
ثلوت الموانئ : النفايات البحرية… أين تذهب زيوت السفن المستعملة؟
- أكادير : ذ. رشيد فاسح //
في قلب ميناء أكادير، شريان الإقتصاد البحري للمملكة، تكمن معضلة قانونية وبيئية خطيرة، تتجاهلها الأعين الرقابية، لكن آثارها تلوث مياهنا الإقليمية وتؤثر على ثروتنا السمكية. يتعلق الأمر بملف “الزيوت البحرية المستعملة” التي تنتجها سفن الصيد، والتي اختفت من السجلات الرسمية دون أن تُجمع أو تُعالج.
النقطة الأساسية في هذا الموضوع لا تحتاج إلى خبير بيئي أو مفتش خاص؛ إنها حقيقة علمية وقانونية بسيطة: كل محرك ديزل، سواء كان في سفينة صيد أو شاحنة أو سيارة، ينتج حتمًا زيوتًا مستعملة. هذه النفايات، بمختلف أنواعها (زيت المحرك، الزيت الهيدروليكي، زيت ناقل الحركة)، تُصنف قانونًا على أنها “نفايات سائلة خطرة” يجب التعامل معها بحذر شديد.
إذا كان إنتاج هذه الزيوت أمرًا لا مفر منه، وكانت السجلات الرسمية لجهات الجمع تؤكد أن كمية الزيوت المجمعة من سفن الصيد في الميناء “صفر لتر”، فالسؤال يطرح نفسه بقوة: أين تذهب هذه الكميات الهائلة من النفايات؟ الإجابة المحتملة لا تخرج عن احتمالين، كلاهما جريمة يعاقب عليها القانون.
الاحتمال الأول: أن يتم التخلص منها بطريقة عشوائية، عبر تصريفها مباشرة في البحر. هذه الممارسة ليست فقط مخالفة بيئية خطيرة، بل هي انتهاك للقوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية التي تحمي البيئة البحرية.
الاحتمال الثاني: أن تُباع بشكل غير قانوني في السوق السوداء. هذا يعني وجود “تجارة غير مصرح بها للنفايات الخطرة”، وهو ما يشكل جريمة جنائية تؤثر على الصحة العامة والسلامة البيئية.
إن هذه “القصة البوليسية” البيئية تحتاج إلى تحقيق قانوني عاجل. ووفقًا لقوانيننا، فإن المسؤولية تقع على عاتق عدة جهات.
من يملك الحق في مقاضاة المتورطين؟
القانون المغربي يعطي الحق في رفع دعوى قضائية لكل من:
الدولة: ممثلة في وزارة الانتقال الطاقي أو وزارة الصيد البحري، التي تُعنى بالحفاظ على البيئة والموارد البحرية.
سلطات الميناء: وعلى رأسها قيادة الميناء والوكالة الوطنية للموانئ (ANP)، التي تملك سلطة الشرطة القضائية داخل الميناء.
النيابة العامة: التي يمكن أن تفتح تحقيقًا بناءً على إخطار أو شكوى.
الجمعيات البيئية: حيث يمنحها القانون الحق في رفع دعوى قضائية باسم المصلحة العامة لحماية البيئة.
ضد من يجب توجيه الاتهام؟
بما أن الأدلة المباشرة “لكل سفينة” غير متوفرة، فإن الاستراتيجية القانونية الأكثر فعالية هي:
شكوى “ضد مجهول”: لفتح تحقيق جنائي حول التلوث البحري، وهذا يضع السلطات المعنية تحت ضغط البحث عن الفاعل.
ضد جمعيات مالكي السفن: باعتبارها مسؤولة بشكل مباشر عن إدارة نفايات السفن التي تديرها.
ضد سلطات الميناء: في حالة ثبوت تقصيرها في المراقبة والإشراف.
إن الهدف من هذه الملاحقة القانونية ليس معاقبة الصيادين الأفراد، فغالبًا ما لا يجدون أي بديل قانوني للتعامل مع نفاياتهم. الهدف الحقيقي هو إجبار السلطات المعنية على تحمل مسؤوليتها وتفعيل آليات المراقبة، ووضع نظام إلزامي لجمع الزيوت المستعملة، كما ينص عليه القانون 28-00 الذي سيتم تعديله قريبًا ليفرض على كل المنشآت الصناعية التعامل مع نفاياتها الخطرة بشكل آمن.
إنها دعوة للتحرك قبل أن تطفو آثار هذا التلوث على سطح البحر، وتكشف عن حجم كارثة بيئية لا يمكن التغاضي عنها.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News