الجهة اليوم

عبث إنتظار تنمية لن تأتي بقرى جبال الأطلس الصغير بسوس، ولعبة الترقب المزدوج: أيت عبد الله نمودجا

  • بقلم امحمد القاضي //

طال بنا الأمد بقرى سوس في إنتظار مشاريع تنموية حقيقية ترفع الحيف على مداشر الهامش لدرجة أصبحنا بتمازيرت نؤرخ لحقبة من الإغتراب وفقدان الهدف.

طول إنتظارنا ذكرني بمسرحية “في إنتظار غودو” En Attendant Godot للكاتب الإيرلاندي الشهير في خمسينيات القرن الماضي صمويل بيكت، أحد أعلام مسرح العبث. إذ ظلا بطلا المسرحية ينتظران “غودو” الذي يأتي أو لا يأتي دون كلل أو ملل وبدون جدوى.

المسرحية التراجيدية كوميديا مأساوية لا تختلف على حال ضعف منسوب التنمية بالمغرب العميق الذي ظلت الساكنة بأعالي جبال سوس تنتظر الفرج لعقود من الزمن بدون نتيجة. كحال شخصيتا المسرحية “فلاديمير” و”إستراجون” المشردين اللذان ظلا وسط أرض خلاء جرداء ينتظران شخص يدعى “غودو” لمدة لكي يخلصهما من حالة اليأس والبؤس والفقر التي يعيشانها. شخصيتا المسرحية، كساكنة هوامش الأطلس الصغير، لا يعرفان “غودو”، ويعلمان أنه لن يأتي، لكن التشبت ببصيص الأمل وحالة الإتكالية وإنهاك قواهما جعلهما في حالة إنتظار يئسة.

هكذا الحياة بجبال سوس، وأيت عبد الله بالخصوص بإقليم تارودانت كأعلى قمة في المنطقة وآخر جماعة بالجهة الشمالية للإقليم الذي يضم أكبر تجمع للجماعات الترابية بالمغرب يصل 89 جماعة جلها بالعالم القروي، وينقص أغلبها أهم مقومات التنمية المستدامة لضمان سيرورة التطور.

هكذا ظلت أيت عبد الله في قاعة الإنتظار منذ أن عرفتها لمدة أزيد من ستة عقود، ببنية تحتية مهترئة وتفتقر عدة مداشرها لضروريات الحياة. رغم بعض المحهودات الرسمية في فك العزلة.

دواوير الجماعة ينقص بعضها التزود بالماء الصالح للشرب، البعض بطرق جبلية وعرة، المركز ظل كما غادره الإستعمار الفرنسي سنة 1934 كآخر معقل يدخله الإحتلال بعد مقاومة شرسة، بدون تبليط، وبدون منشآت شبابية لبناء قدرات الناشئة، ولا ملاعب مجهزة للترفيه، فرص الشغل شبه منعدمة، النساء ينتظرن نادي نسوي لتكوين مهاراتهن حتى مللن الحياة، المركز لا يتوفر على التطهير الصحي مما يخلق كارثة بيئية تحت وفوق أرضية لتعدد مطفيات الصرف الصحي، المياه الجوفية ملوثة. والزيت الذي يزيد النار إحتراقا وإشتعالا اللامبالات التي تسود جو المركز.

وكمثالا على العبث واللامعنى يمكن سرد توقف بعض المشاريع لمدة طويلة من بينها:

المركز الصحي من الدرجة الثانية الذي بني بأموال خاصة لفاعلين إقتصاديين محليين برعاية جمعية تنموية بجوار المستوصف القديم، وحطت مؤخرا بجواه كذالك المستوصف المتنقل التابع للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية لحل معضلة غياب طبيب قار بالمركز تلجأ الساكنة الهشة لخدماته عند الحاجة.

الجهات الوصية تنتظر تحرك فاعلين محليين لجلب الطبيب، والساكنة والشركاء في بناء المستوصف ينتظرون وفاء مندوبية الصحة بوعد توفير طبيب. هكذا أصبحت لعبة الترقب مزدوجة. وبقي المستوصف الجديد مقفل في منظر سريالي أقرب منه للعبث واللامنطق من العقلانية.

ظل شباب المنطقة يمنون النفس بدار الشباب للترفيه عن النفس وصقل مواهبهم الإبداعية وإحتضان أنشطة ثقافية لإحتواء الإنحراف على غرار باقي المناطق حتى بدأ الشباب يشيخ.

وفي كل موسم صيفي تسعى جمعيات الدواوير لتنظيم تظاهرات رياضية ومقابلات كروية لخلق جو تنافسي يحفز الناشئة، لكن سوء حالة أرضية الملعب وإنعدام ملاعب القرب يحول دون ذلك، وتنطفأ شعلة الحماسة.

وفي موضوع آخر، إنتظر تلامذة السلك الإعدادي بناء أقسام لإحتضان نواة الثانوية التأهيلية للتخفيف من الهدر المدرسي، خصوصا في صفوف البنات، وعبأ التنقل للبلدات المجاورة لاستكمال الدراسة لعقود من الزمن، إلى أن تفضل فاعل خير محلي ببناء أقسام مجهزة لإحتواء نواة الثانوية التي قد تعرف إنطلاقتها بصعوبة هذه السنة الدراسية لإنقاد الموقف ووضع حد للعبة الترقب والإنتظارية.

السؤال المطروح، إلى متى سيظل ميسوري البلدة يحلون مشاكل الجهات الوصية بأموالهم الخاصة وبمبادرات نوعية؟

ومؤخرا إجتهد فاعلين محليين لبناء مسجد بالمركز يليق بالمكان وتاريخ المدرسة العتيقة المحلية، ليدخل هو كذلك في دائرة الإنتظارية. وحل مؤخرا وفد من مندوبية الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمكان لإحصاء أملاك المساجد لتبسط يدها على بنايات متآكلة في الثلث الخالي تطوع بإنجازها محسنون قضوا حثفهم ومنهم من ينتظر. مما يزيد من فقدان الثقة وسوء التواصل والفهم بين المركز والهامش، ويسقطنا في اللامعقول. كما يقول المثل الشعبي: ” اللي تسنينا بركتو، دخل الجامع ببلغتو.”

هذه أمثلة وغيرها كثير تعبر عن لاعقلانية الأمور وعن تفكك المنظومة التنموية بأدرار، والبنية الدائرية للشان المحلي حيث تنتهي الأشياء عند نفس النقطة، وينعدم التقدم ويظهر للعيان عقم إيجاد الحلول، ويستبدل المنطق بحالة الفوضى واللامعنى والركود. ويصبح صمت كل الجهات هو التعبير الأصدق عن حالة العبث والضياع.

لكي نقيس حال تمازيرت بمسرحية صمويل بيكت. ظلت شخصية “غودو” مجهولة حتى آخر المسرحية. تشير لمنقد لن يأتي للمساعدة وقت الحاجة. ومجازا ترمز للأمل الذي يسعى له الإنسان طول حياته، وفي آخر المطاف يصل للباب المسدود، وتصبح الإنتظارية مضيعة للوقت دون القدرة على التمرد لتغيير الوضع، وتظل الحياة تتأرجح بين الألم والأمل، ويبقي الحال هو الحال.

بإختصار، مسلسل التنمية بأدرار خصوصا، وهوامش المغرب المنسي عموما، معطل وبطيئ، وقشرته ضعيفة وهشة تغطي فراغا لا منتهي. بإعتراف صاحب الجلالة في خطاب العرش الأخير عند الإشارة لمغرب بسرعتين.

لكن للاسف، عند موعد الاستحقاقات القادمة ستظهر الوعود من جديد، وسنعيد نفس الأسطوانة المشروخة، في منظر عبثي متشابه Déjà vue، وتستمر الحياة والتشاؤم بكل تجلياته، وبكل المفارقات والمتناقضات. وستظل أيت عبد الله وأمثالها في غرفة الإنتظار بأحلام ممزقة، ومشاريع مبعثرة وأجنحة منكسرة إلى أجل غير مسمى.

تصبحون على مجيئ “غودو” التنمية يوما ما.

*امحمد القاضي : رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى