الرأيالسياسة

وثيقة العدل والاحسان، تصحيح للمسار ام تراجع عن المبادئ؟

ان المهتم بالسياسة في بلادنا يجد انها خريطة ثابتة اجمالا، بحر قلَّما قطعته الجزر، وذلك منذ السنوات الأولى بعد الاستقلال وبعد تتويج الملكية فوق كل التدافعات السياسية الحزبية، واعتبار هذا النظام معبر عن مسار أمة وعن هويتها السياسية، التي لم يقدر الاستعمار تفتيتها او تغييرها.

ان القول بالثبات والجمود السياسي، ليس قولا نشازا، بل ان مستكشفي حقل العلوم السياسية ببلادنا ينحون نفس المسار، وينتهجون نفس القول كعنوان -بارز او ضمني- لأطاريحهم الاكاديمية، منذ جون واتربوري على ابعد تقدير. ان الفاعل الحقيقي في الحقل السياسي هو المخزن، وقد تبدوا هذه الكلمة رنانة، مبتذلة، مستهلكة، قُتِلت بحثا وكتابة، لكن كل هذا لا ينفي او يُقَوِّضُ قوة الجهاز في بسط السلطة على كل ما يمكن ان يهدد امن وسلامة النظام.

وفي تعريف هذا النظام، اكاد انحصر في فهمٍ يمتحي مفرداته من الخطاب النقدي، فهو نسق من علاقات اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية تكون خادمة لميزان السلطة في دولة ما، وبهذا التعريف أُخرج المخزن من قوقعة التسلط والتجبر المتمثلة في القوات العمومية، او وسائل الدولة القمعية كما يسميها لوي التوسير، ان المخزن اعمق واكثر تجذرا من ما يمكن ان نتصدق به على قوى الأمن القمعية من وصف وتهويل.

لكن، قد يتحدث البعض عن ان هذا الوصف السكوني للمشهد السياسي، نظر اختزالي لا يتسق مع وقائع الشأن السياسي في الفترة المعاصرة، وحسب هذا التصور المعارض، فإن دينامية الحقل السياسي تترجمه التيارات السياسية المتصارعة والمتقابلة والتي تمتلك من الكفاءات الاكاديمية والعدة الايديولوجية ما يجعلها في نسختها المتطرفة، تقول أن الانتصار لأيديولوجيتها، وان لم يتحقق ذلك؛ فالطوفان! كما في حالة جماعة العدل والاحسان.

تتعدد القراءات والتأويلات لهذا الشعار: الاسلام او الطوفان، لكن ما يهمنا حقيقة، هو مآله في ظل المستجد؛ الوثيقة التي تقدم بها المكتب السياسي للجماعة، والتي تذعن الى ما اعتُبر انحرافا، خيانة، ضعفا، استسلاما، في سياقات سابقة، اقصد العمل السياسي من داخل المؤسسات، اي ان الجماعة ستنزل بثقلها -او تُنَزَّل، الله اعلم- الى مضمار العمل الحزبي السياسي المؤسساتي، وبذلك تسلك نهج سابقيها من الجماعات السياسية سواء اليسارية او الاسلامية التي غيرت المسار من الثورة الى الإصلاح.

صراحة لا استطيع ان استشف كنه هذا التحول المفاجئ، هل هو نضج تاريخي، اي انه انطلق من قراءة واقعية لمكونات المشهد السياسي المغربي المعاصر ومن ادراك واحترام لمعطيات التاريخ والتفكير في التغيير انطلاقا منها وليس من خلال التعالي عليها ومحاولة تطويعها بمقولات ايديولوجية لا تاريخية تروم اعادة الحاضر الى الماضي او نقل الماضي الى الحاضر(اقصد الايديولوجيا الاسلامية).

ام ان الدرس اعمق مما قد قيل ويقال، ومرتبط بجهاز ما فتئ مستكشفي الحقل السياسي المغربي كما سميتهم ينظرون اليه بانبهار، اقصد هنا المخزن، هل صحيح ما قاله المرحوم الجامعي ذات يوم: لا يمكنك ان تلوي ذراع المخزن، أ هذا هو الدرس الذي استخلَصَته الجماعة؟ هل الوثيقة الاخيرة، تراجع واستسلام واذعان لقوة اللفياتان (بلغة توماس هوبز)، المخزن؟

ام انها خطوة مدروسة، ومحاولة لتصحيح مسار يجب ان ينسجم مع خصوصيات النظام السياسي القائم؟ ما الذي سيغيره هذا القرار من خطابات الجماعة مستقبلا؟ هل هذه الوثيقة تعد تقويضا لكل ما افنى الشيخ عبد السلام ياسين حياته في تشييده؟ هل هذه هي الحلقة الاخيرة من حلقات الاسلام او الطوفان؟ هل يسلم الفأر ان دخل وكر الافاعي؟ وهل ما قاله الجامعي صحيح؟ لا يمكن لأحد ان يلوي ذراع المخزن!

ان الأسئلة كثيرة، والمستقبل القريب كفيل بحمل الاجابات، دعونا لا نتسرع في الحكم، ولنترقب بشوق، الى ما سيؤول اليه الوضع في علاقة الجماعة بالنظام السياسي القائم .

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى