
الهضرة عليك..كتدور أمول المطور!
- بقلم: الأستاذ رشيد فاسح //
في كل درب، حومة، زقاق أو حي مغربي، لا نسمع اليوم الا صوت محركات الدرجات النارية (ديال الشينوا) ومعها الجدل الدائر حول الدراجات النارية.
فبين من يراها شريان حياة ومصدر رزق، ومن يعتبرها مصدر فوضى وقلق، تظل الحقيقة أن “الهضرة عليك… كتدور أمول المطور!”.
هذا الجدل لا يخص فئة معينة، بل يمس حوالي 6.5 مليون فرد، أي ما يقارب خُمس سكان المغرب.
الدراجة النارية: حلم الشباب ومحرك الاقتصاد المجهض.
بالنسبة للكثير من الشباب، الدراجة النارية ليست مجرد وسيلة نقل، بل هي مشروع اقتصادي متكامل. فمن خلالها، يتمكنون من الانخراط في سوق العمل في الحرف والمهن الذاتية أو لدى الشركات والمقاولات ، وتوفير خدمات التوصيل السريع للمطاعم والمتاجر، وتسهيل مهامهم اليومية.
في مدن مثل مراكش، حيث تُقدر الدراجات النارية بالآلاف ، أصبحت هذه المركبات جزءًا لا يتجزأ من هويتها، وحلاً عمليًا لمشاكل الازدحام. تشير بعض التقارير إلى أن عدد الدراجات النارية في المغرب يتجاوز المليونين. وتشكل هذه الفئة من المركبات نسبة كبيرة من أسطول النقل الإجمالي في البلاد.
لكن، هذا الجانب الإيجابي لا يُخفي وجود تحديات كبيرة. فبعض الشباب افسدوا الدراجات النارية التي تُستخدم في أنشطة اجرامية للسطو المسلح بالسيوف والسكاكين وهي غير قانونية، مثل السرقة والاعتداءات، مما يثير مخاوف المواطنين ويدفع السلطات لاتخاذ قرارات صارمة.
غياب “دراسة الأثر”: أزمة في صناعة القرار
كما إن غياب “دراسة الأثر” (Impact Assessment) للقرارات العمومية يُعدّ من أكبر التحديات التي تواجه الإدارة المغربية الحديثة.
غياب التخطيط الشامل: لماذا لا تخضع القرارات لدراسة معمقة؟
غالبًا ما تتخذ القرارات الحكومية بشكل متسرع، استجابةً لضغوط معينة، دون النظر إلى الصورة الكاملة. هناك عدة عوامل تساهم في هذا النقص:
النهج الإداري القديم: بعض الهيئات الحكومية لا تزال تعتمد على نهج بيروقراطي يركز على التطبيق الحرفي للقوانين دون التفكير في تبعاتها الاجتماعية والاقتصادية. الهدف هو حل المشكلة الظاهرة، حتى لو كان ذلك على حساب فئات واسعة من المجتمع.
ضيق الوقت: غالبًا ما تفرض الأزمات أو الأحداث الطارئة اتخاذ قرارات سريعة، مما لا يترك الوقت الكافي لإجراء دراسات ميدانية شاملة واستشارة الأطراف المعنية.
غياب التنسيق: القرار المتعلق بالدراجات النارية، على سبيل المثال، قد يصدر من وزارة النقل، بينما يتجاهل الآثار المترتبة على سوق الشغل أو الأمن الاجتماعي، وهي مجالات تابعة لوزارات أخرى. هذا التنسيق الضعيف يؤدي إلى قرارات غير متوازنة.
ضعف المشاركة: غالبًا ما تُتخذ القرارات في غياب حوار حقيقي مع الأفراد والمهنيين الذين سيتأثرون بشكل مباشر، مما يؤدي إلى قرارات لا تعكس الواقع الميداني وتُولّد مقاومة شعبية.
تداعيات غياب دراسة الأثر: من المشكلة إلى الكارثة
إن عدم إجراء دراسات معمقة قبل اتخاذ القرارات يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث يتم التركيز على حل مشكلة معينة بطريقة تسبب مشاكل أخرى أكثر تعقيدًا:
اجتماعيًا: يمكن لقرار منع دراجة نارية معينة أن يحرم الآلاف من الشباب من مصدر دخلهم الوحيد، مما يؤدي إلى زيادة البطالة و الهشاشة الاجتماعية.
اقتصاديًا: تتأثر قطاعات بأكملها، مثل شركات التوصيل والخدمات اللوجستية، كما تتأثر التجارة المرتبطة بقطع غيار الدراجات وصيانتها.
أمنيًا: قد يؤدي تضييق الخناق على فئة مجتمعية كبيرة إلى شعورها بالتهميش، مما قد يدفع بعض الأفراد إلى ممارسة أنشطة غير قانونية.
الشرخ بين المواطن والدولة: القرارات التي تُعتبر “جائرة” أو “غير مفهومة” تُضعف الثقة في المؤسسات الحكومية، وتُعزز الشعور بأن القرارات لا تُتخذ لمصلحة المواطن، مما يؤدي إلى تباعد بين الشعب والإدارة.
باختصار، إن الأمر يتطلب تحولًا في نموذج صنع القرار، من النهج الإداري الصارم إلى نهج أكثر تشاركية، يأخذ في الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بهدف تحقيق التنمية الشاملة بدلاً من الحلول الجزئية.
الحل لا يكمن في المنع، بل في التنظيم
إن فرض قرارات جائرة بمنع أو تقييد الدراجات النارية لن يحل المشكلة، بل سيزيد من الأعباء الاجتماعية والاقتصادية على ملايين الأفراد تحت الظروف المعيشية المعقدة حاليا والتي تتسم بالتظخم والغلاء ونقص فرص الشغل . بينما الحل يكمن في إيجاد توازن عادل يجمع بين مصلحة المواطن والاحتياجات الأمنية.
كاميرات المراقبة: الحل الأمني لا يكمن في عقاب الأغلبية، بل في تحديد الجناة. يمكن أن تلعب كاميرات المراقبة دورًا حاسمًا في ذلك، فهي تعمل كأداة ردع وتساعد في تحديد هوية مرتكبي الجرائم. فبدلًا من أن “حوتة تخنز الشواري”، يمكن لكاميرات المراقبة أن تفصل بين الجاني والبريء.
محاسبة المستوردين والجمارك: يجب على السلطات فرض رقابة صارمة على الدراجات النارية المستوردة، ومقارنة مواصفاتها الفعلية بالمواصفات المكتوبة، وبدفتر التحملات كما أن تحيد السرعة لايمكن أن يحل المشكل من الجانب التقني عند ركوب شخصين أو أكثر فما ينطبق على سيارة ينطبق على دراجة نارية عادية أو كبيرة، ومحاسبة كل من يتلاعب بالمعايير صعب للغاية.
التوعية والتحسيس: يجب تكثيف حملات التوعية حول مخاطر السرعة والقيادة المتهورة، وتشجيع السائقين على الالتزام بالقواعد المرورية.
في نهاية المطاف، إن المشكلة ليست في الدراجة النارية نفسها، بل في طريقة التعامل معها. فالمجتمع المغربي بحاجة إلى حلول مستدامة تضمن أمن وسلامة الجميع، دون المساس بحقوق من يعتمدون على هذه المركبة في حياتهم اليومية

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News