الرأيالسياسة

الإشاعة السياسية: سلاح مدمر بين وأد الحياة الشخصية والانتقام السياسي

  • بقلم الأستاذ رشيد فاسح //

في عالم السياسة، حيث يفترض أن تسود الأفكار والحجج، تتسلل أحيانًا أدوات أكثر ظلمة وفتكًا، منها الإشاعة التي لا تكتفي بتشويه السمعة، بل تمتد لتدمير الحياة الشخصية للأفراد، فتقضي على كرامتهم وتفقدهم ثقة المجتمع. في المغرب، هذه الظاهرة ليست مجرد حوادث عرضية، بل أصبحت استراتيجية متكررة تُستخدم في الانتقام السياسي، ما يطرح أسئلة خطيرة حول أخلاق العمل السياسي ومدى احترام حقوق الإنسان.

الإشاعة، بما هي رسالة مغلوطة أو ملفقة تنتشر بين الناس بسرعة، تملك قوة مدمرة تفوق أحيانًا تأثير الحقيقة. فهي تهدم سمعة الإنسان بسرعة، وتزرع الشكوك في نفسه وفي المحيطين به. وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي، تسود ظاهرة الانتشار السريع وغير المحقق، حيث تنتقل الشائعة من شخص إلى آخر بشكل لا يمكن السيطرة عليه، فتتحول إلى حقيقة مزيفة يتداولها الجميع دون تمحيص.

للأسف، أصبح كثيرون ضحايا هذه الظاهرة، حيث ينسحبون من الحياة الاجتماعية والسياسية نتيجة الضغط النفسي والاجتماعي. لقد رأينا كيف تلعب الإشاعات دورًا مؤثرًا في تدمير حياة شخصيات سياسية وحقوقية واجتماعية، ليس فقط بتشويه سمعتهم، بل بإيذاء أسرهم وأصدقائهم، مما يحولها إلى نوع من “القتل الاجتماعي” الذي لا يرحم.

لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد. الإشاعة باتت أداة استراتيجية في السياسة المغربية، تُستخدم كوسيلة للانتقام والتصفية. فحين يعجز البعض عن منافسة الخصم بالبرامج أو الأفكار، يلجؤون إلى زرع الشائعات الملفقة عن حياته الشخصية، سواء في حياته الأسرية أو المسائل الأخلاقية، بهدف إضعاف موقفه أمام الرأي العام.

وهذا السلوك السياسي المدان لا يضر فقط بالمعنيين، بل يشوه المشهد السياسي برمته ويبعده عن جوهره الحقيقي.
وسائل الإعلام الإلكتروني، التي من المفترض أن تكون منبرًا للحقائق والمعلومات، للأسف تشكل أحد أبرز أسباب انتشار الإشاعة في المغرب.

الكثير من المواقع والصفحات على شبكات التواصل لا تتحرى الدقة ولا تحترم قواعد المهنة الإعلامية، فتكتفي بنشر ما يصلها دون تدقيق، وغالبًا دون منح الطرف الثاني فرصة الرد أو التصحيح. هذا الأمر يفاقم الأزمة ويزيد من شيوع الأخبار الكاذبة التي قد تؤدي إلى تدمير حياة الأفراد.

وبحسب دراسات محلية، يشكل الإعلام الإلكتروني حوالي 70% من مصادر المعلومات التي يعتمد عليها المواطن المغربي في متابعة الأخبار السياسية والاجتماعية.

هذا الحجم الكبير من التأثير يحمل مسؤولية ضخمة على عاتق هذه الوسائط، إذ يجب أن تُراعى الأخلاقيات المهنية، وأن تُعتمد معايير دقيقة في التحقق من الأخبار، خاصة تلك التي تمس الأفراد وسمعتهم.

لحماية الحياة الخاصة، يجب اللجوء إلى الأطر القانونية الصارمة التي تجرّم نشر الإشاعات وتحد من تفشيها، وذلك عبر محاكمة كل من يثبت تورطه في الترويج للأخبار الزائفة والافتراءات، بغض النظر عن مكانته السياسية أو الاجتماعية.

إن عدم تطبيق هذه القوانين بحزم يُشجع على المزيد من الانتهاكات، ويقوّض ثقة المواطنين في المؤسسات العدلية والقضائية.

إلى جانب الجانب القانوني، يجب أن يلعب المجتمع المدني والإعلام المهني دورًا حيويًا في محاربة هذه الظاهرة. المجتمع المدني قادر على إطلاق حملات توعية تستهدف مختلف الفئات، لترسيخ ثقافة التحقق وعدم الانجرار وراء الأخبار المغلوطة، بينما يتحمل الإعلام مسؤولية كبيرة في التحقق قبل النشر، وفي منح كل طرف حق الرد.

كما يقع على عاتق المواطن نفسه دور مهم. ينبغي على كل فرد أن يتحلى بالوعي والموضوعية، وألا يساهم في نقل الشائعات أو نشرها، مهما كان مصدرها، إلا بعد التأكد من صحتها. هذا الوعي هو خط الدفاع الأول ضد تفشي الإشاعة وتأثيرها المدمر.

في الختام، لا يمكن لنا أن نأمل في مجتمع سياسي نزيه ونظيف، ما دامت ثقافة الإشاعة والافتراء مستمرة في التمدد والانتشار. حماية الحياة الشخصية وكرامة الإنسان ضرورة لا ترفًا، بل ركيزة أساسية لأي مجتمع يحترم حقوق أفراده ويريد بناء مؤسساته على أسس متينة من الثقة والشفافية.

إذن، علينا أن نعمل جميعًا – قانونيًا، إعلاميًا، ومجتمعيًا – لقطع الطريق على الإشاعة، وإعادة السياسة إلى ما ينبغي أن تكون عليه: فضاءً للأخلاق والحوار البناء.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى