الرأيالسياسة

تفراقشيت وسعار الأسعار، فمن يراقب من؟

جاءت ابنتي ملاك متسللةً بلا صوت أقدام، تمشي على أطراف قدميها، لتنقض عليّ كالقطة المشاكسة، طالبةً راغبة كعادتها (آيس كريم) مثلجات بالشوكولاتة.

بعد إلحاحٍ منها، عقدت العزم ومررت بجانب محفظتي الصغيرة، ممسكًا بورقة نقدية بنية من فئة مئة درهم. كان الجو صحوا، فقصدت البقال تحت الإقامة التي استأجرتها . كالعادة، وقعت عيناي على ثلاجة مليئة بكل أنواع المثلجات بما لذ وطاب من كل الأذواق.

وقبل أن أفتح صندوق الثلاجة، سألتُ صاحب المحل: “بكم هذا الآيس كريم؟” أجاب دون أن يرمش له جفن: “18 درهمًا”. استغربتُ الأمر في البداية؟! لعلي أستفيق من غيبوبة السعر الذي فاق توقعات مصروفي اليومي العادي في شراء الايس كريم والذي هو 13 درهم لنفس النوع وقلت في قرارة نفسي .

فقلت له: “أنا معتاد على أن أشتري هذا النوع من المثلجات بـ13 درهمًا، فلماذا 18 درهمًا الآن؟ هل تبتاعه لكم الشركة بسعر أغلى من ثمنه؟” لم يجبني، فتركته وذهبت لمحل آخر ليس ببعيد. بدت لي ثلاجتان متوازيتان بنوعين مختلفين حسب الشركات.

سألت صاحب المحل: “بكم الآيس كريم بالشوكولاتة؟” أجاب: “15 درهمًا”. كان السعر أقل بقليل من البائع السابق، فقلت له: “أنا أشتريه بـ13 درهمًا فقط”. قال لي: “منذ متى؟” قلت له: “بالأمس القريب”. فقال لي: “خذه إذن”. قلت له: “لماذا أضفت درهمين؟ ألا تخشون الله في بيعكم؟” قال لي: “ثمن الكهرباء. هذه الثلاجة تشكل عبئًا ثقيلًا في فاتورة الكهرباء، لذلك نضيف درهمين!”.

بيت القصيد، عند عودتي إلتقيت سيدة تسب وتشتم في صاحب المحل الأول، وهي تشكو من رفع أسعار سلع بلا موجب حق فقط لأنها قادمة من مدينة أخرى لتقضي بضع ايام من عطلة الصيف في جهنم تحت وطأة من لاضمير له، كما وصفتها! انها سلع معروف أصلاً ثمنها.

كانت تتهم البقال بأنه لص وجشع يأكل أموال الناس بالباطل ويزيد الأثمان، وخصوصًا عندما يعلم بأن الزبائن مغاربة قادمون من مناطق مدن اخرى. هؤلاء( الفراقشية) الجدد الجشعون أفسدوا الحياة وعاثوا في الأرض فسادًا بلا مراقبة. فمن يراقب من؟ يتحينون أدنى فرصة لرفع اسعار المواد وكأنهم منتجيها!

الغريب في الأمر أن هذا البقال الفراقشي، الذي يزيد الأسعار، أغلق المحل عندما رفع أذان صلاة الجمعة وقصد المسجد لأداء الصلاة. فقلت في قرارة نفسي: “الرجل لم يخشَ الذي خلقه ورزقه، فكيف يتقي الله في الزبائن؟

ويخشى المراقب الغائب ؟ولجنة مراقبة الأسعار؟” الغلاء ليس مشكلة الدولة اوظركلت اواسواق وتظخم فقط، بل هي مجموعة وحوش كاسرة تتغذى وتقتات وتمتص من دماء الناس وتنتعش من الفوضى وعدم المراقبة الأخلاقية والإدارية الدورية، فلا وازع ديني يثنيها، ولا لجان مراقبة تردعها. أما السياح الأجانب، فكان الله في عونهم فحدث ولا حرج، فهم يقعون بين ايادي كماشة لا تترك شيئا،

تذكرت وأنا خارج البلاد كيف يتعامل معك (الكوري) صاحب المحل بابتسامة وأخلاق وأمانة، وكيف يعرض الأثمان بوضوح، وكيف لا يفرق بين مقيم وأجنبي، لتفادي هذه المطبات ( الفراقشية) يكفي وضع الأسعار على المنتجات فا؛هار الأثمان واحتب وطني واخلاقي يحمي المقيم والأجنبي، في كل المحلات وبلا استثناء حتى لا يقع المستهلك ضحية النصب والإحتيال وسعار الأسعار.

عدت فسألت نفسي مرة أخرى: “لماذا نحن هكذا يأكل بعضنا بعضًا في أدنى فرصة؟” فترى هذا النوع من المخلوقات يحدثك بكل ثقة ووثوق، في الدين والأخلاق، والحلال والحرام والصوم َوالقيام، وغلاء الضرائب والوقود، وغياب دور الدولة والغلاء… ولماذا تفراقشيت في كل مناسبة؟

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى