الجهة اليومالرأي

سلب الحق في الأمن والإستقرار وسط القفار: تضييق سبل العيش على ساكنة جبال الأطلس الصغير بسوس

  • بقلم: امحمد القاضي //

يعتبر حق العيش في أمان والإستقرار مع حفظ الكرامة، أهم الحقوق المضمونة والمخولة للمواطن دستوريا، وأبرز إلتزامات المبادئ الدولية الأساسية لحقوق الإنسان، والمحفوظة حسب كل التشريعات السماوية والقوانين الوضعية لما لها من أبعاد إنسانية كونية، وصون للكرامة البشرية وحفظ لحقوق الساكنة.

حين تهدد طمأنينة العيش ويمس أمن الساكنة وتهدر حقوقهم وسط مسقط رأسهم، نسقط في التمييز والإقصاء، والتهميش واللامبالات.

وخاصة عندما يتم اللجوء لممارسة ضغوطات نفسية وإستعمال أساليب وحيل ملتوية تنهك فيها الحقوق. غالبية القاطنين والمهتمين بالشأن العام ببوادي سوس يحملون هذا الإحساس. ولكم أن تقيموا الوضع من خلال هذا الجرد المقتضب.

منذ مدة وساكنة بوادي أعالي جبال الأطلس الصغير تعاني في صمت من عدة صدمات وهزات منها الطبيعية والمفتعلة لغرض لا يفهمه المستقرون بقراهم بالثلث الخالي من أعماق الوطن، ويطرح عدة تساؤلات حول إستمرار تجاهل الجهات المسؤولة عن إيجاد الحلول اللازمة أو على الأقل الإنصات الإيجابي والتجاوب مع شكايات المتضررين. من أهم هذه الكوارث يمكن أن نرصد هنا بعض التجاوزات والحيف الذي طال المنطقة بشكل مقلق ومتوالي:

● *ظاهرة الخنزير البري* :

منذ أزيد من عقدين أنزل قطاع المياه والغابات عدة أعداد من الخنزير البري في مجال سوس الطبيعي بالجبال بدعوى الحفاظ على الصنف الحيواني من الإنقراض، وتوفير طرائد لقناصي الصيد الترفيهي، وتفرض عقوبات وغرامات مالية على من يحارب الخنزير دفاعا عن النفس وعن حقول الزراعة المعيشية. فهذه معادلة لا تستقيم. بمعنى آخر، أصبحت روح الخنزير أكرم من الروح البشرية، إذ نظرا لتكاثر الخنزير بكثرة تضاعفت الأعداد وأصبحت تهاجم حقول الزراعة المعيشية للساكنة، وتهدد كبارها السلامة الجسدية لأهل المنطقة. مما نتج عنه إنقطاع الزراعة المعيشية، وحرم التجوال في المجال المحيط للقرى، خاصة بعد غروب الشمس، وأصبح الخنزير سيد المجال بدون منازع.

تم زرع الخنزير البري بسوس بدعوى الحفاظ على التنوع البيولوجي والبئيي للمجال. العذر أكبر من الزلة، كأن أراضي سوس هي الحقل الخصب الغابوي للتجارب. سيكون السبب أكثر منطقيا، لو زرع مع الخنزير حيوان الذئب، ليأكل صغارها ويتحقق التنوع والتكاثر الطبيعي المتوازن.

● *إعتداءات الرعي الجائر* :

تهاطلت جحافل الإبل والماشية بالآلاف على قرى سوس، في خرق سافر لحقوق الترحال الراعية لأمن الساكن والحافظة للحقوق المعيشية والزراعية لأهل القرى. عهد أهل سوس التعايش في سلام والتعامل التجاري مع الرحل الذين يحط الرحال بهوامش القرى في وقار إحترام تام لممتلكات أهل المكان. الرحل الجدد عبارة عن طغاة بأساليب بلطجية، يهددون أمن الساكن جسديا، ويرعون في حقولهم الجافة أصلا ويغتصبون ثمار أشجار اللوز والأركان، بل أعنف من ذلك يمتصون بمحركاتهم مياه الخزانات ويجففون مطفيات الماء تاركين السكان العزل في حيرة من أمرهم. ياما قدمت من شكايات، ونظمت مسيرات سلمية وطنية بكل من الدار البيضاء وأكادير، وإستقبل وزير الفلاحة الأسبق، ورئيس الحكومة الأسبق وفد من التنسيقيات، وبقي الأمر كما هو عليه، بل تفاقم الوضع وإزداد التصعيد بشكل مقلق، دون أن تظهر بوادر الحل في الأفق.

● *تحديد الملك الغابوي – الشجرة التي تخفي الغابة* :

إلا عهد قريب، عاشت ساكنة بوادي سوس دون حدود مرسومة ومجال مسيج عن بداية ونهاية قراهم.

وكانوا يعتبرون المكان ينقسم لحقول صغيرة للزراعة تتشاركها العائلات الممتدة والباقي عبارة عن “تكانت” مجال مشترك مفتوح لأهل القرية للرعي وجلب الحشائش والأعشاب البرية وممارسات رعوية مشتركة. وفي غياب مقاربة تشاركية، وإشراك الساكنة في القرارات، إستفاقت الجهات الوصية، دون سابق إنذار وتشاور، بإصدار قرار خلق مجال غابوي في الأماكن الغير مستغلة، بما فيها مجال شجرة الأركان.

فهم يرون رسم الحدود الغابوية ممارسة روتينية، بينما تجد الساكن السلوك ترامي على مجالها. لذى أختلقت علاقة متشنجة ومضطربة يشوبها الحيطة والحذر لإنعدام الثقة وفقدان جسور التواصل بين الساكنة والجهات المسؤولة على ما يسمى “الملك الغابوي”.

● *المحميات: مكر المنتزه الطبيعي للأطلس الصغير الغربي.*

شكل قرار وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات إحداث المنتزه الطبيعي للأطلس الصغير الغربي، تنفيذا لإستراتيجية “غابات المغرب 2020 – 2030″، على مساحة تقدر ب 111.130 هكتار، الممتدة على النفود الترابي لعدة أقاليم هي: شتوكة – أيت باها، تزنيت وتارودانت؛ نقطة خلاف بين الساكنة والسلطات المركزية.

حيث تعتبر الجهات الوصية إنشاء محمية المنتزه الطبيعي محور أساسي في إستراتيجية الحفاظ على الموارد الطبيعية والإلتزام بحماية البيئة وتعزيز السياحة البيئة كجزء من التنمية المستدامة؛ بينما ترى الساكنة في المشروع إحدى حيل الجهات المعنية للترامي على أراضيهم، وسلب حقوقهم وممتلتكتهم المتوارثة منذ قرون.

تجندت فعاليات المجتمع المدني بالمناطق لتعبئة الساكنة لإبداء تعرضاتهم وتسجيل ملاحظاتهم كتابيا بالجماعات الترابية المشمولة بالمشروع، كخطوة حقوقية وترافعية لمواجهة تنفيذ القرار.

ما يغص في القلب، القرارت الأفقية الأحادية الجانب التي تسقط تباعا على ساكنة قرى سوس التي يعتبرها الساكنة تكريس لفقدان الثقة بين المركز والهامش، وفقدان سن مقاربة تشاركية في تنزيل القرارات ذات أهمية مشتركة، وحيل لسلب أراضي الأجداد من القبائل القاطنة.

حقيقة الأمر، بناء منظومة بيئية مستدامة ومتوازنة في جبال الأطلس الصغير لن تتأتى بمجرد قرار منفرد لتشييد المحمية، بل تفسده العناية المفتقدة منذ زمان في الحفاظ على الغطاء النباتي وأشجار اللوز والأركان الذي إستباحه الرحل، وإبداء إهتمام بإحياء الزاعة المعيشية التي أفسدها الخنزير البري، وإرساء أسس تنمية مستدامة وتشجيع مشاريع سياحية بالمناطق ذات أهمية تاريخية وبيولوجية وإيكولوجية للشباب العاطل بالمنطقة.

● *التعدين والمعادلة الغير عادلة* :

الإهتمام المتزايد من طرف الشركات الوطنية الكبرى بما في باطن أرض جبال الأطلس الصغير في صمت وبمعزل عن إشراك الساكنة يخلق قلق لذا القبائل المستقرة بسوس؛ نظرا للتجارب السابقة في إستغلال مناجم المعادن وإسخراج دخائرها دون إستفادة ساكنة القرى المجاورة من جزء من عائدات باطن أراضيهم.

وحين يعتبر ما بباطن الأرض من معادن في ملك الدولة، والإستثمار الضخم فيه بإستخراجه وتحويله أو تصديره مصدر مادي أساس لتطوير الثروة الوطنية للمساهمة في تقدم البلد، ومورد للعملة الصعبة لتقوية القدرة التنافسية والإقتصادية للوطن.

ولا ننكر أن مساهمة أراضي سوس في هذه العملية مفخرة للوطن. إلا أن إبقاء الإنسان الذي يعيش فوق تلك الأرضي في حالة فقر مدقع دون الإستفادة ولو من قسط بسيط من عائدات الثروة المحلية على شكل فرص الشغل للشباب، مبادرات تنموية ومشاريع صغرى مدرة للدخل، وولاية عناية معنوية بتربية الناشئة وإستثمار في تنمية قدرات الإنسان المحلي بتمكين نساء ودعم النسيج التعاوني والمبادرات الجمعوية المحلية حيف، وإستغلال لنفائس باطن أراضي سوس بمعزل عن الشعور المسؤول بالواجب الحقوقي والإنساني تجاه الساكنة.

● *الحشرة القرمزية المدمرة* :

هاجمت بشكل وحشي الحشرة القرمزية الثين الشوكي/أكناري في كل أنحاء الوطن، وعلى إثرها إجتثت النبتة في جميع قرى سوس. بينما كان تواجدها يؤثث المنظر البيئي ويقتات من هذه الفاكهة الصيفية فقراء القرى النائية؛ قضت الحشرة على النبتة بشكل كلي، إنقرضت معها فاكهة “الهندية” في المجال الترابي لسوس وحرمت الساكنة من مورد رزق موسمي وفاكهة صالحة للتغذية.

ويعاب على الجهات الوصية التماطل في وقاية ومعالجة الظاهرة في وقتها، وترك الساكنة وحالها في مواجهة الهجمة المدمرة للحشرة القرمزية، كما أنه بعد مرور عدة سنوات مازالت المنطقة لم تستفذ من إعادة إعمار الأراضي بنبتة وأصناف مقاومة للفيروس النباتي الفتاك.

● *مسطرة التعمير نحو التهجير* :

تركت التعديلات الأخيرة التي طرأت على قانون التعمير ورخص البناء بالمغرب الشعور بالحكرة في نفوس المهتمين بالبناء في بوادي الأطلس الصغير.

فإرغام الساكنة المتواضعة الدخل من تتبع نفس المساطر المتبعة بالحواضر من الحصول على رخص البناء، وتأدية واجبات ورسوم مالية، واستصدار تصميم مهندس معماري وطوبوغرافي، مسطرة بيروقراطية أكثر منها تشجيعية.

المسطرة الجديدة ساهمت في إنكماش الحركة الإقتصادية وتقليص فرص الشغل وإضعاف النمو العمراني بمداشر المنطقة. فرغم تدارك الموقف بدورية مشتركة بين وزارة إعداد التراب الوطني والإسكان سياسة المدينة ووزارة الداخلية، لتبسيط مسطرة الترخيص بالبناء في الوسط القروي، يظل تنزيل وتطبيقها يدعلى أرض الواقع عملية تشوبها عيوب تحول دون تشجيع دوي الدخل المحدود من بناء سكن بسيط يأوي أسرهم.

● *قشة التحفيظ الجماعي* :

إنقسم أهل سوس بين مؤيد ومعارض للتحفيظ الجماعي لأراضي المنطقة. فمنهم من يرى أن التحفيظ مناسبة لتحديد الملك الجماعي وحدود القرى والتملك الجماعي للأرض عوض الإعتماد على رسوم وعقود عرفية لا تحمل قوة قانونية. ومنهم فئة تعبر عن تخوف من جعل التحفيظ وسيلة لتقليص أملاك الدوار في الحقول المستغلة فلاحيا فقط، وجعل ما وراء ذلك ملك للدولة. أي طريقة متحايلة للترامي على أملاك دوي الحقوق، وتضييق على مجال تحرك وإستفادة الساكنة، وتقزيم للمجال الترابي المحلي. العملية تشوبها نواقص وزادها قلة التواصل والثقة والتشارك ريبة وتعقيدا.

● *الولوج للخدمات الصحية المفقودة* :

أهمية وجوهر الولوج للرعاية الصحية تكمن في حفظ صحة الساكنة وتوفرهم على مراكز صحية وخدمات القرب الوقائية والعلاجية. ضعف او إنعدام الخدمات العلاجية بالبوادي عربون على تهميش وإقصاء إنسان الأرياف من إحدى حقوقه الأساسية بمركز أيت عبد الله مثلا، تم بناء وتجهيز مركز صحي متكامل، وإنجاز سكن وظيفي لإقامة الأطر الطبية، من مال الخواص ومساهمات الفاعلين الإقتصاديين المحليين، للأسف ظل المركز مغلق منذ سنوات في وجه العموم لعدم تعيين طبيب بالمركز.

فتحمل مصاريف بناء المرافق العمومية تضحية من رجالات المنطقة لا تقابلها تجاوب ومصاحبة الجهات الرسمية مما يجهض المجهودات ويبخس النيات الحسنة المستثمرة بالمنطقة لتنمية الخدماتها المقدمة لأهل تمازيرت. فهل مستوصفات المدن شيدتها مالية المتبرعين الخواص؟

● *إكيدار: الموروث الثقافي واللامادي المهمول* :

تزخر مناطق الأطلس الصغير بمآثر تاريخية وقرى جماعية بأشكال هندسية وإبداع معماري يستحق العناية والمحافظة عليه كإرث إنساني من الإندثار. من بين هذه المآثر نجد “إكيدار”، المخازن الجماعية، التي تعتبر قلاع للحماية، تخزين المحاصل الزراعية والأدوات والحلي النفيسة حماية لها من التلف والسرقة أثناء هجمات القبائل المحاورة سنوات السيبة.

للمخازن “إزرفان” أو أنظمة تسيير تشابه قوانين البنوك المعاصرة. جل هذه المخازن يطالها الإهمال، ولا ترصد لها الجهات الوصية ميزانيات للترميم أو تحويلها لمشاريع سياحية ومآوي للزوار تدر عائدات مالية على الدواوير. إهمال المآثر بنواحي سوس ضرب للموروث الثقافي الأمازيغي وإقصاء لجهة من الإستفادة من حقها في المحافظة وتثمين الإرث اللامادي الإنساني. ما نصيب إكيدار من ترميمات الأسوار العتيقة بالمدن لإنقادها من الدمار؟

● *الثقافة الشعبية الملهمة* :

جبال الأطلس الصغير غنية بالثقافة الشفاهية والحكايات الشعبية والفنون الجماعية والتقاليد والعادات البدوية الأمازيغية المتوارثة والتي إستطاع أهل المنطقة، خاصة نساءها، الحفاظ عليها من الإنقراض بواسطة الممارسة المستمرة والسهر على توارثها للأجيال الصاعدة.

حافظ قاطني الجبال على الفنون الشعبية، كأحواش وشعره العفوي الغنائي، وماكولات موسمية كبركوكش، وطقوس إحتفالية كبلماون، وإدرنان، وتجمعات جماعية كالمعروف الصيفي بالدواوير، من الزوال بمجهودات عفوية ومبادرات جماعية وجمعوية من أبناء المنطقة، في غياب عناية من وزارة الثقافة وإهتمام من جهات أخرى.

إذ من الأصح دعم هذه المبادرات وتشجيعها لضمان إستمرار الظواهر المتميزة، ليس من جانبها الفلكلوري والكرنفالي فحسب، بل من جانبها الثراتي الفني والإبداعي. هذا الغنى تنفرد بها المنطقة ويشكل جزءا من الموروث الثقافي للمغاربة، ويساهم في إنعاش العرض السياحي وتحسين صورة المملكة، الشئ الذي يساهم بحصة وافرة في المداخيل المالية لخزينة البلاد.

لكن هناك مهرجانات بالحواضر تحصد الملايير، ولا يصل فتاتها مبادرات الهوامش، وهذا في حد ذاته إقصاء في التوزيع المتوازن للثروات والإستفادة من الدعم العمومي المخصص للمجال الثقافي.

● *التنمية المحلية المهدورة* :

الزائر لبوادي جبال الأطلس الصغير يلاحظ المجهودات المبدولة من طرف جمعيات الدواوير في تنمية قراهم غيرة منهم على مسقط رأسهم وإذ نثمن الحس التضامني لشباب ورجال أعمال البلدة، نعبر عن إمتعاضنا من ضعف منسوب التنمية والدعم العمومي الموجه للمشاريع بجبال الأطلس.

فرغم مبادرات فك العزلة بشق الطرقات في جل المناطق، تبقى إلتفاتة ومجهودات الجهات الوصية في دعم المبادرات التنموية وإبتكار حلول بديلة للرقي بمستوى عيش والرفع من دخل الساكنة لتحقيق عدالة مجالية محتشمة ولا ترقى لإنتظارات قاطني الجبال.

● *الزراعة المعيشية المغتصبة:*

من أجمل ما أفتقد ببوادي سوس، خضرة حقول الخضروات ومزارع النباتات البورية وزهور الأقحوان الموسمية المحادية للمداشر على صغر حجمها وجمالية منظرها وإنتعاش نشاط مزارعيها، وحلاوة مذاق منتجاتها الطبيعية.

كل العوامل الضاغطة الآتية هنا، سواءا الطبيعية منها أو المصطنعة، ساهمت في الإجهاض على الزراعة المعيشية، وزادها سلوك التواكل والكسل الذي دب في جل السواعد العاملة بالمنطقة من توقف نشاط مزارع المداشر. للتذكر، لا نشوة وسعادة تعلو على العيش الحلال من عائدات ما خطه إبداعك، وأنتجته عضلاتك، وأثمرته خيرات حقولك، وروته مياه باطن أرضك. على أي حال، الله يجازي اللي كان السبب، واللهم لا شماتة.

● *تداعيات الجفاف القاتل* :

بعد التقلبات المناخية التي عرفها العالم وعدم إستقرار الفصول، شهد جنوب المغرب، وخاصة بوادي سوس في العقود الأخيرة، شح حاد في التساقطات المطرية بلغت درجات قياسية في الآونة الأخيرة. الجفاف كسر الدورة الفلاحية، وإجتفاف الأرض أثر بشكل سلبي على النظام البيئي وسبل العيش بالجبال، إنكمشت الأشجار، وتقلصت الحركة الإقتصادية والمعيشية للساكنة التي تعتمد في جزء من عائداتها على غلة الأشحار المثمرة وتربية الماشية.

وأصبح منظر المجال عبارة عن قفار يرعب نفوس الساكنة وزوار المنطقة على حد سواء. الجفاف، بعد لطف الله، أصبح قدر أدرار، فهل نترك المرابطين بحبال الأطلس يواجهون القدر المحتوم؟

● *نذرة مياه الشرب وأزمة العطش:*

من بين أثار الجفاف والقصور في تهاطل الأمطار، إنخفاض في مستوى المياه الجوفية والخزانات/المطفيات وإجتفاف بعض الآبار، مما يهدد الأمن المائي بالمنطقة وقد ينذر بأزمة عطش في الأشهر القادمة حيث تعرف المنطقة العودة الموسمية للمغتربين.

في المقابل لوحظ في بعض الحالات تشدد في التسامح لحفر الآبار لسد رمق الدواوير المتأزمة، علما أن كل المداشر تعتمد على مياه الآبار للتزود بالماء الصالح للشرب.

هذه السردية ليست سوى مقتطفات موجزة وغيض من فيض من معانات أمازيغ جبال سوس في العقود الأخيرة. تنم هذه المعانات بالأساس على تقاعس وتملص الجهات الرسمية في تحمل مسؤوليتها وأداء الواجبات تجاه ساكنة المداشر بالمغرب المنسي، وتجاهل ممنهج لصيحات وآهات وأنين وصمت مواطنين من الدرجة الثانية.

وما تقاطر الكوارث تباعا على المنطقة وتزايد الأزمات بشكل تصاعدي، غالبيتها مفتعلة، قضت مضجع الساكنة ونكدت حلاوة العافية والإستقرار الأسري بقرى جبال الأطلس الصغير سئمت معها الناس حياة الإقصاء والإستهداف، إلا فصل من مسلسل الكوارث والمآسي يتعايش معها المرابطين بالجبال.

خلاصة القول، بين الأمس واليوم خسرت مداشر سوس الكثير من الحيوية ورغد وطمأنينة العيش، وأصبحت موطن المآسات المتكررة.

السؤال المطروح، كيف لأولي الأمر الذين يتحسسون نبض المجتمع بأجهزتهم، ويستشعرون الآتي من المخاوف بحدسم، ويتحكمون في كل صغيرة وكبيرة بحنكتهم، ويتمسكون بكل الخيوط التي تحرك الظل، أن تتجاوزهم تعقيدات هكذا تحديات، وتفوتهم حلول المحطات المتأزمة؟

وفي إنتظار إستقامة الأمور، يبقى الغرض الذي في نفس أولياء الأمور، وحدود الصبر الجميل من علم وغياهيب الغيب.

ليت الدهر يعود للوراء يوما لنوري الأجيال ماذا فعل فينا الزمان قهرا، وعات في الأراضي غصبا، ليعلموا حجم الكارثة، ومقدار صبر الأهالي، وقيمة تضحية المتعاطفين مع تحديات أدرار.

  • رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله
          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى