
غياب تبون.. حضور الأزمة
- بقلم : حسن كرياط //
قد يغيب شخص، فيسأل الناس عن جسده. لكن أن يغيب رئيس، وتغيب معه صورة الدولة، فذاك ليس غيابًا بل انكشافًا: انكشاف حقيقة نظام لا يقوم على حضور الأفراد بل على غيابهم، نظام لا يعيش إلا في الفراغ، كأنه يستمد شرعيته من العدم.
غياب عبد المجيد تبون ليس تفصيلاً بروتوكوليًا، ولا حادثًا طارئًا، بل مرآة تكشف عمق العطب. رئيسٌ يُفترض أن يكون رمز وحدة الأمة، يتحوّل إلى شبحٍ يظهر في صور متقطّعة، كظلّ على جدار، فيما السلطة الحقيقية تتوزّع بين أجنحة العسكر المتناحرة. وهنا تُطرح الأسئلة الكبرى: أليست الأزمة أزمة كيان أكثر منها أزمة إنسان؟ أليست الدولة الجزائرية منذ الاستقلال تُدار بمنطق الغياب: غياب التعاقد الاجتماعي، غياب المؤسسات، غياب الثقة، وغياب المستقبل؟
شرعية معلّقة في الهواء
منذ أن قاطع الشعب انتخابات 2019، دخل النظام في حالة تعايش مع العدم: سلطة بلا قاعدة، دولة بلا عقد، مواطنون بلا أفق. الطوابير على الزيت والسميد لم تعد مجرد مشهد اجتماعي، بل رمز وجودي لعلاقة مختلّة بين الحاكم والمحكوم، حيث تتحوّل لقمة الخبز إلى مرآة تعكس انهيار الشرعية.
جيش بلا روح واحدة
الجيش، الذي كان يُفترض أن يكون عمود الدولة، لم يعد جسدًا واحدًا. لقد انقسم إلى أجنحة تتصارع، لا لتصنع مستقبلًا، بل لتستبقي حاضرًا متعفّنًا. جناح يختبئ خلف واجهة مدنية متهالكة، وجناح آخر يحنّ إلى زمن الحديد والنار. كلاهما أسير ماضٍ لا يلد إلا تكرار المأساة. وهكذا تحوّل الجيش من ضامن للأمن إلى مرآة للانقسام.
خارج بلا معنى
وحين خرجت الجزائر إلى العالم لتؤكّد ذاتها، اصطدمت بالفراغ نفسه. فضيحة “تيكاد 9” لم تكن حادثة دبلوماسية عابرة، بل انعكاسًا لعزلة دولة لا تعرف كيف تخاطب المستقبل. في المقابل، يمضي المغرب، على الضفة الأخرى، في ترسيم موقعه الاستراتيجي، بمشاريع كبرى في الطاقة والتحلية والأنابيب، مؤكدًا أن الفعل حين يلتقي بالرؤية، يصبح المستقبل ممكنًا.
أزمة وجود لا أزمة حكم
ما الذي نراه إذن؟
رئيسًا بلا سلطة.
عسكرًا بلا انسجام.
دبلوماسية بلا حضور.
شعبًا بلا ثقة.
ليست هذه أزمة حكم يُحلّ بتغيير شخص، ولا أزمة عابرٍ في قصر المرادية. إنها أزمة وجودية تطال بنية الدولة نفسها: دولة وُلدت من رحم ثورة، لكنها عجزت أن تولد من رحم الشرعية.
إن غياب تبون ليس غيابًا لشخص، بل حضورًا مكثفًا للأزمة. حضورٌ يذكّرنا بأن الدول لا تسقط بالانقلابات فقط، بل أحيانًا بالسكون، بالجمود، بالصمت الذي يبتلع الحاضر ويُفرغ المستقبل من المعنى.
- حسن كرياط : باحث في الاعلام

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News