الجهة اليوم

شاطئ الوطية: هدم خيمة صحراوية من طرف رجل سلطة يخلق جدلا واسعا بالسمارة

  • متابعة : سيداتي بيدا //

تعيش مدينة السمارة، ومعها الرأي العام المغربي، على وقع جدل واسع أثارته حادثة تحمل في ظاهرها بساطة، لكنها في جوهرها تكشف خللًا عميقًا في تدبير السلطة. فقد اضطر الشاب ميسارة الزين رفقة أصدقائه إلى مغادرة حرارة السمارة المفرطة والتوجه نحو شاطئ الوطية، المتنفس الطبيعي لسكان المنطقة، حيث نصبوا خيمة صحراوية تقليدية تجسد عمق الثقافة المحلية وممارسة اجتماعية أصيلة مرتبطة بالهوية الصحراوية.

غير أن هذا الفعل البسيط تحوّل إلى قضية رأي عام بعدما تدخل أحد رجال السلطة بالمنطقة بشكل مفاجئ وأقدم على هدم الخيمة، في خطوة أثارت استياءً واسعًا، واعتبرها العديد من أبناء المنطقة مخالفة للقانون. فالدستور المغربي نصّ صراحة على أن السكن حق مقدس لا يجوز انتهاكه، كما أن القانون الجنائي يُسوي بين البيت والخيمة الصحراوية باعتبارها مأوى وسكنًا لا يُسمح باقتحامه أو هدمه إلا وفق مساطر دقيقة ومشددة.

هذه الواقعة، وفق ما عبر عنه شهود عيان وسكان المنطقة، قد تُدرَج ضمن ما يُصطلح عليه قانونيًا بـ الشطط في استعمال السلطة، وهو مفهوم راسخ في الفقه والقضاء الإداري ويُعتبر خرقًا مباشرًا لمبدأ الشرعية الذي يُلزم الإدارة باحترام الحقوق الدستورية. فالقوانين الإدارية وُضعت لتأطير العمل الإداري وحماية المواطنين، لا لفتح المجال أمام قرارات فردية متعصبة أو متعسفة تمس بمكتسبات الدولة في مجال حقوق الإنسان.

الأمر لا يتوقف عند حادثة محلية، بل يطرح تساؤلات كبرى عن مدى احترام بعض المسؤولين الإداريين للحدود القانونية في ممارسة السلطة. وهنا تكمن الخطورة: تشويه صورة المغرب داخليًا وخارجيًا، خصوصًا وهو مقبل على تنظيم تظاهرات دولية كبرى مثل كأس العالم، حيث ستكون عدسات الإعلام الدولي متجهة إلى تفاصيل الحياة اليومية. فواقعة كهذه قد تُقدَّم على أنها تعكس ازدواجية بين نصوص قانونية رائدة وممارسات ميدانية لا ترقى إلى مستوى تلك النصوص.

حادثة الشاب ميسارة الزين تجاوزت حدودها الفردية لتتحول إلى موجة تضامن واسعة، انطلقت من الأقاليم الجنوبية لتشمل مغاربة من مختلف المدن. والرسالة التي يوجهها المواطنون واضحة: المشكل لا يكمن في الدستور أو القوانين، بل في طريقة تنزيلها من طرف بعض المسؤولين الذين يُسيئون فهم السلطة ويستعملونها في غير موضعها.

إن ما وقع في الوطية يكشف الحاجة الملحّة إلى إعادة ضبط معايير ممارسة السلطة المحلية وفقًا لروح الدستور والقانون الإداري. المطلوب اليوم هو تفعيل الرقابة الصارمة وربط المسؤولية بالمحاسبة كما نص عليه دستور 2011، حتى لا تُختزل السلطة في قرارات فردية متعصبة قد تُسيء للوطن أكثر مما تخدمه.

وفي الختام، يجدر التذكير بأن ما ورد في هذا المقال يُعبر عن رأي عام محلي واستقراء قانوني عام، أما البت النهائي في مدى قانونية ما جرى فيبقى اختصاصًا أصيلًا للسلطات القضائية المختصة.

* سيداتي بيدا: عضو الاتحاد الدولي للصحافة العربية

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى