تافراوت : ندوة علمية حول العالم القروي بالمغرب، الممارسات الثقافية والتحولات القيمية..

في إطار أشغال الجامعة القروية محمد خير الدين، وضمن فعاليات مهرجان تيفاوين، احتضن مركز جماعة أملن يوم السبت 9 غشت 2025 ندوة علمية موسومة بعنوان “العالم القروي بالمغرب، الممارسات الثقافية والتحولات القيمية”، بمشاركة نخبة من الأساتذة الباحثين: إبراهيم أوبلا، أحمد عصيد، عزيز ياسين، ونور الدين تيلمتا. وتوزعت أشغال الندوة على أربعة محاور رئيسة، عكست عمق التحولات الاجتماعية والثقافية التي يشهدها العالم القروي المغربي، خاصة في منطقة سوس.

في المداخلة الأولى، تناول الأستاذ إبراهيم أوبلا محور “العوائق والمشكلات التي تهدد الفنون القروية: أحواش نموذجا”، حيث توقف عند نوعين من الإكراهات: داخلية تمثلت في تراجع اهتمام الأمازيغ بتراثهم الفني وتقلص نقل هذا التراث إلى الأجيال الجديدة، وخارجية تجلت في تأثير الفنون العصرية التي ساهمت في تهميش الفنون التقليدية لدى الأجيال الجديدة، إضافة إلى تأثيرات الهجرة والمد الإيديولوجي وربط هذه الفنون بالفلكلرة السياحية مما أفقدها طابعها الأصيل.

وقد ختم مداخلته بجملة من المقترحات، أهمها ضرورة العناية المؤسساتية بالفنون القروية، وتشجيع البحث العلمي الجاد في الفن الأمازيغي.

أما الأستاذ أحمد عصيد، فقد استهل مداخلته “القيم القروية” بالتأصيل لمفهوم “القراوانية”، مبرزا التحولات التي عرفتها العلاقة بين المدينة والقرية، حيث أضحى التداخل بين نمطي العيش في الفضاءين أمرا واقعا، يصعب معه الفصل بينهما.
كما تناول خصوصيات الحياة القروية المرتبطة بالدورة الزراعية، مستعرضا عددا من القيم القروية الأصيلة التي كانت سائدة، وعلى رأسها: التضامن (تيويزي)، تقسيم العمل، والتوارث القيمي بين الأجيال، مع الإشارة إلى تآكل بعضها بفعل العوامل الاجتماعية والاقتصادية الحديثة.

من جهته، سلط الأستاذ عزيز ياسين الضوء عل موضوع “التشريع القروي أو فقه البادية” من خلال تتبع مسار تاريخ البحث الأجنبي في موضوع القرية، مركزا على دراسة العرف القروي، باعتباره منظومة تنظيمية محلية، الذي يتميز بواقعيته، وارتباطه الوثيق بالحياة اليومية للناس، مما يجعله إطارا مرنا يعكس حاجات المجتمع القروي وتطلعاته، ويشكّل أساساً لفهم العلاقة بين القانون الرسمي والمنظومات العرفية المحلية.

في ختام الندوة، تناول الأستاذ نور الدين تيلمتا محور “جوانب من المعرفة الطبية والممارسات العلاجية في سوس الجبل”، حيث أبرز أهمية الاشتغال على تاريخ العلوم في المجال الأمازيغي، مخصصا الحديث للمعرفة الطبية في سوس الجبلي، ومظاهرها في الزوايا والمراكز العلمية. كما تطرق إلى المخطوطات الطبية المحلية وممارسات التداوي التقليدي، موضحا أهم العوامل التي ساهمت في صقل تجربة علمية متميزة.

 

وقد توجت هذه الندوة بجملة من التوصيات المهمة، جاءت كالتالي:

• خلق سياقات بديلة موازية لمختلف التحولات التي يشهدها العالم القروي؛
• توفير فرص الشغل في البادية وتعزيز اقتصادها المحلي؛
• الارتقاء بأدوار التنشئة الاجتماعية القروية؛
• تدخل الدولة لخلق تمييز إيجابي لصالح ساكنة القرى؛
• تعبئة المجتمع المدني للاهتمام المتزايد بقضايا القرية.

لقد شكلت هذه الندوة العلمية محطة فكرية هامة لفتح نقاش عميق حول واقع العالم القروي المغربي، وساهمت في إبراز الحاجة الماسة إلى مساءلة الممارسات الثقافية وتحولات القيم في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة. كما أكدت على ضرورة بلورة رؤية تنموية شاملة ومنصفة، تراعي الخصوصيات المحلية، وتثمّن الرأسمال الثقافي القروي بوصفه رافعة حيوية لتحقيق التنمية المستدامة.