الرأيالسياسة

مكانة الشباب في الخطب الملكية السامية..نموذج خطب ثورة الملك والشعب

  • بقلم : إسماعيل الحمراوي * //

مدخل: الشباب كدعامة للتحوّل التنموي والديمقراطي

يعتبر الشباب المغربي أحد أهم المحركات الرئيسية لأيّ نموذج ديمقراطي في البلاد. فهو يحمل طاقات وطموحات متعددة، وهو قادر على الإنتاج وخلق المبادرة والإبداع  والمساهمة في الحياة العامة. فكل المؤشرات منذ تولي الملك محمد السادس سنة 1999، للعرش العلوي، شكّل “خطاب الدولة” رمزية كبيرة لدى الرأي العام، واعتبرآنذاك مرآة تعكس مكانة الشباب في المشروع المجتمعي الوطني، وتميّزت مكانة هذا المدخل الخطابي في الخطب الملكية والتي تُلقى في مناسبتي ذكرى ثورة الملك والشعب وعيد الشباب، بكونه خطاب خارطة الطريق والتي أسست لتعاقد سياسي جديد، حددت خلاله المؤسسة الملكية، وبكل واقعية ووضوح، الرأسمال الرمزي لموقع الشاب في توجهات الدولة، وهو ماكان يتجسد في كل سنة من خلال عيد الملك، أو ما سمي بعيد الشباب، الأمر الذي ساهم، وبشكل كبير،  تعزيز دلالة الشباب كشريحة مركزية ضمن المشروع الوطني.

فمنذ أول خطاب ملكي، ظهرت بوضوح معالم رؤية الدولة تجاه الشباب؛ حيث تحوّلت من منطق “الإحاطة” و”الرعاية” إلى فلفسفة “التمكين” والانتقال من دور الشباب كشركاء في التنمية، وصناعة القرارالاجتماعي والسياسي والاقتصادي أيضا، وهو ما مكن من الرفع من أسهم الشباب والانتقال بهم من مستهلكين للسياسات العمومية إلى فاعلين في المسار التنموي. هذا التحوّل يعكس وعيًا استراتيجيًا بـأهمية رأس المال البشري الشاب كركيزة للنموذج التنموي، ولتحقيق أهداف الإصلاح السياسي، وتعزيز قيمة الحداثة والانفتاح.

إن هذه المقالة العلمية ترتكز على تحليل كرونولوجي–موضوعاتي للخطب الملكية للبحث عن مكانة الشباب بين ثناياها، ومحاولة فهم مدى الأهمية التي يوليها جلالة الملك للشباب المغربي، وهو ما سنحاول تناوله بالتحليل، عبر أربع مراحل:

المرحلة الأولى (1999–2003): التأسيس التعاقدي والرمزي لمكانة الشباب.

المرحلة الثانية (2004–2010): التحول من الهندسة التعاقدية إلى المقاربة الواقعية والتدخلية.

المرحلة الثالثة (2011–2017): الشباب في قلب الإصلاحات الدستورية والسياسية.

المرحلة الرابعة (2018–2024): الشباب في سياق النموذج التنموي الجديد.

كما يتضمّن التحليل دراسة دلالية لمعجم الخطاب واحتمالات تطوره، وصولًا إلى استشراف لمسارات السياسات العامة المستقبلية الموجهة للشباب المغربي.

التأسيس التعاقدي والرمزي لمكانة الشباب  (1999–2003)

دشن المغرب بعد تولي جلالة الملك محمد السادس العرش في 1999، مرحلة جديدة اتسمت بخطب واقعية والتشخيص الدقيق في علاقة الشباب مع استراتيجيات الدولة باعتبارهم رمزًا للاستمرارية وطلائع الوطن. وقد رُبطت طاقاتهم بروح ثورة الملك والشعب، في إشارة واضحة إلى كونهم الامتداد الطبيعي للمشروع الوطني وركيزته التاريخية والشرعية.

ففي خطاب 20 غشت 2000، جرى التأكيد على أن الشباب هم حملة مشعل الكفاح الوطني، بما تحمله الكلمات من قيم التضحية والمواطنة والانتماء. وقد وُظفت مفردات ذات حمولة تاريخية عميقة مثل “الذكرى”، “الحفاظ”، “التضحيات” و”المواطنة” لترسيخ فكرة أن الشباب ليسوا فقط ورثة هذا الإرث الرمزي، بل هم ضمانة استمراره وتجديده. وهو ما أكده محتوى الخطاب بالقول” …واعتزازا بما كان لجدنا رحمه الله من رؤية مستقبلية متجددة حين قرر رحمه الله سنة 1956 احداث عيد الشباب وحدد له يوم ميلاد والدنا المنعم-ولي العهد يومئذ- باعتباره المثل الأعلى للشباب المتحمس لخوض معركة التنمية ومحاربة التخلف.”

فبين سنتي 2002 و2004، سجلت الخطب الملكية بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب حضورا قويا لقضايا الشباب وتطورًا ملحوظًا في التحليل والمضامين. خطاب 20 غشت 2002 مثلا،  ورد ذكر كلمة “الشباب” بشكل غير مباشر، حيث ارتبط تناول الموضوع بالدعوة إلى ترسيخ قيم الديمقراطية والمواطنة الفاعلة، وأهمية انتقاء النخب المؤهلة.

أما في خطاب 20 غشت 2003، فقد برزت كلمة “الشباب” بشكل كبير، من خلال التأكيد على ضرورة تشبّعهم بروح ثورة الملك والشعب باعتبارها تضحية من أجل الوطن، والتنبيه من اختزال رموز المقاومة في مجرد أسماء شوارع، مع دعوة إلى غرس القيم الوطنية، وتقييم نصف قرن من التنمية البشرية واستخلاص العبر لتوجيه المسار المستقبلي.

هذه المرحلة تميزت بثلاث سمات رئيسية: ترسيخ الانتماء القيمي للشباب كأولوية استراتيجية، تعزيز البعد الذاكروي في خطاب المواطنة، والاعتراف بدور الشباب في التعبير عن روح الثورة باعتبارهم حضورًا فعليًا في الحاضر، لا مجرد رموز تاريخية. وقد مهّد هذا الأساس الخطابي للانتقال نحو سياسات أكثر واقعية وتدخلاً في المراحل التالية.

التحول من الهندسة التعاقدية إلى المقاربة الواقعية والتدخلية .(2004–2010)

مع بداية العقد الثاني من العهد الجديد، انتقلت الخطب الملكية من تغيير عملية التركيز “الرمزي” إلى مقاربة واقعية في التشخيص لواقع الشباب من خلال التحدث المباشر عن وضعيتهم وحياتهم الاجتماعية والاقتصادية.

فمنذ سنة 2004، وذكرى ثورة الملك والشعب وعيد الشباب تمنحان هذه الفئة موقعًا متقدمًا في الرؤية التنموية. ففي خطاب جلالة الملك في 20 غشت 2004، تم التأكيد على أن الوطنية الجديدة تقوم على تعبئة الطاقات لمواجهة التحديات الكبرى، وفي مقدمتها الأمية والفقر وبطالة الشباب، مع غرس قيم المواطنة الإيجابية وتشجيع روح المبادرة والابتكار لديهم.

وفي خطاب 20 غشت 2005، وُجه نداء مباشر إلى الشباب بقول الملك: وإننا لندعو شبابنا الغالي، بما له من طاقات خلاقة وآفاق واعدة، وعبقرية مغربية، لحمل مشعل أسلافهم في الوطنية والتحرير. وذلك بانخراطهم الفاعل في أوراش التنمية، بروح المواطنة الملتزمة والإيجابية، لجعل حاضرهم الطموح، سليل ذلك الماضي الأبي، مستلهمين من ثورة الملك والشعب خير محفز على تخليدها بالأعمال الميدانية الصالحة والمثمرة، بدل الشعارات الفارغة، والأوهام المضللة، والأقوال.

كما جاء خطاب20 غشت 2007 ليقرن الاحتفاء بالشباب بالاستحقاقات الانتخابية، داعيًا إلى تأهيلهم وتحفيزهم على مواصلة حمل مشعل المواطنة، على غرار ما فعله جيل الوطنية والتحرير. وسنة بعد ذلك، أي في 20 غشت 2008، جرى التشديد على تعبئة الشباب للانخراط في برامج تنموية لخلق الثروات وفرص العمل، وتأهيلهم للمساهمة في نمو الاقتصاد وتحقيق تنمية متوازنة.

أما خطاب 20 غشت 2009، فقد وضع إصلاح القضاء كركيزة لترسيخ المواطنة لدى الشباب والأجيال الصاعدة. وفي  20 غشت 2010، ارتبطت الإشارة إلى الشباب بمشاريع الطاقات المتجددة وخلق فرص الشغل، مع التأكيد على أن نجاح التنمية المستدامة مرهون بتحرير طاقاتهم وتأهيلهم، ليظلوا أوفياء لروح ثورة الملك والشعب، ويواصلوا مسيرة البناء والابتكار.

فترة جد متميزة من عهد المؤسسة الملكية، عرفت إطلاق سلسلة من الأوراش التنموية والسياسية والاقتصادية، ونأخذ مثالا لامس قضايا المجتع في العمق، أساسا فئة الشباب، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005، شكلت فرصة تنموية بامتياز مانحة الشباب موقعًا متقدمًا في برامجها، من خلال دعم المقاولات الصغرى، وتشجيع روح المبادرة، وتطوير منظومة التكوين المهني بما يتلاءم مع حاجيات سوق الشغل. كما جرى تحفيز العمل الجمعوي والشراكات المحلية كآليات لدمج الشباب في الدورة الاقتصادية والاجتماعية.

الملاحظ، من الناحية التحليلية، فقد  تحوّل معجم الخطاب الملكي، في هذه المرحلة من معجم هوياتي مثل “الذكرى” و”التضحية” إلى معجم معاصر مثل “التمكين”، “الإدماج”، “التأهيل” و”الإنتاجية”. وقد رافق ذلك اعترافات ضمنية بوجود فجوة بين التخطيط والتنفيذ، وإشارات واضحة حول ضرورة تحسين التنسيق بين القطاعات المعنية.

الشباب في قلب الإصلاحات الدستورية والسياسية (2011–2017)

هذه المرحلة عرفت دوليا ببروزالأزمة المالية العالمية لسنتي 2007-2008 والتي كانت، مع الأسف، واحدة من أخطر الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث، ما أدى إلى انهيار عدد من المؤسسات المالية الكبرى الدولية. وسرعان ما انتقلت تداعيات الاختناق المالي العالمي إلى بقية دول العالم مسببا ركوداً اقتصادياً واسع النطاق، وارتفاعاً في معدلات البطالة، وانكماشاً في النشاط الاقتصادي على المستويين المحلي والعالمي.

لكن حسب تقرير بنك المغرب السنوي لسنة 2009 فإن المغرب لم يتأثر بشكل كبير من الازمة العالمية، فالسياسات الرشيدة لملك البلاد من خلال مجموعة من الأوراش الكبرى حصنت نسبيا المملكة المغربية من إشكالية الارتباطات الكبيرة بالأسواق المالية الدولية والتي تسببت في الأزمة لدى مجموعة من الدول، لذلك لم يعرف القطاع المصرفي المغربي انهياراً في معاملاته، كما أن هذه المرحلة شهدت تحولات إقليمية كبرى بفعل الربيع العربي، ما دفع المغرب إلى إطلاق إصلاحات دستورية عززت موقع الشباب وركزت على أهمية توسيع وتعزيز مشاركته في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، وعلى دعم اندماجهم في الحياة العامة،

ففي خطاب 20 غشت  2011، أكد جلالة الملك على الدينامية الخلاقة للشباب ودعى إلى ضرورة إدماجهم في مشاريع التنمية، مع إبراز موقعهم المحوري في التحديث الدستوري الذي أقرّه دستور 2011، وما تضمنه من حقوق وواجبات وهيئات للمواطنة الفاعلة، إلى جانب دعوتهم للانخراط في الأوراش الاقتصادية والاجتماعية، ولا سيما من خلال توفير فرص شغل ملائمة.

وهو ما التزمت له الوثيقة الدستورية التي ألزمت السلطات العمومية على تيسير ولوج الشباب إلى مجالات الثقافة والعلم والتكنولوجيا والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية، وتهيئة الظروف الملائمة لإبراز طاقاتهم وقدراتهم الإبداعية في هذه الميادين.

وتمثل هذه المقتضيات  الدستورية سابقة في تاريخ الدساتير المغربية، إذ صيغت بتفصيل لم يكن في باقي الدساتير السابقة، مما يجعل القول أن دستور 2011 سندًا قانونيًا متينًا لوضع سياسة شبابية قادرة على الاستجابة لتطلعات الأجيال الصاعدة.

كما نص دستور 2011 لأول مرة على إحداث المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، مؤكّدًا على ضرورة إشراك المواطنين، وخاصة الشباب، في صياغة القرار العمومي. وفي الخطب الملكية خلال هذه الفترة، وُصف الشباب بأنهم في صلب مشروع التحديث الدستوري والسياسي، مع الإعلان عن استراتيجية وطنية مندمجة تشمل التعليم، والتأهيل، والتشغيل، والمشاركة السياسية.

وهو ما برّز حضور الشباب بشكل قوي في خطاب 20 غشت 2012، حيث وُصف الملك الشباب بالثروة الحقيقية للوطن، وأُكد على أن إنجاز الأوراش الكبرى لا يمكن أن يتحقق إلا بسواعدهم وإبداعهم. وشدد الخطاب على ضرورة إعداد الشباب لمستقبل أفضل، وتمكينهم من الاندماج الاجتماعي والمهني، واعتبارهم طاقة فاعلة لا عبئًا على المجتمع. كما دعا إلى تفعيل المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي ليشارك بدور فعّال في صياغة الاستراتيجيات الوطنية.

وفي تسلسل الاهتمام للشباب من لدن ملك البلاد فقد وُصفهم جلالته في خطاب 20 غشت 2013 بأنهم ثروة متجددة وموارد بشرية طموحة ومتشبعة بحب الوطن، وقادرة على حمل مشعل الثورة المتجددة للملك والشعب من أجل استكمال بناء مغرب الوحدة والتقدم. أما في خطاب 20 غشت 2014، فقد جاء التأكيد على وعي الشباب ومسؤوليتهم، وقدرتهم بما يتحلون به من روح وطنية وقيم مواطنة إيجابية وعبقرية خلاقة على المساهمة في تنمية البلاد ورفع تحديات دخولها نادي الدول الصاعدة.

ورغم أن خطاب خطاب 20 غشت 2017 لم يتناول الشباب بشكل مباشر، إلا أنه حافظ على روح الرؤية التنموية الشاملة التي تجعل من العمل التضامني والتنمية المشتركة إطارًا عامًا يمكن للشباب الانخراط فيه على المستوى الوطني والإقليمي، خصوصًا في البعد الإفريقي للمغرب.

بالفعل هذه المرحلة المفصلية من التاريخ السياسي المغربي شكلت نقلة نوعية في الممارسة السياسية كما عكست الخطب الملكية بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب وعيد الشباب تحوّلات جوهرية تجاه تعزيز دور الشباب في المشروع الدستوري والسياسي والتنموّي للمغرب.

الشباب في سياق النموذج التنموي الجديد (2018–2024)

تميزت الخطب الملكية بمناسبة ذكرتي ثورة الملك والشعب وعيد الشباب خلال الفترة بين 2018 و 2022،  بتطور مطرد في الطرح والتحليل، حيث انتقلت من تحديد الاكراهات التي تواجهها فئة الشباب إلى الدعوات الصريحة لوضع إجراءات عملية لمواجهتها، مع ربط قضايا الشباب برهانات النموذج التنموي الجديد والعدالة المجالية.

في خطاب ثورة الملك والشعب ل 20 غشت 2018، وُصف جلالة الملك الشباب بأنهم “الثروة الحقيقية للبلاد”، وهي استعارة تعكس المكانة المحورية للشباب المشروع التنموي للمغرب. كما دعا الملك، في نفس الخطاب،  إلى وضع قضايا الشباب في صلب النموذج التنموي الجديد، من خلال دعوة الحكومة إلى إعداد استراتيجية وطنية مندمجة للشباب تهدف إلى النهوض بأوضاعهم على المستويات التعليمية والمهنية والاجتماعية والثقافية.

طبيعة هذا الخطاب كمجموعة خطب سابقة، حيث أبدى الملك أسفه لارتفاع معدلات البطالة وسط الشباب، محذرًا من ظاهرة هجرة الكفاءات إلى الخارج. وأكد أن معالجة هذه الإشكالات تتطلب إطلاق جيل جديد من مراكز التكوين والتأهيل المهني، وربط التكوين بسوق الشغل وبالمهن المستقبلية، مع الانفتاح على التعليم متعدد اللغات، خاصة في المجالات التقنية والعلمية. ولم يقتصر الخطاب على محور التشغيل والتكوين، بل وسّع النظرة لتشمل الانفتاح الفكري والارتقاء الذهني والصحي للشباب، معتبرًا أن هذه الأبعاد جزء أساسي من أي سياسة شبابية ناجعة.

في خطاب 20 غشت 2019، طفى على السطح ملف التكوين المهني كعنوان بارز لمعالجة قضايا الشباب، حيث جدد الملك التأكيد على أهميته في تأهيل الشباب، خصوصًا في العالم القروي، لتمكينهم من الاندماج في سوق الشغل. كما شدد على أن النهوض بالتكوين المهني أصبح ضرورة ملحة، ليس فقط لتوفير فرص شغل، وإنما كذلك لتأهيل المغرب لمواجهة تحديات التنافسية الاقتصادية ومواكبة التحولات العالمية.

في خطاب ثورة الملك والشعب، الذي جاء في سياق جائحة كوفيد-19، أي في 20 غشت 2020، تناول جلالة الملك قضية الشباب من خلال الإشارة إلى شمولية التحديات الصحية، حيث أكد الملك أن هذا الوباء لا يفرق بين سكان المدن والقرى ولا بين الأطفال والشباب والمسنين، في إطار إبراز الطابع الجماعي لمواجهة الجائحة. ورغم أن الخطاب لم يتوسع في السياسات الموجهة للشباب، فإن الرسالة الضمنية كانت تركز على ضرورة التضامن الوطني بين جميع الفئات.

أما خطاب 20 غشت 2022، فقد تناول بشكل رئيسي قضايا الجالية المغربية بالخارج، ومن ضمنها فئة الشباب من الأجيال الصاعدة. حيث ركز الملك على قوة الروابط الإنسانية والاعتزاز بالانتماء للوطن عبر الأجيال، متسائلًا عن مدى توفير السياسات العمومية للإطار التشريعي والآليات التي تراعي خصوصيات هذه الفئة، ومدى ملاءمة المساطر الإدارية لظروفهم، وأهمية توفير التأطير الديني والتربوي والمواكبة اللازمة لإنجاح مشاريعهم الاستثمارية بالمغرب.

من خلال هذه الخطب، يتضح أن السنوات الأخيرة شهدت تحولًا في تناول قضايا الشباب، من التركيز على التشخيص العام والتأكيد على مكانتهم كمحرك للتنمية، إلى الدعوة المباشرة لإجراءات عملية في مجالات التكوين، والتشغيل، والعدالة المجالية، وربط الكفاءات المغربية في الداخل والخارج بمسار التنمية الوطنية. كما أبرزت هذه المرحلة التحدي المستمر المتمثل في مواءمة السياسات العمومية مع تطلعات الشباب، في سياق التحولات الاقتصادية والاجتماعية العالمية.

خاتمة الموضوع:

إن المسار الزمني لخطب ثورة الملك والشعب 20 غشت وعيد الشباب تعكس انتقالًا محورية في اللغة السياسية لتناول قضايا الشباب، أي من لغة دلالية متمركزة حول مفردات الهوية والذاكرة الوطنية، إلى خطب مشمولة بالتشخيص الدقيق والأفق التنموي.

فمنذ 2011، اتخذت خطب المؤسسة الملكية بعدًا تحديثيا، ينتصر لقيم المشاركة والاستشارة، والتخطيط والابتكار والابداع والتطوير. وهو ما يفسر وجود رؤية رصينة تؤمن بفكرة التدرج وجوهرية  قضية الشباب، انتقلت من الرمزية إلى الفعل، ومن الرعاية إلى التمكين. هذه الرؤية باتت اليوم مشروطة بترجمة الخطاب إلى مؤسسات فاعلة وميزانيات كافية، مع إشراك الشباب في التخطيط والتنفيذ والتقييم.

*باحث في قضايا الشباب والسياسات العمومية

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى