الجهة اليوم

حين يصبح الفاعل الترابي جزء من المشكلة عوض أن يكون طرف في الحل..

  • بقلم امحمد القاضي //

في جل الحالات ضعف منسوب التنمية بالمغرب العميق وخاصة ببوادي سوس وبجبال الأطلس الصغير لا يعود لقلة الموارد المالية، ولا لإنعدام طاقات محلية، ولا فتور إنخراط الفعاليات المدنية في النهوض بالشأن المحلي، ولا كذلك لهزالة وعي ساكنة، أكثر مما يعدو الحال إلى بنية ذهنية متآكلة عشش داخلها وهم يعود لقرون خلت.

تواجد قرى سوس في منطقة السرعة الثانية، والمغرب البطيئ الذي أشارت لها السلطات العليا مؤخرا في خطاب العرش، يعود لعدة عوامل متداخلة.

يختلط فيها ضعف الإرادة السياسية، بقلة العناية من الجهات الوصية، إضافة لعقود من التجاهل، والإقصاء والتهميش الذي طال الهوامش.

لكن المؤسف في الأمر هو تخادل بعض الفاعلين الترابيين من الجهات المنتخبة وتقاعس أطراف مدنية، ولامبالات البقية والتي إئتمنت على قضاء مصالح الناس.

فبمنطق يوم الحساب، بأي وتيرة ستسير هاته الفئة على الصراط، إذا كنا في دنيانا ندبر الأمور بسرعة السلحفاة، بينما فئة في عالم آخر يقضى على أيديها حوائج الناس ستسير عليه كالبراق؟

تنمية المجال والإنسان بقرى سوس تفرمله العقلية المتحجرة والعيش وسط المتناقضات، ونفاق مجتمعي وتهرب من المسؤولية وتراكم توجسات وتخوفات بنتها سنوات من العناد والأنانية والعصبية القبلية المتجاوزة في عصر العولمة.

الفاعل السياسي جزء لا يتجزأ من منظومة التنمية المحلية، ومصلحة البلدة والصالح العام يتجاوزنا جميعا ويسمو على المصالح والحسابات السياسوية الضيقة. حين تحضر مصلحة الوطن، والصالح العام تدوب الفوارق وتقصر المساحة الفاصلة بين كل الفرقاء.

هكذا تعلمنا في صفوف التربية الوطنية ودروب الحياة وتجارب مقارنة لشعوب أخرى سواء عبر التاريخ أو المعاشة حاليا.

كما ان الفاعل الترابي بكل مكوناته، المدني الجمعوي، المنتخب والمعين والإقتصادي وكل المهتمين والمعنيين بالشان المحلي، هاجسهم الأول والأخير تجويد حياة الناس، وتوفير ضروريات العيش المشترك الكريم، وتنمية البلدة، وترقية قدرات الإنسان للنهوض بالشأن المحلي والمساهمة في التنمية المستدامة للبلد.

تجاربنا كمشاركين فاعلين ميدانيين، وما تطلعنا به الأخبار على مدار الساعة عبر التراب الوطني، وتحمله قصاصات وسائل التواصل الإجتماعي لا تبشر بالخير.

مازال البعض فينا ينتشي بخلق العراقيل في وجه التنمية المحلية، يتهرب من المسؤلية، ويمارس عملية الإسقاط وينسب إخفاقاته للآخر تجنبا للشعور بالذنب أو الفشل، ويعمل بمقولة: “كم حاجة قضيناها بتركها”.

سنقرؤكم كي لا تنسوا حكاية أزلية المرافق الصحية بمركز أيت عبد الله، دائرة إيغرم إقليم تارودانت، ونسردها للعبرة وتشنج علاقات الفاعلين المحليين.

التجربة الفتية والمتواضعة لجمعية تيويزي للتنمية الاجتماعية لأيت عبد الله عرت عن واقع مزري للعلاقات التشاركية والتعاونية التي من شأنها أن تربط الفاعلين الترابيين، سواء كانوا جمعويين، أو منتخبين نظريا.

الواقعة أن جمعية تيويزي من باب المساهمة التطوعية في تجويد الحياة بالسوق الأسبوعي بمركز أيت عبد الله، إستقدمت مرافق صحية عمومية متنقلة بجودة عالية في صيف 2023 بمساهمة فاعل إقتصادي من ابناء البلدة الغيورين على تنمية المنطقة.

مرافق صحية إفتقدها المركز منذ نشأته في بداية القرن الماضي. وذلك حرصا على صحة وسلامة الساكنة، وتجنب رواد السوق، خاصة النساء والمسنين والمرضى، حرج قضاء حوائجهم البيولوجية في العراء، مما قد ينتج عنه خطر الإصابة بتعفنات وامرض معدية وثلوت بيئي غير محتمل. حيث قام المجلس الجماعي مشكورا بتوفير وتأهيل وعاء عقاري لتثبيت المرافق، فاستبشرت الساكنة خيرا.

إلا أن سوء تدبير التوقعات والحسابات الضيقة ومعادلة الخاسر والرابح، وتقاذف المسؤوليات بين الأطراف المعنية والإهمال وعدم الشعور بالواجب تجاه الساكنة ترك المرافق مغلقة في وجه العموم، غير مؤهلة لمدة تجاوزت السنتين، أي أزيد من 750 يوما مما تعدون، بكل فصولها شتاءا وصيفا، دون الشعور بالخجل من كل الأطراف.

تعطلت المرافق بين البيروقراطية الإدارية، وسوء النية، وعملية شد الحبل والمد والجزر بين الأطراف. فجمعية المدرسة العتيقة رفضت ربطها منطقيا بخزان الصرف الصحي الذي أنجزته بمواردها الخاصة خوفا أن يفيض ويلوث المكان.

وتتساءل عن دور الأموال العمومية في العملية. والجهة المنتخبة رصدت مبلغ مالي للعملية وطال أمد إنتظار الأمر بالصرف، و الكل يرمي بالكرة في ملعب الآخر، وخاصة في مربع الجمعية الفتية.

إلى أن تدخلت السلطات المحلية على الخط لرأب الصدع وإرضاء الخواطر والتعجيل بتشغيل المرافق قبل حلول الموسم التجاري السنوي بعد أيام معدودة.

المهم، أخفقنا الموعد مع التاريخ في مبادرة المراحيض، فكيف سيكون حالنا مع مشاريع أخرى أطهر وأنقى وانظف وأضخم وأفضل من مجرد مرافق لقضاء الحاجة؟ لكي الله يا بلدة.

الغريب ان كل الأطراف المعنية تلتقي في مسجد المركز لأداء صلاة الجمعة والإنصاة للخطبة، ونتبادل الصفح عند الإنتهاء، ونجلس في الصفوف الأمامية عند سمر الفرجة أحواش الموسمية، ونلتقي في موائد الأعيان، لنناقش امور الحياة، وكيف أسقطت الدول الأوروبية الحدود، وقوت دول شمال إفريقيا سياجها، وتأخر العالم الإسلامي عن الركب، ونتناول هواتف ذكية صنعتها عقول متفتحة لتستهلكها العقول المتحجرة.

الحدود الوهمية يا سادةمتبثة في العقول قبل الجغرافية، لن يسقطها سوى تزكية الوعي بأولوية المشترك الجماعي والتربية والشعور بالمسؤولية وروح المواطنة وتقوية قدرات ومدارك الإنسان.

التماطل والتهاون عنوان مرحلة ووصمة عار على جبيننا جميعا. فكيف سنستشرف المستقبل حين يكون ماضينا أفضل من حاضرنا، وحين سيعقد الفاعل الجمعوي جموعه العامة السنوية، وسيخرج المرشح قريبا ليتسول أصوات المنتخبين؟ من الأفضل أن نغادر من الباب الخلفي للساحة في جنح الظلام وفي غفلة الجمهور، وإلا فلم تعد للكرامة والشهامة عنوان.

العبرة ورسالة الواقعة أن هناك عبر التراب الوطني مشاريع قبرت، وأخرى ظلت حبيسة الرفوف، ومبادرات نصف منجزة والخاسر الأكبر هو الوطن.

أملنا في الناشئة، ويتساءل البعض لماذا جمعية تيويزي تصرف أموالا على الدخول المدرسي وتشجيع التمدرس. فإن كانت كلفة التعليم باهضة، فإنتظر كلفة وفاتورة الجهل في الأمد القريب.

سأختم بجزء من بيت شعري لأبي فراس الحمداني: ” في الليلة الظلماء يفتقد البدر.”

الجزء يدل على أن قيمة الشئ والشخص تدرك وتظهر في أوقات الحاجة والشدة، للاسف في بعض الأحيان يغيب المسؤول عند الحاجة الماسة إلى مواقفه.

تصبحون على أماكن أطهر ومواقف أنبل.

  •  امحمد القاضي / رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله بإقليم تارودانت
          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى