الرأيالمغرب اليوم

الدعم الاجتماعي المباشر: بناء الدولة الإجتماعية أم مأسسة التسول والتواكل؟

  • بقلم: امحمد القاضي* //

جوهر الدولة الإجتماعية تحقيق للرعاية الإجتماعية بمضامينها المتكاملة من تغطية صحة شاملة وتعليم عمومي جيد وسكن لائق وحقوق متكافئة وكل ماله صلة عميقة بالكرامة الإنسانية والتنمية البشرية. الدولة الإجتماعية حماية لحقوق المواطن من جشع الرأسمالية المتغطرسة والأنانية الإقتصادية المتوحشة وعالم مجهول مفترس ومستقبل متقلب المزاج غير واضح المعالم.

ولنا عبرة في الفرق بين الدعم الإجتماعي المقدم للمواطن في جل الدول الأوروبية على عكس تقليص تدخل الدولة في مواجهة هيمنة الإقتصاد الحر في الولايات المتحدة الأمريكية، مثلا.

سياسة الإرادة السامية بالمغرب مافتئت تطلق إشارات لنهج سياسة حماية الطبقة الهشة وتطبيق ديمقراطية إجتماعية لتقليص الفوارق وإنقاد تدحرج البلاد نحو إحتقان إجتماعي، وإصلاح أخطاء تعاقب حكومات فشلت في تدبير الشأن الإجتماعي بسن سياسات لا شعبية وغير متوازنة.

لا حديث اليوم بجل مناطق المملكة، وخاصة لذى الساكنة في وضعية هشاشة ببوادي سوس، سوى عن التسجيل على المنصة الوطنية، وإرتفاع وإنخفاظ المؤشر، وسبل الحصول على الدعم الإجتماعي المباشر ولو إقتضى الحال التحايل على الواقع.

فأي إشارات ورسائل نرسل للمواطن؟

في الوقت الذي يثمن فيه الجميع الدعم الإجتماعي المباشر للطبقة المستحقة، ولو في أفق الزيادات المرتقبة في جل المواد والخدمات ورفع الدعم عن بعض المواد الأساسية، حيث سيقدم الدعم باليد اليمنى، ونعود لنسترجع جزء منه باليد اليسرى؛ نستنكر الدعم المؤسس للتواكل والمربي للكسل، والمشجع على سلك المواطن لطرق ملتوية لإنزال درجة المؤشر.

الدعم بالشكل الحالي وفي الوقت الراهن إعتراف بعدم القدرة على خلق مبادرات منتجة للشغل والثروة، وإقرار بضعف في إبتكار طرق تقوية إقتصاد إجتماعي دامج، وقلة تمويل مشاريع تنموية مستدامة، وعدم سن منظومة مجالية منصفة للجهات الهشة، وتماطل في تنزيل سياسة جهوية متقدمة، وفشل في تقوية النسيج التعاوني المنتج للخدمات، ونقص في تكثيف الأنشطة المدرة للدخل، وتقوية الحس المقاولاتي لذى الشباب والفئة القادرة على العمل والإنتاج.

الدعم الحالي تشجيع لسلوك سلبي عماده التهافت على التواكل وسلك أقصر الطرق وأكسل السبل للحصول على الريع والدعم المجاني. الدعم بشكله الراهن ترقيع لنتائج تراكم وتوالي سياسات إقصائية، وسوء تدبير لملفات إجتماعية حساسة.

كل الدعم الممنوح، على أهميته، مثل برنامج تيسير لدعم التمدرس، ودعم الأرامل، والدعم المتبقي لصندوق المقاصة وغيرها، قد لا تضاهي نجاعة ضخ أموال مهمة في دعم الصحة والمستشفيات العمومية، وسن تغطية صحية شاملة، وإصلاح حقيقي للمدارس والمنظومة التعليمية العمومية، ونهج إرادة سياسية حقيقية لتبني عدالة إجتماعية مؤسسة لدولة حاضنة.

المواطنون اليوم مسيرون نحو خوصصة القطاعات الحساسة بالبلد، أصبحوا ضحية نهب المدارس الحرة لجيوبهم، وإفتراس المصحات الخاصة لضعف أحوالهم الصحية، وتضييق لوبيات العقار لمساكنهم، وتكالب عصابات الفساد على مصالحهم، وخدلان المنتخبين والسياسيين لوعودهم، وتقاعس المسؤولين على تأدية واجبهم.

المغاربة بحاجة لسياسة شجاعة مبتكرة لإعادة الثقة في المؤسسات الرسمية، وتقوية مهارات الناشئة، وتهديب سلوكيات المواطن، وخلق منصات مشجعة للتشغيل الذاتي، وبرامج لتطعيم نسيج مجتمعي متماسك.

خلاصة القول، التسريع بالتنزيل لعدة إصلاحات ذات الطابع التعاضدي، محاولة لترقيع خرقة إجتماعية متآكلة أضعفتها توالي الغسيل بخليط مساحيق غير صالحة مستوردة من إملاءات البنك الدولي وتغاضي الطرف عن وجود خلطة طبيعية محلية كانت ستقوي غطاء الخرقة أمام الهزات وتجادبات المصالح.

تدهور الأحوال يصعب أن تصلحه العلاج بوصفة سحرية تأخرت عن موعد التبني والتطبيق، بعد تفشي الورم السرطاني في أجزاء الجسد وإستسلام الأعضاء للمرض المزمن ولم يعد المريض يؤمن بنجاعة العلاج بعد أن أنهكت الخيبات طاقاته.

كما يقول المثل الشائع في مجال التجميل: “وهل سيصلح العطار ما أفسده الدهر؟”..إلى ذلك الحين، تصبحون على دعم منتج وتنمية بشرية مستدامة.

*رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى