السياسة

جدل حول منع حزب جديد “تامونت للحريات”..

أثار رفض تأسيس حزب سياسي ذي مرجعية أمازيغية في المغرب جدلا واسعا في الأوساط السياسية والحزبيّة على وجه الخصوص، وأعاد إلى الواجهة الحديث عن صراعات الهوية واللغة في البلاد.

ويتعلق الأمر بحزب (تامونت للحريات) الأمازيغي، الذي أصدرت المحكمة الإدارية في العاصمة الرباط في وقت سابق من هذا الشهر قرارا برفض طلب تأسيسه بعد أن أحالت وزارة الداخلية ملف الحزب إليها.

 التنافي مع قانون الاحزاب

وأرجع باحث متخصص في الشأن السياسي الأمازيغي سبب رفض طلب تأسيس الحزب إلى مرجعيته اللغوية والعرقيّة، التي تتنافى مع ما ينص عليه القانون التنظيمي للأحزاب السياسية في المغرب.

ويرى بوبكر انغير، المنسق الوطني للعصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان والباحث المتخصص في العلاقات الدولية، أن بعض الأحزاب، وعلى رأسها حزب التجمع الوطني للأحرار (يمين وسط)، غيرت خطابها واستراتيجياتها في التعامل مع المسألة منذ مأسسة الأمازيغية من خلال إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي انبثق عن الخطاب الملكي لسنة 2001.

وقد تُوّج ذلك باعتراف دستور عام 2011 بالأمازيغية كلغة رسمية في البلاد بعد اللغة العربية.

وقال انغير في حوار مع وكالة أنباء العالم العربي (AWP) “المؤسسة الملكية هي التي يُعوّل عليها المغاربة كثيرا للدفع بالمطالب الأمازيغية إلى الأمام، لأن الأحزاب السياسية متقلّبة وخاضعة للظروف السياسية في تعاطيها مع القضيّة الأمازيغية”.

وفيما يتعلق بحزب (تامونت للحريات)، قال الباحث في العلاقات الدولية “لا يمكن أن نقبل بالمغرب أحزابا بمنطلقات إثنية؛ بل جميع الأحزاب المغربية باختلاف برامجها يجب أن تدافع عن الأمازيغية ولا تحتكرها، وتأسيس حزب أمازيغي لا ينسجم في نظري مع قانون الأحزاب. فالأحرى أن يكون حزبا مغربيا يُدافع عن المرجعية الأمازيغية”.

واعتبر انغير أن مطالب تأسيس أحزاب أمازيغية له علاقة وطيدة بفشل الأحزاب في الدفاع عن المطالب الأمازيغية، مضيفا “الأحزاب السياسية المغربية في معظمها ليست مهيأة لاستيعاب مقتضيات الإيمان بالتنوع الثقافي واللغوي بالبلاد، ونخبها لا تزال غير مقتنعة بإقرار عدالة لغوية وثقافية حقيقية مبنية على تربة وثقافة البلد”.

ضرره أكثر من نفعه

ويرى انغير أن الدولة لن تسمح بتأسيس أحزاب أمازيغية، “لأن الأمر سيؤدي إلى مشاكل كبيرة في تأويل قانون الأحزاب وسيُفهم على أن الأمازيغية تخصص فئوي أو تهم شريحة دون أخرى”.

وقال “في الحقيقة، تأسيس الأحزاب الأمازيغية سيضر بها أكثر مما سينفعها، لأن ذلك سيعفي الأحزاب الأخرى من مسؤولية الدفاع عن الأمازيغية؛ والأفضل هو وجود أحزاب مغربية تدافع عن الأمازيغية وتتبنى مطالبها”.

وخلص الباحث إلى أن الدفاع عن الأمازيغية يتطلب “أحزابا مغربية متشبعة بالثقافة المغربية الأصيلة وبالحقوق اللغوية والثقافية وفق المرجعيات الحقوقية الوطنية والدولية، وليس أحزابا تتعاطى مع الأمازيغية بشكل مناسباتي أو تنتظر لغة الإشارة من المؤسسة الملكية”.

وكانت المحكمة الإدارية في الرباط قد قضت في الأول من فبراير شباط الجاري برفض طلب التصريح بتأسيس حزب (تامونت للحريات) في حكم قطعي بعد الدعوى التي تقدمت بها وزارة الداخلية في هذا الشأن.

وطالبت وزارة الداخلية المحكمة في إحالتها لملف الحزب برفض التصريح بتأسيسه، قائلة إن الملف “تعتريه مجموعة من العيوب الشكلية على مستوى البيانات ونقص في بعض الوثائق”.

من جانبه، قال محامي الحزب محمد المو في تصريحات صحفية عقب صدور الحكم “ما زلنا نجهل الحيثيات ونتوفر فقط على منطوق الحكم وننتظر سحب نسخة الحكم لنطلع على الحيثيات التي اعتُمدت في رفض الطلب ودراستها من أجل الطعن في الحكم استئنافيا أمام محاكم الاستئناف الإدارية”.

 “استمرارية لنضال الشعب”

وينخرط في الحزب، الذي يعتبر نفسه جزءا من الحركة الديمقراطية الأمازيغية، نشطاء أمازيغ مهتمون بالشأن الأمازيغي في المغرب، ويتخذ رمزا له الفراشة.

وانطلقت الشرارة الأولى للحزب عام 2016، حين فكّر بعض النشطاء الأمازيغ في إنشاء حزب جديد يطلقون عليه اسم حزب (تامونت للحريات)، وهو ما يعني (الاتحاد للحريات)، وبادر هؤلاء إلى احداث تمثيليات ببعض جهات المغرب إلا ان عملية تأسيس الحزب تعثرت إلى أن تقدم عدد من المناضلين بطلب تأسيس الحزب مؤخرا.

حزب من رحم هموم الشعب

المنسق الوطني لحزب (تامونت للحريات) على وجيل قال إن الحزب يتّسم بمرجعية هويّاتية ديموقراطية اجتماعية، مضيفا أنه “يُعتبر أيضا استمرارية لنضالات الشعب التحررية والحقوقية، وهو نابع من رحم هموم الشعب المغربي”.

واعتبر وجيل رفض المحكمة الإدارية في الرباط ملف تأسيس الحزب “غير قانوني”؛ وقال إن دور المحكمة الإدارية “هو مراقبة التطبيق السليم للقانون فقط”.

واستنكر المنسّق الوطني للحزب في تصريح لوكالة أنباء العالم العربي ما وصفه بصمت كل من الأحزاب السياسية والجمعيات والمنظّمات الحقوقية والمدنية، معتبرا ذلك “انحيازا مفضوحا منها إلى جانب التحكم والتسلط”.

الأمازيغية والحزب بدون احتواء

من جانبه، قال الناشط الأمازيغي عبد الله بوشطارت، صاحب كتاب (الأمازيغية والحزب)، إن “الأحزاب السياسيّة القائمة في المغرب بجميع مرجعياتها وتموقعاتها لا تهتم بالأمازيغية ولا تضعها في المكانة التي تستحقها، نظرا للمنطلقات الفكرية والأيديولوجية والبرامج السياسية التي تتبناها منذ تأسيسها”.

وأضاف في حديث لوكالة أنباء العالم العربي “ما نتابعه حاليا في استهلاك بعض الأحزاب للأمازيغية لا يعدو أن يكون محاولة لاحتواء الخطاب السياسي الأمازيغي، الذي أصبح ينتشر في المجتمع المغربي أفقيا وعموديا”.

واعتبر أن الأحزاب التي “تتهافت على الأمازيغية أحزاب قريبة من السلطة… ليست لها استقلالية مذهبية ولا مرجعية فكريّة، بل هي بمثابة تجمّعات للمال والنفوذ تُمارس السياسة عن طريق الاستحواذ على الصناديق قصد الهيمنة، لأنها أحزاب لا تعيش دينامية فكرية وتفتقد لهوية فلسفية وفكرية يمكن أن نقيس بها مواقفها وتوجهاتها السياسية”.

وقال بوشطارت “الأمازيغية هي مشروع مجتمعي متكامل، يتكامل فيه الاقتصادي مع الاجتماعي والسياسي والثقافي وقضايا الديموقراطية والحريات واقتسام النفوذ والثروات والمشاركة في بناء القرارات السياسية… الأمازيغية ليست وليدة اليوم، وإنما هي فكرة قديمة جدا”.

أضاف “الحزب السياسي المغربي خرج للوجود للحد من السياسة الأمازيغية التي كانت تمارسها القبيلة… لذلك، فإننا نعتبر في أدبيات الحركة الأمازيغية أن الأحزاب السياسية المغربية جميعها تُعاني من أزمة النشأة والولادة، فهي تتبنى أيديولوجيات وأفكارا خارجية لم تفرزها التربة المغربية”.

وأشار إلى أن حزب التجمّع الوطني للأحرار (يمين وسط)، الذي يرأس الحكومة المغربية، يوجد على رأسه اليوم أمازيغي، والشيء نفسه بالنسبة لحزبي الأصالة والمعاصرة (وسط اليسار) والحركة الشعبية (ليبرالي محافظ)، قائلا “على هذا الأساس، فإن الأمازيغ لا يشاركون في الحكم ولا في السياسة إلا عن طريق هذه الأحزاب”.

وتحدّث بوشطارت عن (الحزب الديموقراطي الأمازيغي المغربي)، الذي تأسّس بزعامة أمغار أحمد الدغرني عام 2005، قائلا إنه “خلق هزة ورجّة سياسية في النَسَق السياسي المغربي من خلال البرنامج السياسي والاقتصادي والثقافي الذي طرحه، وكذلك قانونه الأساسي الذي يختلف تمام الاختلاف مع ما هو موجود في الأحزاب السياسية القائمة”.

لكنه أردف قائلا إن ذلك الحزب “تم حله ومنعه بعد فرض حصار سياسي عليه بحكم قضائي عام 2007، وظلّت المشكلة السياسية بين الأمازيغ والسلطة قائمة إلى الآن”.

  • عن وكالة أنباء العالم العربي
          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى