
الإصلاح: معركة الصخر لا نزهة الحرير..
- بقلم: رشيد فاسح //
(الإصلاح) في كل مجالات الحياة مفردة في عمقها تغرق المحيطات، وفي طياتها تتقاطع المصالح، وتتغير الأساليب، آليات المقاومة.
يعتقد البعض أن الإصلاح عملية سهلة ويسيرة، أو أنه مجرد قرار يصدر من أعلى وينفد في الأسفل ، فتتبدل وتتغير الأوضاع بين عشية وضحاها.
لو كان الأمر كذلك، لكانت مسيرة الأنبياء والرسل أيسر مما وصلنا في سيرهم معاناتهم للإصلاح وتغيير الاوضاع، ولما عانوا ما عانوه من أجل إيصال رسالاتهم.
لقد ضربوا أروع الأمثلة على أن الإصلاح الحقيقي لا يُولد من رحم الراحة، بل من كبد المعاناة وأحيانا كثيرة بالتضحية، والصبر، والمثابرة التي لا تعرف الكلل أو التراجع فمقابل رياح الإصلاح جدران المقاومة والممانعة.
إن الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي وحتى الديني ليس نزهة في حديقة، بل هو معركة صعبة، تشبه النحت في الصخر.
إن الصعوبة لا تكمن في الفكرة بحد ذاتها، بل في طبيعة النفس البشرية والمجتمعات، التي غالبًا ما تشكل ما يمكن تسميته بـ “ائتلاف جيوب المقاومة”. هذا الائتلاف ليس بالضرورة مجموعة منظمة بشكل رسمي، بل هو شبكة من الأفراد والمؤسسات والأنظمة التي تتقاطع مصالحها في معارضة التغيير.
من هم أعضاء هذا الائتلاف؟
المصالح المادية: وهي أقوى جيوب المقاومة. تشمل المسؤولين الذين يستفيدون من الفساد الإداري، وأصحاب الإحتكار والمصالح الاقتصادية، وأي جهة تحصل على امتيازات خاصة.
هؤلاء يمثلون قوى خفية تعمل لعرقلة أي إصلاح يهدد مصدر دخلهم غير المشروع أو امتيازاتهم.
المقاومة الفكرية والثقافية: وتتمثل في التيارات المحافظة التي ترفض أي تغيير لأنه يعتبر “خروجًا عن المألوف”، بالإضافة إلى الخوف الطبيعي من المجهول. هذه المقاومة تستغل الشعارات الزائفة كـ “الحفاظ على الهوية” لتبرير رفضها للإصلاح، بينما الهدف الحقيقي هو التمسك بالجمود.
لماذا ينجح هذا الائتلاف أحيانًا؟
يعمل هذا الائتلاف على عدة مستويات لإفشال جهود الإصلاح. يستخدمون الإعلام الموالي لتشويه صورة الإصلاحيين، وينشرون الشائعات لتثبيط العزائم، كما يمارسون الضغط السياسي والمالي لعرقلة التشريعات. كل ذلك يهدف إلى إيهام المجتمع بأن الإصلاح يؤدي إلى الفوضى، أو أنه غير ممكن.
عدم ترك الساحة فارغة.. مفتاح الانتصار
هنا تبرز أهمية الفكرة المحورية التي يجب أن نتبناها: “عدم ترك الساحة فارغة”. إذا كان الإصلاح معركة، فإن التراجع عن ساحتها يعني الهزيمة. عندما يتوقف المصلحون عن جهودهم ويخرجون تباعا من معارك السياسة والإقتصاد والثقافة والمجتمع المدني، فالساحة لا تبقى خاوية فقط، بل يملؤها الفساد والمتخاذلون.
هذا ما تعلمنا إياه كل التجارب الإصلاحية عبر التاريخ. النجاح لم يكن نتيجة انتصار ساحق في معركة واحدة، بل نتيجة سلسلة من المعارك الصغيرة، والجهود المتراكمة، والضغط المستمر.
الإصلاح يشبه النحت في الصخر؛ يتطلب ضربات متكررة ودقيقة حتى تظهر الصورة النهائية.
إن الاستمرار في المحاولة، حتى في ظل أصعب الظروف، هو بحد ذاته فعل إصلاحي. إنه يبعث الأمل في النفوس، ويشجع الآخرين على الانضمام، ويخلق تيارًا لا يمكن إيقافه على المدى الطويل. كما قال الشاعر: “لا شيء يُصلِحُ من الأخطاء إلا المحاولة”.
وختاما وليس للموضوع نهاية، الإصلاح ليس نزهة في حديقة ورافة الظلال وعذبة المياه، بل هو تسلق لجبل شاهق في مواجهة رياح عاتية.
وتساقط ضخور واحيانا جلاميد من عل، يتطلب الأمر قوة، وعزيمة، وإيمانًا عميقًا بالهدف، والأهم من ذلك: عدم الاستسلام، وعدم ترك الساحة فارغة. لأن في ذلك الاستمرار، يكمن الانتصار الحقيقي.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News