
أكادير إنبعاث جديد: رحلة التجديد الحضري من الماضي إلى المستقبل..
- أكادير / رشيد فاسح //
تُعرف مدينة أكادير، المشهورة بلقب “مدينة الانبعاث”، بأنها المدينة التي لم يكن أحد يراهن على قدرتها على النهوض من رماد زلزال 1960 المدمر. ولكن، وكما ينهض طائر الفينيق من الرماد، استطاعت أكادير أن تُعيد بناء ذاتها، لتُصبح اليوم، بعد مرور 65 سنة، ورشًا حضريًا نابضًا بالحياة، وعنوانًا للتجديد المستمر.
لقد أصبحت أكادير اليوم مدينة تنبض بالحياة في كل زاوية من زواياها. فقد أُعيد إحياء فضاءات كانت إلى وقت قريب مهملة ومنسية، وتحولت إلى مساحات ساحرة، تعكس طموحات ساكنتها في أن يعيشوا في مدينة تليق بعراقتها وثقافتها وتاريخها، من أعلى الجبل، في أكادير أوفلا، إلى أسفله في أكادير الجديدة.
رؤية طموحة تتجسد على الأرض
هذا التحول لا يُعدّ مجرد إعادة تأهيل عمراني، بل هو تجسيد لرؤية وطنية طموحة، تعكس إيمان المغرب، وقيادته، بقدرة المدن على التطور والازدهار. وقد جاءت هذه الدينامية بفضل جهود مشتركة من الدولة، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، عبر إطلاق برنامج التنمية الحضرية 2020–2024، وبتنسيق مع السلطات الوزارية والولائية والمحلية، والمجالس المنتخبة، والمؤسسات الشريكة، إلى جانب المجتمع المدني وعموم المواطنات والمواطنين.
“سينما الصحراء”: الشرارة الأولى
تُعد “سينما الصحراء” إحدى أبرز رموز هذه النهضة المجتمعية، وواحدة من الشرارات الأولى التي أطلقت دينامية التغيير. فبعد أن كانت مبنى مهجورًا تسكنه أسراب الحمام، أعيدت إليها الحياة بفضل مبادرة من المجتمع المدني، واستجابة فعالة من جماعة أكادير.
تحوّلت السينما إلى فضاء ثقافي حي، يحتضن عروضًا سينمائية، وندوات ثقافية وفنية، ومهرجانات موسيقية، وفعاليات متنوعة. كما أصبحت ساحتها قبلة للمهتمين بالثقافة الأمازيغية والصحراوية، مما أضفى عليها بُعدًا رمزيًا بوصفها فضاءً للتلاقي الثقافي.
الحدائق والفضاءات الخضراء: زخم تنموي جديد
أطلقت المدينة أوراش مهمة لإحياء المساحات الخضراء ومرافق الترفيه، مما أدى إلى إحداث متنفسات طبيعية وثقافية جديدة وسط المدينة. وتُعد حديقة أولهاو ومنتزه ابن زيدون من أبرز هذه المشاريع، حيث يُقبل عليهما المواطنون من مختلف أحياء المدينة لقضاء عطلة نهاية الأسبوع.
ويمثل المنتزه الإيكولوجي “ابن زيدون” إضافة نوعية، إذ يجمع بين الترفيه والتوعية البيئية، ويجسد التوجه المتزايد نحو التنمية المستدامة في التخطيط الحضري.
الساحات.. من الإهمال إلى الجمال
تُعد الساحات العمومية مرآة لنهضة المدينة. وقد استعادت ساحة ولي العهد جمالها من خلال مشروع تجديد شامل، شمل أرضيتها ونافورتها، وتزيين واجهاتها بالألوان الأصلية، مما أعاد إليها حيويتها.
أما ساحة الأمل، فتشهد اليوم عملية ترميم جذرية، ستُحولها إلى فضاء حيوي حي، وركح مفتوح لاحتضان المهرجانات والفعاليات، مما يعزز موقع أكادير كوجهة سياحية وثقافية رائدة.
ولا يمكن إغفال أهمية “زنقة المعرض”، التي أصبحت جسرًا حضريًا لاهم الصروح الحضرية والفنية والثقافية الكبرى حيث يربط بين دار الفنون، المسرح الكبير، مسرح الهواء الطلق، المكتبة الكبرى، ومنتزه وملعب الانبعاث؛ هذا الأخير الذي أزال واحدة من أعتى النقط السوداء في المدينة، محولًا إياها إلى فضاء بيئي جميل.
التنمية في الأحياء: محور شرق–غرب نموذجًا
لم ينحصر التجديد في وسط المدينة، بل امتد ليشمل الأحياء، وخاصة محور شرق–غرب، الذي تحوّل إلى شريان حضري نابض. يشمل هذا المحور ملاعب رياضية، وممرات للدراجات الهوائية، وفضاءات ترفيهية، تشجع على النشاط البدني، وتُسهم في تحسين جودة الحياة في بيئة آمنة ومريحة.
خطوة نحو المستقبل
إن ما حققته أكادير اليوم من تحوّل حضري ليس إلا بداية لمسار طويل من التنمية الشاملة. إنها مدينة ترفع شعار الأمل، وتبني حاضرها من أجل مستقبل أفضل لأبنائها.
ويأمل المواطنون والمجتمع المدني في استدامة هذه المشاريع، من خلال الصيانة والمتابعة، والحرص على أن تشمل هذه المبادرات جميع الأحياء، لضمان عدالة مجالية في توزيع فرص الترفيه، والتعليم، والثقافة، والتنمية البيئية.
مسؤولية مشتركة
اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، نحتاج إلى أن نكون أصدقاء حقيقيين لهذه المدينة. أصدقاء حريصين على فضاءاتها، ونظافتها، واستدامة جمالها. فهذه المدينة بيتنا جميعًا، وإرث حقيقي لأجيالنا القادمة.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News