
إنزݣان، الحنين إلى الفوضى …
لا أحد يجادل في الطابع التجاري لمدينة إنزݣان، صحيح أنها لها تاريخ اجتماعي وثقافي مهم، لكنها عُلٌَت(أصابتها علة) بعدوى التجارة والاقتصاد ونسيت تاريخها الفني والثقافي، فأصبحت أرض تنتج التجار بالكثرة ولا تنتج الفنانين والمثقفين الا بمخاض قيصري .
عموما هذا نقاش بعيد عما أريد التعرض له في مقالي هذا، فالثقافة ليست هي موضوع الساعة في إنزݣان.
لكن اريد ان اتحدث عن مظاهر الفوضى التي تميز سوق انزݣان طوال هذا الاسبوع، باعة متجولون في كل طرف من أطراف مركز المدينة، يعرقلون سير السيارات احيانا، والراجلين دوما، يحتلون كل متر استراتيجي في جنبات السوق ليصدق عليهم القول، بين بائع متجول وصاحب فراشة يوجد بائع متجول او صاحب فراشة.
ومنذ مدة طويلة لم تشهد المدينة هذا العبث الفوضوي بهذه الكيفية الفجة، ولأنني مدفوع بفيروس البحث عن ماوراء الأشياء فأظن أن في الأمر شيء من حتى .
ان الحدث ليس بالعادي، ويغري للبحث في ملابساته، لماذا الأن وفي هذه الظرفية المتأزمة يُسمح لأصحاب الفراشة بغزو المدينة بدون حسيب ولا رقيب، ولا نية في الضرب بيد من حديد، لمن عادوا ليحتلوا الملك العام من جديد ؟
أرى في الأمر تصريف لأزمة بنيوية في الاقتصاد الوطني، الاقتصاد الذي وصفه الأستاذ عمر الكتاني بأنه غير مدفوع للتشغيل، خاصة وأن البطالة تفاقمت مع تبعات ما بعد الكوفيد، أضف الى هذا وذاك الأزمة الاقتصادية وتراجيديا غلاء الاسعار.
ان مواجهة هذا المد الجارف لهو مخاطرة بالنظام العام، وهو تحيين للحظة النهاية والحسم والمواجهة بين أفواه تبحث عن لقمة عيش ولو كانت خبز حافي، وبين مؤسسة تبحث بكل ما تملك من أجهزة وقوى مادية وإديولوجية على تنظيم ومأسسة الفعل الاجتماعي والاقتصادي.
فما يُرى على أنه فوضى، فهو فوضى خلاقة، فوضى منظمة تساعد على التنظيم، لحظة كانت دائما ما تؤجل، لكن بلغ السيل الزبى ولم يعد هناك متسعا للهرب، الناس تحتاج موارد رزق تساعدها على تحمل تكاليف العيش والبقاء على قيد الحياة.
لكن إلى متى سيظل الوضع على تلك الحال، هذا هو السؤال في نظري، هل سنشهد عودة قوية للباعة المتجولين بعد أن تناقصت اعدادهم بفضل الحملات التي كانت تشن لتحرير الملك العام؟ أم أن هاجس التحرير سيدفع القوات العمومية الى ممارسة سلطتها؟ وإن فعلت، هل ستمر أفعالهم مرور الكرام في جو محتقن يتكبد فيه الضعيف مأساة الموت السريري أمام غلاء المعيشة وتغول المطالب ؟
إن الإشكال عميق على المستوى السوسيولوجي، وينبغي توظيف مقاربة تشاركية مع هؤلاء الباعة إن أرادت قوى السلطة سل الشوكة بدون دم، الأمر الذي استشعر صعوبته في الظرفية الحالية .

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News