضيات، بل هنّ ركيزة أساسية في الاقتصاد الوطني، وحماية حياتهن مسؤولية جماعية تقع على عاتق الدولة والباطرونا والمجتمع. إن الصمت أمام هذه المآسي هو تواطؤ غير معلن، والحل يكمن في إرادة سياسية حقيقية تضع الإنسان قبل الأرباح، وتُنهي إلى الأبد مسلسل النقل العشوائي والاستغلال الذي يُزهق أرواح النساء في سبيل لقمة العيش.

 

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى