
الذكاء الاصطناعي والجودة والسلامة الصحية والمهنية بالمغرب
- إعداد: بدر شاشا//
لقد أصبح العالم اليوم يدخل مرحلة جديدة غير مسبوقة في تاريخه، مرحلة تقودها الآلة الذكية والبرمجيات القادرة على التفكير والتعلم، مرحلة تجعل من الذكاء الاصطناعي ليس مجرد ترف علمي أو اختراع تجريبي، بل ركيزة أساسية في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والمهنية، وأصبح من الصعب الحديث عن الجودة والسلامة في أي مجال دون إدخال الذكاء الاصطناعي كعنصر محوري في ضمان الفعالية والكفاءة والدقة. المغرب كغيره من دول العالم لم يعد في منأى عن هذه الثورة التكنولوجية الكبرى، بل بدأ يتلمس طريقه نحو استثمار إمكانياتها في تحسين حياة المواطنين، وفي تعزيز نظم الجودة والسلامة الصحية والمهنية على حد سواء
إن الحديث عن الذكاء الاصطناعي بالمغرب يفرض علينا أولا أن نفهم طبيعته الحقيقية، فالذكاء الاصطناعي ليس مجرد روبوتات أو برامج حاسوب متطورة، بل هو منظومة شاملة من الخوارزميات القادرة على معالجة كميات هائلة من البيانات، التعلم منها، التنبؤ بالمستقبل، واتخاذ قرارات قد تكون أكثر دقة وأقل خطأ من التدخل البشري، هذه القدرة الهائلة يمكن أن تحدث ثورة في مجالات السلامة الصحية حيث يصبح بالإمكان مراقبة جودة الأدوية بشكل آلي، تتبع سلسلة التوريد في المستشفيات، التحقق من تعقيم الأدوات الطبية، وحتى التنبؤ بانتشار الأوبئة قبل وقوعها، مما يسمح بالتدخل المبكر وإنقاذ الأرواح
الجودة كمنظومة في المغرب تعرف اليوم تحولات كبيرة، فالمقاولات والشركات والإدارات بدأت تدرك أن الجودة لم تعد شعارا يرفع على الجدران بل أصبحت علما قائما على معايير دقيقة، ومن هنا يبرز دور الذكاء الاصطناعي الذي يمكنه أن يراقب الإنتاج في المصانع لحظة بلحظة، يكشف أي خلل أو عيب في المنتج، يوقف الخطوط الإنتاجية إذا لزم الأمر، ويصدر تقارير فورية تساعد المسؤولين على اتخاذ القرارات في الوقت الحقيقي. هذا التطور سيقلل من الخسائر، سيرفع تنافسية المنتجات المغربية في الأسواق العالمية، وسيجعل المستهلك المغربي يحصل على منتجات أكثر أمانا وصحة
السلامة المهنية بدورها يمكن أن تستفيد بشكل غير مسبوق من تقنيات الذكاء الاصطناعي، فعدد كبير من حوادث الشغل في المغرب ناتج عن غياب أنظمة إنذار مبكر أو ضعف في الرقابة الوقائية، بينما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحلل بيئة العمل بشكل مستمر، يرصد أي ارتفاع غير طبيعي في درجات الحرارة، أو وجود تسربات غازية، أو تحركات خطيرة في آلات الإنتاج، ويرسل تنبيهات فورية قبل وقوع الحادث. بل إن أنظمة الذكاء الاصطناعي يمكنها أن تتتبع صحة العمال عبر أجهزة استشعار تقيس معدل ضربات القلب وضغط الدم والتنفس، وتوقف العامل إذا ظهرت عليه علامات إرهاق خطيرة، مما يحمي حياته ويقلل من حوادث العمل
وعلى المستوى الاستراتيجي، يمكن للحكومة المغربية أن تضع رؤية وطنية شاملة لتوظيف الذكاء الاصطناعي في مراقبة الجودة والسلامة، عبر إنشاء منصات مركزية تجمع البيانات من كل المستشفيات، المعامل، المصانع، وشركات البناء، وتقوم بتحليلها آليا لاكتشاف أي مؤشر خطر قبل أن يتحول إلى كارثة، هذا النوع من الإدارة الرقمية سيجعل المغرب يتقدم خطوات كبيرة نحو تحقيق التنمية المستدامة وضمان الحق في الصحة والسلامة لجميع المواطنين
ولا يمكن إغفال البعد الأخلاقي والقانوني في هذا المجال، إذ أن الذكاء الاصطناعي رغم قدرته الخارقة قد يحمل مخاطر إذا لم يتم ضبطه بإطار تشريعي واضح يضمن سرية بيانات العمال والمرضى والمستهلكين، ويمنع أي استغلال تعسفي للمعطيات. المغرب هنا أمام فرصة لوضع قوانين ذكية تتماشى مع التحولات العالمية، وتضمن توازن العلاقة بين التكنولوجيا والإنسان، بين المراقبة والحرية، وبين الابتكار والحماية الاجتماعية
الاستثمار في البحث العلمي وتكوين الأطر المغربية في مجالات الذكاء الاصطناعي، علم البيانات، الأمن السيبراني، وجودة الإنتاج يجب أن يصبح أولوية وطنية قصوى، فبدون كفاءات محلية قادرة على تطوير هذه الحلول ستظل البلاد تابعة للتكنولوجيا المستوردة، بينما المستقبل يفرض عليها أن تكون منتجة للمعرفة ومصدّرة للتقنيات، لا مجرد مستهلكة لهاإن الذكاء الاصطناعي ليس حلما مستقبليا بل واقع يفرض نفسه اليوم، وأن ربطه بمنظومة الجودة والسلامة الصحية والمهنية في المغرب هو الطريق نحو تقليل المخاطر، تحسين حياة العمال والمواطنين، رفع تنافسية الاقتصاد الوطني، وتحقيق رؤية تنموية قائمة على العلم والمعرفة. المغرب اليوم أمام فرصة تاريخية لتبني هذه الثورة الرقمية، وإذا أحسن استثمارها سيصبح نموذجا رائدا في إفريقيا والعالم العربي في مجال الذكاء الاصطناعي والجودة والسلامة

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News