
مستشفى الحسن الثاني بأكادير: هل أصبحت صرخات الأمهات صدى في وادٍ؟
بقلم رشيد فاسح //
تتجدد المأساة، ويُعاد كتابة السيناريو نفسه ولكن بأسماء جديدة. ست نساء، ستة أرواح، ستة صرخات لم تكتمل في غرفة الولادة. إنها ليست مجرد أرقام تُضاف إلى سجلات الوفيات في مستشفى الحسن الثاني بأكادير، بل هي شهادة أليمة على أزمة مستمرة في منظومتنا الصحية، أزمة تتجاوز حدود التقصير الفردي لتصبح فشلاً هيكلياً شاملاً.
إن ما حدث لا يمكن اختصاره في خطأ طبي عابر أو إهمال لحظي. إنه نتيجة لتراكم إهمال ممنهج على عدة مستويات. المستوى الأول والأكثر وضوحًا هو ما حدث داخل المستشفى. هل كانت هناك متابعة كافية للحالات الحرجة؟ هل كان الطاقم الطبي جاهزاً للتعامل مع المضاعفات في الوقت المناسب؟
وهل تتوفر المعدات والأدوية الضرورية لإسعاف الحالات الطارئة؟ إن أي نقص في هذه الجوانب يضع الإدارة والطاقم الطبي في مربع المسؤولية المباشرة.
لكن التركيز على المستشفى فقط يغفل الجذور الأعمق للمشكلة. إن الضحايا، وهن قادمات في الغالب من مناطق قروية مجاورة، يواجهن عقبات لا حصر لها حتى قبل وصولهن إلى المستشفى.
فالطرق الوعرة، ونقص سيارات الإسعاف، وغياب المتابعة الصحية للحمل في المراكز الأولية بالقرى، كلها عوامل تجعل الأمهات تصلن إلى المستشفى في حالة صحية متدهورة للغاية. هنا، تتحول المستشفيات إلى مجرد محطة أخيرة لمحاولة إنقاذ حياة كان يمكن إنقاذها بسهولة أكبر لو كانت هناك منظومة رعاية صحية أولية فعالة.
إن هذه المأساة ليست إلا انعكاسًا لسياسة عامة قاصرة في توزيع الموارد. فما الذي يفسر التفاوت الكبير بين جودة الخدمات الصحية في المدن والمناطق الريفية؟ لماذا لا تُمنح المراكز الصحية القروية الأهمية التي تستحقها، خاصة وأنها تمثل خط الدفاع الأول عن حياة الآلاف من النساء؟
ما حدث في مستشفى الحسن الثاني ليس حادثة معزولة، بل هو جرس إنذار يدق بقوة. إنه يذكرنا بأن حق الحياة هو حق مكفول للجميع، وأن توفير الرعاية الصحية الآمنة هو واجب على الدولة لا يقبل التساهل.
إن أرواح هؤلاء الأمهات الأبرياء تُحتم علينا محاسبة المقصرين على جميع المستويات، بدءاً من المسؤولين الإداريين في المستشفيات وصولاً إلى واضعي السياسات الصحية في أعلى الهرم.
فهل ستتحول هذه المأساة إلى نقطة تحول حقيقية؟ أم ستبقى مجرد خبر عابر، سرعان ما يغرق في بحر النسيان، بانتظار الضحية القادمة؟ إن صرخات هؤلاء الأمهات لن تهدأ حتى يتحقق العدل وتُمنح الأولوية للحياة، لا للمماطلة والتقصير.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News