الجهة اليوم

سفر عبر مدارج اليسار:  “رجواني يعود إلى الماضي للبوح عن خبايا وأسرار  اليسار المغربي”.

  • عبداللطيف الكامل //

لقد ألف أصدقاء ومعارف الكاتب عبد السلام رجواني في جل مداخلاته ومحاضراته وعروضه أن يحكي شفهيا عن تجارب اليسارالمغربي ومنعرجاته وتجاذباته منذ الستينات من القرن الماضي إلى اليوم، لكن في كتابه الثاني غابة الرياحين : سفرعبرمدارج اليسار” أصرعلى القبض على بعض من ومضات ذلك الماضي من خلال العديد من الوقائع والأحداث التي عاشها بتفاصيلها الدقيقة منذ انخراطه في اليسارفي بداية السبعينات.

ما كاد يتفوق في استعادة ماضيه لولا امتلاكه لخزان متدفق لاينضب معينه حيث أسعفته ذاكرته التي انسابت كينبوع تدفقت مياهه بقوة، ولذلك تجاوز رجواني في السبعينية من عمره المرحلة الشفهية، ليدون ويسجل لنا محكيات شيقة بشكل متوال وموثق في كتاب أراده أن يكون بمثابة الجزء الثاني من كتابه الأول. ( غابة الرياحين : 1- أيام الحب والألم  2- سفر عبر مدارج اليسار).

سفر عبر مدارج اليسار:  "رجواني يعود إلى الماضي للبوح عن خبايا وأسرار  اليسار المغربي". - AgadirToday
( غابة الرياحين : 1- أيام الحب والألم  2- سفر عبر مدارج اليسار)

والكتابان معا يمتحان ويغرفان من حياة الكاتب وماضيه الذي هو في الواقع ومضات وشذرات من حياة الكاتب الغنية والمتعددة بتعدد الأمكنة (غفساي،وزان،تيزنيت، إنزكان أكادير، فاس،الرباط) والأزمنة (خمسة عقود من السياسة) التي عاشها الكاتب وحاول في كتابه القبض على بعض ملامحها واستعادة ما ترسخ في ذهنه وإلى الأبد.

ويبقى السؤال الوجيه هو: هل استطاع الكاتب القبض على كل تفاصيل حياته كما عاشها بالفعل؟وهل أسعفته ذاكرته وطوّعته ليحكي كل شيء وعن كل شيء متخطيا حدود الرقابة الذاتية حتى ولو ضرب بعرض الحائط بكل الطابوهات العرفية والدينية والثقافية والأخلاقية التي تقف أحيانا حجرعثرة في وجه انسياب وتدفق هذه الذاكرة/الخزان؟

وما الذي دفعه اليوم إلى استعادة الماضي بعد مرور سبعين سنة من عمره؟ وما الفائدة اليوم من البوح عن جزء من أسرارانخراطه في اليسار؟ وماهي أسباب انتقاله من منظمة محظورة 23مارس الثورية إلى منظمة العمل الديمقراطي الشعبي وبعدها إلى الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية؟ وما الغاية من البوح بخبايا حياته التي كانت ولازالت مليئة بالمستملحات كما يوثق ذلك كتابه؟ وهل نسي بدون نية ذلك أو تناسى عمدا وقصدا أحداثا أخرى لإعتبارات مختلفة، وبقيت كامنة في دواخله؟.

هذه بعض الأسئلة ناقشها الأستاذان سعيد الصديقي ومحمد الأبيض في تقديمهما للكتاب بمنسابة حفل التوقيع الذي نظم مساء يوم الجمعة 29 مارس 2024 بالمقهى الأدبي أمازيغ كابريس بأكادير، في اطار فعاليات رمضانيات كابريس، وأدار أشغاله الصحافي الحسن باكريم.

لاشك أن القارئ سيجد بعض الأجوبة عنها عند قراءته لكتاب”سفر عبرمدارج اليسار”الذي يبقى عملا أدبيا بذل فيه عبد السلام رجواني  مجهودا مضاعفا كغيره من كتاب السير الذاتية من أجل اعتصارالذاكرة وجعلها تتداعى وتنساب لتسترجع الماضي كما ترسب في المخيلة والذاكرة وبقي موشوما بها وإلى الأبد.

وكان كتاب السيرة الذاتية ،في سياق تقنيات الإسترجاع والتذكر للماضي بما له وما عليه أن اختلفوا في كتابة كل شيء كما كان في الماضي، فمنهم من تحفظ وحاول إعمال المقص لإعتبارات كثيرة، والبعض الآخر استطاع امتلاك الجرآة الإستثنائية لتجاوز هذه الرقابة الذاتية بحيث لم يولها اهتماما بالغا بل جعل محكياته تنفلت من هذه الرقابة، ولعل محمد شكري في”الخبرالحافي و”زمن الأخطاء” خير نموذج لكتاب جرئين دونوا كل شيء.

ومع ذلك فما يجمع بين الصنفين معا هو أنهما رجعا إلى الماضي للقبض على ملامحه ،وقاما باعتصار المخيلة لتتذكر كل شيء مهما كانت قيمته وأهميته منذ أن كان عمره لايتجاوز أربع سنوات كما فعل طه حسين في سيرته الذاتية”الأيام”والعربي باطما في سيرته”الرحيل”ومحمد شكري في”الخبرالحافي”، ومحمد عابد الجابري في سيرته “حفريات في الذاكرة”…

وما يجعل السيرة الذاتية تبتعد عن الكتابة التاريخية ذات الطابع التوثيقي المحض، هو طابعها الأدبي وأسلوبها الجذاب ولغتها الجميلة المنتقاة بعناية وطريقة سردها، وقد لمسنا هذه الجمالية في اللغة والأسلوب والتركيب معا في كتاب عبد السلام رجواني، حيث غلبت فيه اللغة الأدبية على أسلوب تخصصه (الفلسفة) فكتب كتابيه معا بأسلوب أدبي جذاب وشيق يغري القارئ ويحفزه على التهام ما يعرضه من محكيات.

ولعل قراءة الكاتب عبد السلام رجواني لعدد من الكتاب العرب بدءا بميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران وطه حسين ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وغيرهم من كتاب الأدب العربي الحديث هو ما جعله يمتلك ناصية اللغة ويكتب بهذا الأسلوب الأدبي الذي ينم عن رقة في التعبير وتنويع في طرائق السرد والضمائر والبراعة في توظيف تقنيات الإسترجاع والإستباق والتقاط ذبذبات العصربما في ذلك تفاصيل الحياة اليومية واللحظات النفسية كما عاشها بلحم ودم.

فكتاب عبد السلام رجواني”سفرعبرمدارج اليسار”جدير بالقراءة لأنه فيه سيجد القارئ اليوم ضالته،وسيجد فيه العديد من الأجوبة عن مدارج السياسة داخل اليسار المغربي وعن أجوبة حول نجاحات هذا اليسار وعن أسباب تعثراته وأسباب أفول بعض تياراته الثورية وانكماشها اليوم بعد أن كانت رائدة وقوية في الماضي.

وفي الكتاب أيضا محكيات عن حياة الكاتب يرويها السارد بضميرالمتكلم للإستدلال على واقعيتها من جهة والتعليل على موقف الكاتب آنذاك من هذه المحطات السياسية التي عاشها سياسيا ويعيشها اليوم في كنف اليسار من جهة ثانية.

لاشك أن ما يحكيه عن ماضيه السياسي وعن انخراطه في مدارج اليسار، سيتفاعل معه كل من شاركه تلك اللحظات من رفاقه في منظمة 23 مارس الثورية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي ومن إخوته في الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية الذي التحق بهم منذ 1989.

ومن جهة أخرى فالكتاب بمثابة مقاربة تحليلية يقدمها الكاتب يحاكم من خلالها نفسه ويعرضها بكل جرأة أمام القراء للتفاعل معها وإبداء الرأي بشأنها، وهذا ما يظهر من خلال التفاعل الذي أبداه رفيقه سابقا في 23 مارس الثورية ثم منظمة العمل الديمقراطي الشعبي الأستاذ عبد الهادي الزوهري التي تفاعل مع محكياته وتفضل بتقديم كتاب”سفرعبر مدارج اليسار:،وأيضا أستاذه الدكتورمحمد سبيلا،الذي نهل رجواني من معينه من محاضرات ودروس في الفلسفة بكلية الآداب بفاس ثم الرباط في السبعينات من القرن الماضي والذي تفضل بتقديم كتابه الأول”غابة الرياحين..أيام الحب والألم”.

أما عن أسباب كتابة محكيات عن حياته قال الكاتب عبد السلام رجواني:”وأنا أطرق أبواب الحول السبعين من عمري، وقد بدأت أعد العدة للرحيل الأخير، بدأ لي أنه قد يكون مفيدا أن أكتب عن تجربتي السياسية التي تمتد لخمسة عقود بالتمام والكمال(1972-2023)وهي تجربة متعددة المسارات والمنعطفات تعدد تموجات الحياة السياسية بالمغرب الحبيب”(ص 7).

مضيفا بقوله “عشت خلالها إل جانب أبناء وبنات جيلي أحداثا كبرى،كثيرها طافح بالشدائد والآلام والمظالم وقليلها إيجابي وواعد وحالم،وعايشت رجالا ونساء طبعوا تاريخ المغرب الحديث فكرا وسياسة ومواقف وتضحيات جسام فتعلمت على أياديهم(ن) ما لم أتعلمه في مسيد أو مدرسة أو جامعة: أحلام بوطن حر متقدم، أخلاق نضالية عالية، عشق للأرض والإنسان، جرأة في التعبير عن الرأي والموقف،ثبات عل المبادئ وبذل عطاء وتضحية بلاحدود فكانوا المدرسة والمثال والقدوة…” ص7

وختم مقدمته بكون ماعاشه هو”تجربة أتاحت لي أن أسهم بما استطعت وما اتيح لي من فرص وإمكانات وعلاقات وصدف في النضال الوطني – الديمقراطي للشعب المغربي وقواه الحية من أجل مغرب الديمقراطية والحداثة وحقوق الإنسان،ومن ثمة ساهمت التجربة إياها بإنجازاتها وانكساراتها بعنفوانها وتراجعاتها بمآسيها وأفراحها بمآزقها ومخارجه بأخطائها وصوابها بنجاحاتها وإخفاقاتها وخيباتها….”

وتجدرالإشارة إلى أن الكاتب عبد السلام رجواني زروالي المولد، مغربي النشأة ولد نهاية 1953 بمدشر غرس علي ودرس بمدرسة العذير بوزان ثم بمدرسة أولاد صالح الإبتدائية بغفساي وتابع دراسته الإعدادية والثانوية بمدن سوس بتزنيت وإنزكَان وأكَادير إلى أن حصل على شهادة الباكلوريا سنة 1974،ليلتحق بجامعة محمد بن عبد الله قسم الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس.

واستكمل دراسته العليا بجامعة محمد الخامس بالرباط بكلية علوم التربية بالرباط وعمل أستاذا للفسفة بثانوية عبد الله بن ياسين بإنزكان ثم أستاذتا مكونا بالمركز التربوي الجهوي بأسفي ثم أكادير.من مؤلفاته:فضاء الطفولة – الهجرة والتنمية- غابة الرياحين(الجزء الأول 2018)- إسهامات التعليم الخصوصي في تحديث المنظومة التربوية الوطنية (2019).

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى