أكادير اليومالرأي

رشيد فاسح يكتب : أعداء المدينة..

يخطئ من يظن أن أعداء المدينة هم جيوش تتربص بها على الحدود أو قوى خارجية تسعى لإضعافها. في الواقع، إن أخطر الأعداء هم الذين يسكنون بيننا، يتنفسون هواءها، ويمشون في شوارعها. هؤلاء هم من يزرعون بذور التخريب والإحباط، ويقوضون من الداخل كل جهد نبيل يهدف إلى بناء مجتمع حضري مزدهر.

إنهم أعداء المدينة الحقيقيون، الذين لا يحملون السلاح، بل يحملون الكراهية واللامبالاة والحقد في قلوبهم.

عندما يُذكر “أعداء المدينة”، فإن ذلك غالبًا ما يشير إلى فترة تاريخية محددة في الإسلام، وهي فترة تأسيس المدينة المنورة في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. في هذه الفترة، واجه المسلمون في المدينة أعداءً من الداخل والخارج.

1) قريش والمشركون في مكة: العدو الخارجي الأبرز
2) اليهود: العدو الداخلي الذي نقض العهود
3) المنافقون: العدو الخفي الأكثر خطورة.

من هو عدو المدينة ؟ إنه الغريب في وطنه

أعداء المدينة ليسوا فئة واحدة متجانسة، بل هم خليط من الأفراد الذين يشتركون في سمة أساسية: الشعور بالغربة عن مدينتهم. هذا الشعور ليس بالضرورة غيابًا جسديًا، بل هو غياب معنوي ونفسي.

الفرد يرى في المدينة فضاءً لا ينتمي إليه، لا يمثل قيمه، ولا يلبي طموحاته، فيتحول إلى غريب في وطنه، وأجنبي في مدينته.

هذا الإحساس بالغربة هو المحرك الرئيسي لكل السلوكيات التخريبية التي نشهدها. عندما يرى الفرد حديقة عامة، لا يراها امتدادًا لبيته، بل يراها شيئًا لا يخصه، ولذلك لا يتردد في رمي النفايات فيها أو تخريب مقاعدها.

هذه الأفعال ليست مجرد إهمال، بل هي تعبير عن غضب دفين، وتفريغ لشعور عميق بعدم الانتماء واللامبالاة.

التخريب المادي: إفراز لمرض اجتماعي

تتجلى العداوة في عدة مظاهر مادية ملموسة. تلويث الشواطئ والحدائق ليس مجرد فعل عابر، بل هو رسالة واضحة مفادها أن الفضاء العام ليس ذا قيمة.

تخريب الأثاث العمومي من مصابيح الشوارع إلى مقاعد المنتزهات، يمثل هدمًا متعمدًا لما هو جميل ومفيد للجميع.

هذه الأفعال تكلف المدينة أموالاً طائلة لإصلاحها، وهذه الأموال كان يمكن أن تُستخدم في بناء مدارس أو مستشفيات أو مكتبات، مما يجعل التخريب هدمًا للمستقبل وليس مجرد تلف للممتلكات.

إلى جانب هذه السلوكيات، هناك عداء للمشاريع التنموية الكبرى.

يرفضون أي مشروع يهدف إلى تحسين البنية التحتية، مثل توسيع الطرق أو بناء شبكات نقل حديثة، بحجة أنه “إهدار للموارد” أو “تهديد للهوية”.

لا يدركون أن المدن الحديثة لا يمكن أن تزدهر دون بنية تحتية قوية وفعالة.

التخريب المعنوي: أخطر من أي سلاح

أما أخطر أعداء المدينة فهم الذين يمارسون التخريب المعنوي. هؤلاء هم من يتبنون مواقف سلبية بشكل دائم، وينشرون الإحباط بين الناس.

1. النقد السلبي والهدام: ينتقدون كل شيء دون تقديم حلول. ينتقدون الفنانين، والمهندسين، والمسؤولين، والمواطنين، ويرون في كل جهد إيجابي مؤامرة أو فشلًا محتومًا. هذا النقد لا يهدف إلى الإصلاح، بل إلى تثبيط العزائم وإطفاء شعلة الأمل.

2. كراهية الفنون والجمال: ينظرون إلى الفن والإبداع على أنهما تهديد لقيمهم المحافظة. قد يهاجمون الجداريات الجميلة، أو يطالبون بمنع المعارض الفنية، أو يشككون في أي مبادرة تهدف إلى تجميل المدينة. بالنسبة لهم، الجمال والتقدم هما مرادفان للانحلال والضياع.

3. الانغلاق الاجتماعي: يرفضون التنوع الثقافي والاجتماعي الذي يميز المدن الكبرى. قد يطلقون الشائعات ضد الوافدين الجدد، أو يحاولون عزل مجتمعاتهم عن بقية أجزاء المدينة.

هذا الانغلاق يفتت النسيج الاجتماعي، ويُقوض روح التعايش، ويحول المدينة إلى مجموعة من الجزر المعزولة بدلًا من أن تكون مجتمعًا متماسكًا.

المواجهة: مسؤولية جماعية

مواجهة هؤلاء الأعداء تتطلب استراتيجية شاملة. لا يمكن أن ينجح الإصلاح إذا اقتصر على الجانب المادي فقط. يجب أن نبدأ بمعالجة الأسباب الجذرية، وهي شعور الفرد بعدم الانتماء.

1. التعليم والتوعية: يجب أن نغرس في الأجيال الصاعدة قيمة الانتماء للمدينة. على المدارس والمؤسسات الاجتماعية أن تلعب دورًا محوريًا في تعليم الأطفال والشباب أن المدينة هي بيتهم الكبير، وأن الحفاظ عليها هو مسؤولية جماعية.

2. تعزيز المشاركة المجتمعية: عندما يشارك الأفراد في عملية صنع القرار، ويكون لهم صوت مسموع، فإن شعورهم بالملكية والانتماء يزيد. إشراكهم في مشاريع تنظيف الأحياء أو تجميل الحدائق يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا.

3. تغيير السردية: يجب أن نتوقف عن التركيز على النقد السلبي، وأن نسلط الضوء على الإيجابيات والمبادرات الناجحة. على وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية أن تُعزز السردية الإيجابية، وأن تُظهر الجانب المشرق من الحياة في المدينة.

في النهاية، أعداء المدينة الحقيقيون لا يمكن التغلب عليهم إلا بالوعي الجماعي والشعور العميق بالمسؤولية. فلنعمل جميعًا على أن نكون حماة لمدننا، لا أعداء لها.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى