المجتمع

أكادير : من مستشفى الحسن الثاني إلى مقبرة الموت..غضب الساكنة وأسئلة الإصلاح!

  • تحقيق الحسن باكريم //

تشهد مدينة أكادير منذ أيام حالة من الاحتقان غير المسبوق عقب وفاة سيدات داخل المستشفى الجهوي الحسن الثاني في ظروف وُصفت بالمأساوية. وقد دفعت هذه الحوادث المؤلمة العشرات من المواطنين وفعاليات المجتمع المدني إلى النزول للاحتجاج، في خطوة عكست عمق الأزمة الصحية التي تعرفها الجهة، وزادت حدتها مع منع الوقفة من طرف السلطات، وهو ما أجج الغضب الشعبي ورفع منسوب التوتر.

خرجت ساكنة أكادير للتعبير عن استيائها من تردي الخدمات الطبية داخل المستشفى، معتبرة أن الإهمال وغياب المحاسبة وراء الوفيات المسجلة. شعارات قوية رفعت أمام البوابة الرئيسية للمؤسسة، من قبيل “مستشفى الموت” و”الإهمال جريمة”، مطالبة بتحسين البنية التحتية، وتوفير الأدوية والتجهيزات، وضمان حضور الأطباء في مختلف الأقسام الحساسة.

وقد زادت حدة التوتر بعد أن تدخلت السلطات لمنع الوقفة أو التضييق عليها، مما اعتبره المحتجون استهدافاً لحقهم في التعبير وممارسة الضغط المدني دفاعاً عن الحق في الصحة.

شُيد مستشفى الحسن الثاني بأكادير في ستينيات القرن الماضي، وافتتح سنة 1967 ليكون أول مؤسسة استشفائية كبرى بالجهة. صُمم ليستوعب قرابة 450 سريراً في البداية، وليغطي حاجيات سكان سوس ماسة والجنوب المغربي.

على مر السنين، أصبح المستشفى الجهوي الحسن الثاني أكبر مرفق صحي بالجهة، بطاقة استيعابية متزايدة، وبأقسام متخصصة في الجراحة، الولادة، الأطفال، المستعجلات، الطب العام، والأشعة. غير أن الضغط المتنامي عليه نتيجة توسع ساكنة الجهة وتوافد مرضى من الأقاليم الجنوبية، جعل المؤسسة تتجاوز طاقتها الطبيعية، لتتحول أقسامها إلى بؤر اكتظاظ متواصل.

في النصف الأول من سنة 2025 وحدها، استقبلت مصلحة المستعجلات أكثر من 33 ألف حالة، بمعدل يومي يناهز 250 حالة، فيما تم إجراء ما يفوق 1760 عملية جراحية مستعجلة. كما استقبل قسم الولادة حوالي 3000 حالة، بينها مئات الولادات القيصرية، بينما بلغ عدد الفحوصات بالأشعة آلاف العمليات، بين السكانير والرنين المغناطيسي.

رغم هذه الأرقام، يعاني المستشفى من خصاص في الموارد البشرية، خصوصاً الأطباء المتخصصين والممرضين، فضلاً عن أعطاب متكررة في التجهيزات الأساسية. مواعيد الفحوصات تتأخر لشهور، والمرضى يضطرون في كثير من الأحيان لإجراء تحاليل وفحوصات خارج المؤسسة بسبب غياب المواد أو تعطل الأجهزة.

أكادير : من مستشفى الحسن الثاني إلى مقبرة الموت..غضب الساكنة وأسئلة الإصلاح! - AgadirToday

الأزمة الأخيرة المرتبطة بانقطاع مواد التخدير لأزيد من ستة أسابيع، مثال صارخ على هشاشة التدبير الطبي والإداري. فقد تعطلت مئات العمليات الجراحية، وسجلت وفيات مأساوية بسبب التأخير، وهو ما خلف صدمة لدى الرأي العام المحلي.

عرف المستشفى خلال السنوات الأخيرة تغيرات متكررة في إدارته. فقد توالى على منصبه مديرون عدة، بينهم الدكتور عبد العزيز الريماني، الذي حاول النهوض بالخدمات الصحية وإحداث طفرة في التطبيب والعلاج، إلا أنه تم  إعفائه في سنة 2020، ليخلفه الدكتور جامع لعضم في أبريل 2021.

ورغم الجهود المعلنة، ظلت الشكايات تتقاطر حول استمرار التسيب، وضعف المراقبة، وغياب رؤية إصلاحية شاملة. ومؤخراً تم إعفاء المدير الحالي وفتح باب الترشح من جديد، في محاولة لإيجاد قيادة إدارية جديدة قادرة على إنقاذ المؤسسة من وضعها المتردي.

عدد من الأطباء بدورهم لم يترددوا في دق ناقوس الخطر، مؤكدين أن الخلل لا يكمن فقط في الأطر الطبية، بل في سوء التدبير، غياب التجهيزات، والضغط الهائل الذي يفوق طاقة المستشفى.

الاحتجاجات الشعبية الأخيرة هي تعبير صريح عن فقدان الثقة بين المواطنين ومنظومة الصحة العمومية. سكان أكادير يعتبرون أن ما يُعلن من برامج إصلاحية على الورق، لا يترجم على أرض الواقع، وأن الفجوة بين الخطاب والممارسة تتسع.

أبرز المطالب:

1. الإسراع بتعيين مدير كفء للمستشفى، قادر على الإصلاح وتحمل المسؤولية.

2. تعزيز الموارد البشرية، خصوصاً الأطباء الجراحين وأطر التخدير والولادة.

3. توفير التجهيزات وصيانة الأجهزة الطبية بشكل منتظم.

4. تحسين ظروف الاستقبال والخدمات الاستعجالية.

5. فتح تحقيق شفاف في الوفيات الأخيرة وربط المسؤولية بالمحاسبة

6. إشراك المجتمع المدني في تتبع سير المنظومة الصحية، وإقامة آليات رقابة مستقلة.

لقد صار مستشفى الحسن الثاني بأكادير عنواناً لأزمة صحية مركبة، تتداخل فيها مشاكل البنية، الإدارة، والموارد البشرية. والاحتجاجات الأخيرة ليست سوى إنذار جديد بضرورة الإصلاح العاجل، قبل أن يتحول الغضب الشعبي إلى أزمة ثقة أعمق بين المواطن والدولة في أحد أهم القطاعات الاجتماعية: قطاع الصحة.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى