العالم اليوم

جريدة لوموند الفرنسية: خلفيات “لغز محمد السادس” والتناقضات الصارخة والكيل بمكيالين..

في البدء : 

أثارت سلسلة المقالات التي نشرتها صحيفة لوموند الفرنسية تحت عنوان “لغز محمد السادس” الكثير من الجدل داخل المغرب وخارجه. فالمتابع لهذه النصوص يكتشف تناقضات واضحة،  من جهة تُشيد الصحيفة بنجاحات المغرب في ملف الصحراء، وتصف الملك محمد السادس بـ”مهندس المناورات الدبلوماسية الكبرى”، ومن جهة أخرى تُصوّر الواقع الداخلي باعتباره فشلًا وإصلاحات غير مكتملة. فما الذي تخفيه هذه القراءة؟ وما الذي يجعل توقيت النشر مثيرًا للتساؤل؟

تناقضات في السردية الصحفية:

لوموند تعترف صراحة بأن المغرب تمكن خلال السنوات الأخيرة من تحقيق انتصارات دبلوماسية غير مسبوقة في ملف الصحراء، أبرزها الاعتراف الأمريكي، والتحولات الموقفية لإسبانيا وألمانيا وفرنسا.

لكنها، في المقابل، تختزل الإصلاحات السياسية والاجتماعية في خانة “الفشل”، متجاهلة إنجازات لا يمكن إنكارها: هيئة الإنصاف والمصالحة، مدونة الأسرة، دستور 2011، دسترة الأمازيغية، المشاريع الكبرى للبنية التحتية….

هذا الخطاب المزدوج يخلق صورة مشوشة للقارئ: ملك ناجح خارجيًا لكنه “عاجز داخليًا”، وكأن الصحيفة تسعى إلى هدم ما بنته في الفقرة السابقة.

الصحة والقيادة.. بين الواقع والتضخيم:

من الطبيعي أن يتعرض أي قائد لوعكات صحية أو أمراض مزمنة، لكن ذلك لم يمنع الملك محمد السادس من قيادة ملفات معقدة ودقيقة.

التاريخ يعطينا نماذج عديدة لقادة حققوا إنجازات كبرى رغم حالتهم الصحية: شارل ديغول في فرنسا، أو روزفلت في الولايات المتحدة.

لكن لوموند اختارت تضخيم الجانب الصحي لتغذية خطاب “نهاية الحكم”، وكأنها تسعى إلى بث الشكوك حول استقرار المغرب.

التوقيت والسياق.. لا يمكن فصل هذه السلسلة عن الظرفية الراهنة:

المغرب مقبل على استحقاقات كبرى، تنظيم كأس إفريقيا 2025، والاستعداد المشترك لتنظيم كأس العالم 2030.

المغرب رسّخ حضوره الدبلوماسي في إفريقيا والشرق الأوسط، وأصبح لاعبًا استراتيجيًا في ملفات الطاقة والهجرة والأمن والرياضة وفي قطاعات اقتصادية عديدة.

في هذا السياق، أي مقال يتحدث عن “إخفاق داخلي” أو “صحة الملك” يبدو موجَّهًا ضد الشرعية والتشويش على المغرب، أكثر من كونه مجرد تحليل إعلامي محايد.

بين الصحافة والسياسة:

من المعروف أن بعض المنابر الفرنسية، ومنها لوموند، ليست بعيدة عن دوائر نفوذ ولوبيات سياسية واقتصادية، خاصة في قضايا شمال إفريقيا. لذلك يصبح مشروعًا التساؤل، هل الهدف من هذه المقالات هو تقديم قراءة صحفية موضوعية؟ أم أنها مجرد أداة في حرب سرديات بين المغرب وخصومه الإقليميين والدوليين؟

عود على بدء: 

يظل المغرب، رغم التحديات الداخلية، بلدًا يسير بخطى ثابتة في طريق التحديث والإصلاح، ونجح في تحصين وحدته الترابية وإعلاء مكانته الدبلوماسية بقيادة ملكه.

أما مقالات لوموند، فهي تعكس أكثر أزمة الصحافة الفرنسية نفسها، التي تبحث عن الإثارة على حساب التوازن والموضوعية.

في النهاية، يبقى القارئ المغربي، وحتى الفرنسي، أذكى من أن ينخدع بخطاب متناقض يكيل بمكيالين.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى