الثقافةالرأي

السيلفي وسيادة العقلية النرجسية..

  • المكي بوسراو //

من الاستحالة بمكان، وأنت تتجول، أن لا تشاهد أحدهم يأخذ سيلفي. هي ذي التقليعة التي فرضت نفسها في السنوات الأخيرة، بل إنها صارت العبادة الجديدة التي يمارسها الكل سواء كان متدينا أم لا، لا فرق في ذلك بين مسيحي وبوذي ومسلم ويهودي وملحد.

يتهافت الناس على أخذ السيلفي فرادى و جماعات وهم مبتسمون وهواتفهم ملك أيديهم: صورة أولى فثانية وثالثة…إلخ.

لا شك أن هذا السلوك له ما يفسره . لذا سنتوقف عند جملة من الأسباب التي من شأنها المساعدة على فهم هذه الظاهرة الجديدة.

النرجسية المفرطة: النرجسي هو من يسعد برؤية وجهه وينبهر لحسنه وجماله، هذا بالتمام ما يبحث عنه من يأخذ صورة سيلفي، فهو يستلذ بمشاهدة وجهه على شاشة هاتفه الذكي، ولذا يعدد الصور واللقطات ولا يكتفي أبدا بواحدة فقط.

صحيح أن كل الناس نرجسيين وهذا أمر عادي ما دام أن كل فرد يسعى إلى إثبات ذاته من خلال الإعجاب بالنفس، لكن ما ليس عاديا هو المغالاة في ذلك والتصرف كنرجسي بشكل مستمر و في كل الوضعيات.

ففي هذه الحالة يتعلق الأمر بالنرجسية المرضية، وهي بالضبط التي تحرك سلوك الذين يبالغون في أخذ السيلفي. إنهم نرجسيون فوق العادة.

لا وجود للعالم: يصر صاحب السيلفي على حضوره الزائد والمفرط، حتى عندما يتعلق الأمر بالمناظر الطبيعية لأنه يضع نفسه في قلب الصورة ، وكأنه يريد تغطية المشهد الخارجي ليقول لنا انظروا إلي وحدي أنا الذي أملأ الصورة وأنا الذي أمنح معنى للعالم، وبدوني يصبح العالم بلا جدوى. ما يهم بالدرجة الأولى هو الأنا وليس العالم.

استعادة القيمة الغائبة: غالبا ما يسعى صاحب السيلفي إلى إبراز شخصيته ومنح قيمة لنفسه، لأنه في الواقع فاقد لتلك القيمة. وهو، بشكل لاواعي، يريد إزاحة تلك الصورة المشينة التي التصقت به في طفولته ومراهقته باعتباره لاشيء أو زيرو.

والسيلفي إشارة دالة إلى أنه هو كل شيء، ما دام أنه يملأ الحيز الأكبر من الصورة. الكلمة الأولى والأخيرة هي ابتسامته العريضة على وجهه، أما العالم الذي يحتضن كينونتنا فلا أهمية له.

البحث عن الاعتراف: لا شك أن جل الأفعال الإنسانية تتغيا انتزاع الاعتراف، لكن البحث الدائم عن الاعتراف يصبح نوعا من الهوس المرضي الذي يدفع صاحبه إلى السعي الدائم إلى نزع اعتراف الآخرين ، وإن لم يفعلوا يصاب بتوتر نفسي و اضظراب سلوكي. إن الذي يصر على السيلفيات ويرسلها لمعارفه أو ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي لا يهمه، في آخر المطاف إلا الحصول على “جيمات” كثيرة كدليل على الاعتراف الذي ينقصه.

الخواء والامتلاء: يملأ وجه المصور الحيز الأكبر و الأهم في الصورة، وتفسير ذلك يكمن في الإحساس بالخواء الذي ينخره، إذ يشعر الفرد أنه لا شيء وأن وجوده لا قيمة له، مما يدفعه إلى البحث عن الملء، لتفادي ذلك الإحساس. معتقدا أن السيلفي سيملأ كل الفراغات التي تؤثث كينونته. إنه الوهم الذي يجعل الفرد يسعى إلى تعويض الشيء بنقيضه: الملء بالفراغ.

إن ما تمت الإشارة إليه سابقا يندرج في ما يسمى في علم النفس ” الآليات الدفاعية”. ذلك أن الدينامية النفسية تتضمن ميكانيزمات دفاعية يستعملها كل فرد لإثبات ذاته وترويج الصورة التي يريدها عن نفسه. وهي آلية نفسية لاواعية يتم اللجوء إليها كلما شعر الفرد بتهديد ما أو أراد ترويج صورة إيجابية عن نفسه.

المكي بوسراو

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى