الثقافة

مبارك حنون : إن تدريس اللغة الأمازيغية لا ينبغي النظر إليه بمنطق البقال والعطار..

استضفت مجلة نبض المجتمع بتعاون مع المجلس الجماعي لأكادير، الدكتور مبارك حنون بمناسبة صدور كتابه بعنوان “تجربة إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التربية بجهة سوس ماسة درعة من 2003 إلى 2010” وذلك يوم السبت 15 أبريل 2023 بقاعة سينما صحراء.

أدار اللقاء مدير مجلة نبض المجتمع الحسن باكريم وقدم الدكتور الحسين بويعقوبي قراءة موفقة وجيدة في مضمون الكتاب معززة بعدد من الملاحظات والأسئلة، كما ساهم عدد من الحاضرين بمداخلات في الموضوع والكتاب، أعقبتها كلمة رزينة وشاملة لمبارك حنون صاحب الكتاب عنونها ب “الملابسات المتجددة لتدريس اللغة الأمازيغية”..ننشر الكلمة كاملة تعميما للفائدة:

أود في بداية هذه الجلسة من أواخر شهر رمضان الفضيل أن أتوجه بالشكر الجزيل إلى الإخوان في جماعة أكادير على دعم تنظيم هذا اللقاء المعرفي حول كتابي “تجربة إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التربوية بجهة سوس ماسة درعة” راغبا في أن نتقاسم جميعا أفكارا ومشاعر وهموما وطنية في أفق تحويلها إلى قوة مادية تصحح المسار اللغوي وتجند للانخراط فيه كل الفعاليات المجتمعية.

كما أتوجه بالشكر إلى زميلي العزيز لحسن باكريم ممثلا لمجلة “نبض المجتمع” على حرصه على التعريف بنوعية تدبير ملف اللغة الأمازيغية وبمجمل الملابسات الوطنية والجهوية التي أحاطت به.

والشكر موصول إلى الأستاذ الحسين بويعقوبي على تفضله بالقيام بقراءة استعراضية واستكشافية ونقدية لهذا العمل. وبنفس القدر من الاحترام والتقدير أحيي الجمهور الحاضر على حضوره النوعي ومشاركته المنتظرة في تطوير الأفكار الواردة في هذا الكتاب.

سياقات هذا الكتاب:

هذا الكتاب، الذي نقدمه اليوم إلى القارئ المغربي وخاصة قارئ جهة سوس ماسة وجزء من جهة درعة، والموسوم بـ ’’تجربة إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التربوية بجهة سوس ماسة درعة’’، هو في حقيقة أمره جزء من سيرة ذاتية تتخذ، في هذا الكتاب، شكل دراسة تتناول مسألة تربوية من زاوية كيفية إدارتي لها في أفق إنجاح انطلاقها.

ويندرج في هذا المشروع كتاب نشرته سنة 2019 ويحمل عنوان في التدبير الجهوي للتربية والتكوين، مشروع تصور. أما الشكل الثاني من السيرة الذاتية، فهو عمل سردي سأضعه قريبا رهن إشارة جمهور القراء. فيما كان الشكل الثالث شعرا نشرت جزءا أول منه تحت عنوان وتغادر الأصوات حروفها.

جاء صدور هذا الكتاب في ظرف تخيم فيه تساؤلات كثيرة عن الخطوات اللاحقة في سيرورة تعميم تدريس هذه اللغة في سياق عام يجمله سؤال هل المنظومة التربوية قطعت مع الخيار السيزيفي أم أن الحجرة التي سقطت منذ ما يزيد عن عشر سنوات ما زال مصير رفعها إلى القمة سؤالا مخيفا ما دام سيزيفنا لم يحسم في أمر استراتيجي يتصل بتحسين جودة تدريس اللغات، بل وفي خيارنا اللغوي المرتبط بهويتنا المركبة.

المعروض في الكتاب يعكس التنوع والغنى ولا يستنفده:

حاول هذا الكتاب أن يعرض بتوليف بين مسارين مسار الذاتية ومسار الموضوعية قراءة مركزة لتجربة لا تلغي قراءات أخرى قد تدقق، وتشمل كل جوانب مسألة تدريس اللغة الأمازيغية مستحضرة مرتكزات نظرية لسانية وتربوية وبيداغوجية.

ولا أخفيكم أن حضور النفس الذاتي قد بقى متوهج السحنات. غير أن هذا النفس الذاتي سيشهد تحولا إلى نفس جماعي. وربما تكون قراءتنا قراءة استعجالية لأن الانشغال كان هو البعد التدبيري. ولهذه الغاية لم أقم بأي تلخيص لمضمون الكتاب إذ تولى أمر تقديمه مشكورا الزميل الحسين بويعقوبي.

تعدد الصعوبات وتعدد الأجوبة والمبادرات:

لم يقل هذا الكتاب كل شيء وما ينبغي له، فقد لزم الصمت في أمور ولمح إلى قضايا وصدح بمسائل أخرى، وكشف عن المسكوت عنه الذي بقي مجلجلا في الخواطر والنفوس. أتيت في هذا الكتاب بوثائق أو بمشاريع تصورية أعدها فريق الأكاديمية لتطوير تدريس الأمازيغية دونما رغبة في التدليل والبرهنة.

وهي وثائق وملاحق بحاجة إلى قراءة من نوع القراءات التي يقال عنها بين السطور والتي تنبش عن الخفايا. لعل هذه الوثائق تعكس الاستعداد للقادم وتهيء لاستقباله وتستنفر المخزون الأكاديمي والتربوي، فقد كنا، جهويا، جاهزين للانتقال إلى مرحلة متقدمة كميا وكيفيا ونضاليا لأن المشروع لم يبق مشروع أكاديمية بل صار مشروع كل الفعاليات الجهوية.

لم نتابع عن قرب التدريس بعقولنا ورصيدنا التقنوقراطي، بل تابعناه بانفعالاتنا وتوجسنا وخيفتنا والتشويش علينا به ومنه. ولا نخفيكم أننا عشنا بعض المحطات بالكثير من القلق خاصة وأن للأطراف المتدخلة انتظاراتها وحساباتها. ويجب التنبيه أيضا على أن وتيرة إرساء تدريس الأمازيغية وكذا تجويد تدريسها أمران لم يحتلا الواجهة.

ويمكن أن نضيف أن المناخ غير المطمئن والتدابير الإجرائية المتخذة قد تتناسل عنها برودة لغوية وبرودة سياسية. لا شك في أن ما نذكره يوحي بجو الفتنة التي كان يراد لها أن تسري في الجسم التربوي مع بداية الاختيار التدبيري الجهوي. وقد اشترط تدريس الأمازيغية، في السياق المتعدد اللغات، موضعة اللغات بما يتيح قيامها بوظائف متنوعة وعلى نحو متساو أو تنافسي قد يبرز كلاهما كيف تنهض لغة بأعباء لغة أخرى في جو من التعاون والتنافس والتعاضد.

هذا العمل عمل فريق مختلفة مكوناته وأهواؤه واستعداداته وحساباته وأوهامه وحقائقه والتفاوتات في الفهم وفي العمل. وقد حاولنا أن نلامس كل العناصر التي تحكمت في إنجاح التجربة بل وفي انحسارها، وانحسارها يقضي بانحسار مشروع الجهوية.

مثلما حاولنا أن نكون في حالة استنفار تجاه العمل التقنوقراطي والتتبع الشكلي، وتجاه الوهن الذي قد يصيب طرفا من الأطراف المتشاركة، فللإدراج سياسته أو سياساته، وللمنظومة تثاقلها وتقاليدها المربكة وحساباتها، هذا فضلا عن التصدعات المختلفة والتقليدية التي كانت تتربص بسير المنظومة الشيء الذي قلل من حزم الإدارة ويقظتها خاصة وأن الخيار كان في بدايته.

لقد عولنا على أن تكون التجربة مدخلا أساسيا إلى تحديث الفعل التربوي، وإلى تساكن البيداغوجي واللساني ولا أعتقد أن ظننا كان خائبا. وأقصد حصرا تجربتنا إلى حدود 2010.

لقد كانت التربة بحاجة إلى الكثير من السماد والكثير من التعاون بين الاختصاصات: اللسانية والسياسية والثقافية والاقتصادية، وبناء فيالق كفءة تجوب الميدان وتؤسس للتعاون بين اللغتين الوطنيتين وتفسحان الطريق أمامهما لولوج الحداثة.

كل التيمات كانت حاضرة وفي طليعتها مسألة الأمن اللغوي الذي يعلي من قيم الإنصاف والعدالة ويعزز التعاون بين اللغتين الوطنيتين في وقت كانت فيه الأوهام تخترق الحقل اللساني الذي عرف ويعرف تنصله من بعده التنموي وبعده الحقوقي وإذن الإنساني.

وحضرت اللسانيات ممثلة في بعدها السياسي غير الصريح والملتبس. وقد صدَرنا، في هذا الكتاب، عن إطار نظري من شأنه أن يعزز البعد النقدي للسانيات الاجتماعية.  وعلى الرغم من كل ما حيك، بقيت تجربة تدريس الأمازيغية شاهدة على حسن تدبير ملفات أخرى منها تعميم التمدرس وأنسنة الداخليات والنقل المدرسي وجودة التعليم والتربية غير النظامية وذلك برفقة شركاء كثر من فرنسا وإسبانيا وإنجلترا وأمريكا وكندا. هذه مقومات أخرى من مقومات النجاح جرى هدرها.

ما عرضته عليكم منتج فريق عمل من الأكاديمية ونياباتها وعدد من الفاعلين التربويين. وهذا الصنيع صنيعهم وأنا واحد منهم. إننا نعتقد أننا قدمنا لجهتنا وبلدنا وللآباء والأمهات والفاعلين التربويين، ولحلفائنا، صفحات مشرقة حول تدريس الأمازيغية نرجو تعميقها وتطويرها وأخذ العبرة من السبل التي اختيرت.

إن تدريس اللغة الأمازيغية لا ينبغي النظر إليه بمنطق البقال والعطار

إن تدريس اللغة الأمازيغية لا ينبغي النظر إليه بمنطق البقال والعطار، بل يجب النظر إليه باعتباره خيارا استراتيجيا لا ينبغي السكوت عن الهفوات التي تخللته أو صاحبته، خيارا استراتيجيا يمفصل الرؤية الوطنية وفق حاجياتها الروحية والتصورية ويعبئ لذلك بما يلزم من انضباط وحوار معمق ينفض الغبار عن المادة الرمادية لتصحيح نظرتنا إلى مقومات الأمة لتلعب دورها في استنهاض القيم أفكارا ولغة.

إن خياراتنا الاستراتيجية لم تكن بالوضوح الذي يسعف على انطلاقة عميقة وجذرية تعبئ كل الرأسمال الرمزي المشترك، وإرساء قيادات وطنية وجهوية وإقليمية ومحلية متحفزة ويقظة تؤمن بالقضية وتنخرط فيها بقوة ويناعة وتصوغ سياسة إجماعية وتفتح أبواب مدارسنا على اللسانيات التنموية المنصفة.

ومن جانب آخر، تمكنا من امتلاك وعي نقدي متواصل من خلال تحديد محطات خصصت منها محطة للتقييم والتقويم ومحطة أخرى للأبحاث الميدانية ومحطة ثالثة لتبادل الخبرات والتجارب في موضوع تدريس الأمازيغية. وقد كان من مفاعيل هذه الخيارات أن استدركنا أخطاء ووقفنا على نواقص، وهي استدراكات تبنتها إدارتنا المركزية.

خاتمة:

تلكم وبإيجاز بعض من اجتهاداتنا ونجاحاتنا وبعض الصعوبات التي تربصت بتجربتنا ومبادراتنا. وتلكم هي الطريق التي سرنا عليها يحدونا الأمل في تطوير ملكات حذرنا وشحذ يقظتنا، ونعتقد أن التجربة بحاجة إلى ما ذكرناه لتواصل تراكماتها وتطور أداءها على قاعدة التحسين المستمر والمستدام.

  • د. مبارك حنون
          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى