العالم اليوم

مفاوضات السمك: المغرب يشترط «موقفا حاسما» من الاتحاد الأوروبي تجاه الصحراء المغربية

عن “القدس العربي”// بات واضحاً أن موقف الاتحاد الأوروبي من نزاع الصحراء لم يعُد يروق المملكة المغربية التي أصبحت تطالب بمواقف واضحة وحاسمة لا تحتمل قراءات أو تأويلات.

تقارير إعلامية إسبانية كشفت أن المغرب يشترط موقفاً «يقينيّاً» من الاتحاد الأوروبي تجاه قضية الصحراء لتجديد هذه الاتفاقية، وفق ما جاء ضمن خلاصات اجتماع وزراء الفلاحة والثروة السمكية الأوروبية في بروكسيل، لمناقشة ملف انتهاء البروتوكول الموقع مع الرباط قبل 4 سنوات.
وحسب وكالة «أوروبا بريس»، يتوقع وزير الفلاحة والصيد البحري والغذاء، لويس بلاناس، الذي كان حاضراً بالاجتماع المذكور، حكماً إيجابياً من محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي بشأن اتفاقية الصيد البحري الموقعة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب.

ونقلاً عن بلاناس دائماً، تريد الرباط أن يكون لديها «يقين» فيما يتعلق بموقف الاتحاد الأوروبي من قضية الصحراء داخل مضمون الاتفاقية، متوقعاً أنه «سيكون من المُعقَّد للغاية إحراز تقدم في المفاوضات بخصوص تجديد الاتفاقية دون حل القضية».

موقف المغرب هذا يستند على تأكيد العاهل المغربي محمد السادس، خلال خطابه في آب/ أغسطس 2022، «أن ملف الصحراء هو النظّارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، مشدداً على أنه أيضاً هو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات»، وتابع الملك: «ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل».

في هذا الإطار، يرى عبد الفتاح الفاتحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، أن أي مفاوضات حول تجديد اتفاقية الصيد البحري ستكون شاقة على الجانب الأوروبي، لأنها ستصطدم مع التوجهات الجديدة للدبلوماسية المغربية حول قداسة الوحدة الترابية، ولاسيما بعد الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى «ثورة الملك والشعب» والذي أكد على أن المغرب ينتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل.

وأوضح الخبير في شؤون منطقة الصحراء والساحل، لـ «القدس العربي»، أن الخطاب مُوجَّه إلى دول شريكه التقليدي الأول الاتحاد الأوروبي، إذ لا يمكن أن تكون المفاوضات بشأن التجديد رهينة المزايدة بالمجال البحري للاتفاقية، ولكن ستكون هناك مطالبة قوية بشأن إعلان الاتحاد الأوروبي لموقفه من قضية الصحراء قبل تجديد اتفاق الصيد البحري.

«سيكون الإلحاح المغربي مبنياً على مضمون الخطاب الملكي الأخير والذي شدد على أن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات، ولكن يكون المغرب خلال المفاوضات مُكرهاً بحسابات سياسية غير التأكيد على وفاء والتزام كافة مؤسسات الاتحاد الأوروبي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وحسم خلاصات المفوضية الأوروبية بشأن اتفاق الفلاحة والصيد البحري مع المغرب»، يقول الفاتحي.

وأبرز حسن بلوان، الأستاذ الجامعي والخبير في العلاقات الدولية، أن العلاقات المغربية الإسبانية قطعت أشواطاً كبيرة عبر تفاهمات سياسية ودبلوماسية واقتصادية وأمنية، بالإضافة إلى حرص الطرفين على تثمين الروابط بين البلدين؛ كما يحرص المغرب على علاقات متوازنة مع جميع أعضاء وأجهزة ومؤسسات الاتحاد الأوروبي رغم الموقف الأخير المثير للبرلمان الأوروبي ضد المغرب، وبعض القرارات الغريبة الصادرة عن محكمة العدل الأوروبية.

في هذا السياق، ينسج المغرب علاقاته مع الاتحاد الأوروبي ويميز بين تعاملاته ومصالحه مع الدول الأوروبية بشكل ثنائي، يقول حسن بلوان لـ «القدس العربي»، متابعاً أنه في نفس الوقت يسعى إلى علاقات جيدة مع الاتحاد الأوروبي كتكتُّل إقليمي مهيمن في السياسة الدولية.

«لذلك فمن حق المغرب أن يستفيد من التوازنات الإقليمية للدفاع عن مصالحه الاستراتيجية والبحث عن مواقف إيجابية وقوية من الاتحاد الأوروبي في قضية الصحراء، خاصة وأن المملكة أصبحت تنظر لعلاقاتها الخارجية بمنظار القضية الوطنية، لكن في نفس الوقت يتفهم المغرب حجم المكاسب السياسية والاقتصادية التي يمكن أن يجنيها المغرب من شراكته الإستراتيجية مع اسبانيا باعتبارها المستفيد الأكبر من اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي التي من المنتظر أن تنتهي في تموز/يوليو المقبل»، وفق تعبير الخبير في العلاقات الدولية.

مفاوضات جدية

ويرى المتحدث أن المغرب يحاول أن يفاوض من موقع قوة على اعتبار أن الخاسر الأكبر من عدم تحديد الاتفاقية هو الاتحاد الأوروبي وإسبانيا وبدرجة أقل دول بولونيا ولاتيفيا وليتوانيا التي تضغط من جانبها داخل أروقة الاتحاد الأوروبي للدخول في مفاوضات جدية مع الرباط وتقديم ضمانات سياسية وقانونية تطمئن المغرب وتحميه من استفزازات بعض اللوبيات داخل الاتحاد الأوروبي المناوئة لوحدته الترابية.

وخلُص حسن بلوان إلى أن الدبلوماسية المغربية تتحرك على واجهتين: واجهة تضغط على الاتحاد الأوروبي مع عدم تقديم تنازلات في قضية السيادة الوطنية على الأقاليم الجنوبية، وفي نفس الوقت تحاول استثمار دينامية العلاقات الجديدة مع إسبانيا التي يمكن أن تحصل على امتيازات حتى في حالة عدم تجديد اتفاقية الصيد البحري مقابل تسوية باقي القضايا الخلافية خاصة فيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية والحسم في قضية المجال الجوي للأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية.
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي نوفل بوعمري أن إسبانيا تريد تجديد اتفاقية الصيد البحري ما بين المغرب والاتحاد الأوروبي على الصعيد الرسمي دون العودة لنقطة ما قبل 2018، وهي السنة التي حدثت خلالها أزمة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب بسبب رغبة أطراف أوروبية توقيع اتفاقية الصيد البحري مع المغرب بدون أن تشمل الصحراء لكن انتهى الأمر بعد مفاوضات طويلة أن تم تجديد تلك الاتفاقيات مشتملة على كافة التراب المغربي.

ويرى المحلل السياسي، ضمن تصريحه لـ «القدس العربي»، أن إسبانيا وبحكم أن مقاولاتها العاملة في الصيد البحري هي أكثر المقاولات استفادة من هذه الاتفاقية تريد أن تستبق أي نقاش قد يتم طرحه للضغط على المغرب من أجل ضمان تجديد الاتفاقية بشكل سلس ودون إثارة نقاش قد يؤدي إلى تعليق الاتفاقية وتوقف المراكب الأوروبية خاصة منها الإسبانية على القدوم للسواحل المغربية الجنوبية للصيد.

ولفت المتحدث أن موقف المغرب واضح منذ سنة 2018، وأعاد التأكيد عليه العاهل محمد السادس في خطابه عندما أكد ألا توقيع لأي اتفاقية دون أن تشمل الصحراء، وأن هذه الأخيرة هي ما يحدد مواقف المغرب خارجياً، مؤكداً أن الاتحاد الأوروبي يَعي هذا الموقف الثابت للمغرب ولن يريد العودة بالعلاقة المغربية الأوروبية لنقطة الصفر.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى