
ديمقراطية السذّج.. حين تتحول الحرية إلى فوضى
- بقلم: حسن كرياط//
لم يعد الخطر الذي يهدد الديمقراطيات الحديثة يأتي من الانقلابات أو الرقابة السلطوية فقط، بل من داخلها نفسها، عبر وفرة المعلومة المضللة وتضخم الشعبوية وتراجع العقل النقدي. هذا ما ينبه إليه جيرالد برونير في كتابه ديموقراطية السذّج، حيث يكشف أن الحرية التي بُنيت عليها الديمقراطية قد تتحول إلى سلاح ضدها.
فشبكات التواصل الاجتماعي، التي فتحت الأبواب على مصراعيها أمام المعلومة، لم تمنح المواطن أدوات أفضل للتمييز، بل جعلته تائهاً وسط بحر من الآراء المتناقضة. هكذا أصبح كل رأي يساوي “حقيقة”، وكل شعور يُعامل كبرهان، فيختفي الفارق بين المعرفة العلمية والاعتقاد الأعمى.
في هذا المناخ، تصعد الشعبوية مستفيدة من هشاشة الثقافة النقدية، فبدل النقاش العقلاني تُستثار العواطف والمخاوف. وحين تضعف الثقة في الخبراء والمؤسسات، يجد المواطن نفسه فريسة سهلة للدجالين الذين يقدمون حلولاً بسيطة لقضايا معقدة.
لكن برونير لا يكتفي بالتشخيص، بل يقترح مساراً للخلاص: إعادة بناء المناعة الفكرية للمواطن. فالديمقراطية لا تقوم على مساواة كل الآراء، بل على التمييز بين ما هو مبرهن وما هو مجرد وهم. الحرية بلا عقل نقدي ليست حرية، بل فوضى قد تنقلب إلى تدمير ذاتي للنظام الديمقراطي.
إن كتاب ديموقراطية السذّج يذكرنا بحقيقة صادمة: الديمقراطية قد لا تُقتل بانقلاب، بل قد تموت ببطء حين يسلّم المواطنون عقولهم للشائعات والسطحية. وما لم نُحيِ ثقافة الشك والتحقق، فإننا سنكون أمام ديمقراطية بلا وعي، أي أمام ديمقراطية السذّج.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News